التغيير وصعود العبارة بخطي متسارعة جعلها هي حديث الكثيرين وفي مختلف المجتمعات صعودا اثر عليه الذي يحدث في الساحة المحلية والاقليمية فالشعلة التي حرقت البوعزيزي مضت لتضئ الدرب المؤدي الي ميدان التحرير في قلب العاصمة المصرية دون ان يتوقف سريانها حتي بعد تغيير نظام ظل ممسكا بمقاليد الامور لثلاثين عاما من ميدان التحرير انطلقت العبارة الي بقية دول المنطقة ولم تكن الخرطوم بعيدة عنها وبمعزل عن تأثيرها لتصعد المفردة لسطح التداول اليومي في الساحة السودانية الكل ينشد ودها ويرغب فيها الا انها رغبة تتعلق بنقطة ارتكاز صاحب الدعوة للتغيير، فالعبارة عند بعض اهل المعارضة تمضي في اتجاه تغيير النظام بشكل تام ، وعند اهل النظام تتخذ خطوات اخري تتعلق نفسها بلفظة التغيير التي صارت مطلوب الساحة السودانية ،الكل ينادي بلفظ التغيير وحدوثه كضرورة الا انه ثمة اختلاف حول ما هو التغيير المطلوب ، امر يختلف من جهة الي اخري وتتعدد حوله الرؤي والاتجاهات فشتان بين تغيير الحكومة وتغيير المعارضة بل حتي رؤية التغيير عند مكوناتها المختلفة وقواها السياسية مما يجعل للتغيير اكثر من طريق واتجاهات متعددة ومختلفة، لعل اخرها ما جاء في تصريحات رئيس الجمهورية امس في مسجد النور وحديثه عن اقامة مفوضية لمحاربة الفساد وهو ما يعني ان رؤي اصلاحية تستهدف التغيير بدت تبرز من داخل اروقة النظام تبدأ اولا بمحاربة الفساد وهو الامر الذي كان قد اشار له في فترات سابقة مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الامنية الفريق صلاح قوش، وفي نفس الاتجاه مضي القيادي بالمؤتمر الوطني امين حسن عمر متناولا موضوع الساحة وهو التغيير في البنية السياسية والاجتماعية وهو ما يعني تعدد الاتجاهات المنادية بالتغيير وعدم ثبات الوقائع علي حالها، وفي الاتجاه الاخر تقف المعارضة منشدة التغيير باعتباره ضرورة حتمية في البلاد الان وهو ما يعني ان الكل ينظر الي التغيير بمنظاره الخاص، وفي نقطة قصية يقف الشعب المنشود بالتغيير وهدفه معبرا عن وجهة نظره في الذي يحدث وفي التعبير عن رغباته. الدكتور محمد حمدنا الله عبد الحافظ استاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين في تحليله لظاهرة التغيير ينطلق اولا من مسبباتها الاساسية ، والتي يفسرها باعتبارها احد مخرجات العولمة والثورة التقنية وانهيار الحواجز بين الفئات من جانب، وفي جانبها الاخر تمثل تعبيرا عن حالة الضيق التي وصلت اليها الشعوب التي انفجرت بعد ان فاض بها الكيل ولم تجد خيارا غير الشارع الذي تغير بين ليلة وضحاها. ويقول حمدنا الله ان الرغبة في التغيير تبدو ا في جانبها الاول تعبيرا عن خيارات ذاتية وكل ينطلق حسب اتجاهاته وحسب درجة اقترابه من الظلم واحساسه بالقهر وهو ما يعتبر تفسيرا منطقيا عن تباين الرؤي بين المجموعات السودانية التي تنشد التغيير، فقوي المعارضة تنظر اليه من خلال منظار الوصول الي الكرسي وهو امر منطقي باعتبار الهدف الاساسي لاي حزب هو الوصول الي السلطة، وفي الطرف الاخر المحافظة عليها ومن هنا يبرز الصراع السياسي الذي يفتقد الي الرؤي المستقبلية بالرغم من موضوعيته لمن يطرحونه ولكنه يفتقد للسند الذي يجعل الجماهير من غير المنتمين لهذه الاحزاب تسعي لانجازه، وربما هو الامر الذي يفسر بروز القوي الشبابية في المنطقة والتي اصبحت لاتؤمن باطروحات هذه القوى وتسعي لانجاز اهدافها باستخدام اساليب جديدة مثلما يحدث الان، حديث حمدنا نقل موضوع التغيير نحو آلية جديدة وسيلتها في هذه المرة هم الشباب الصاعدون الان وبقوة علي سطح الاحداث مما يجعل من عملية التساؤل عن اي نمط من التغيير يريدون امرا مشروعا ومنطقيا وخصوصا في ظل الاوضاع التي يعاني منها الشباب السوداني، الاوضاع التي اشتعلت نقاشا في الفيسبوك لكنه نقاش عبر عن رغبة في التغيير وفي نفس الوقت في اختلاف آلياته ففي الوقت الذي طرحت فيه مجموعة من الشباب شعارا هدفه اسقاط النظام ، طرح اخرون شعارا مناقضا له تماما هو شعار الحفاظ علي النظام وهنا تبدوا طبيعة الصراع السياسي بين منسوبي المعارضة وداعمي الحكومة مما ادي لبروز تيار ثالث ينادي باسقاط التيارين معا وافساح المجال امام الشباب للمساهمة في بناء وطنهم وفقا للرؤي التي يؤمنون بها، بل نادوا بتغيير الدستور نفسه والسماح للشباب بالترشح لرئاسة الجمهورية وليس حصرها كما حدث في قانون الانتخابات لاعمار معينة ، واصفين هذا السلوك بغير الديمقراطي لانه يأخذ حقوق الاغلبية الشبابية ويكرس لسيطرة فئة عمرية معينة. فيما يري بعض المراقبين ان النتيجة التي افرزها الاستفتاء بانفصال الجنوب فتحت الباب واسعا امام ضرورة التغيير في بنية النظام وهي التي افرزت النزاع بين الحكومة والمعارضة حول مستقبل الشمال بعد الانفصال، الا انه نزاع يتخذ الطابع السياسي مما يفرغ فكرة التغيير من مضمونها ويجعلها أسيرة لحالة الاستقطاب السياسي الحاد المميز للعلاقة بينهما وهو امر يبدو مرفوضا عند المعارضة ويدعمه بشكل اساسي حديث الامين العام المكلف للحركة الشعبية ياسر عرمان من خلال حوار اجرته معه الصحافة حيث يقول عرمان « المجتمع السوداني يحتاج الي تغيير ولاشك في ذلك وقلت مرارا وتكرارا ان المؤتمر الوطني عليه ان ينظر مليا ويتضح له ان هنالك قضايا فساد هناك عطب نتيجة لسيطرة حزب واحد وتحزيب اجهزة الدولة ، العالم يتغيير من حولنا ، مشيرا الي ان وسائل الاتصالات الحديثة تمنع الكبت والاعتداء علي الحريات وتمنع تسيير الدولة بالاشكال السابقة والمواقع الاجتماعية والسياسية اصبحت وسيلة للتغيير والثورة والتعبئة والتنظيم، والان يمكن عقد الاجتماعات بواسطة التقنيات الحديثة ويمكن لموقع اجتماعي ان يضم مئات الالاف ، ويقوم بتنظيمهم ، نحن نقف علي مشارف التغيير الشامل في المفاهيم وعلاقات القضايا الانسانية ، نحن في عصر وسائل اتصالات عابرة للمجتمعات ، لذلك المؤتمر الوطني كحزب حكم السودان اكثر من عشرين عاما، علي المؤتمر الوطني ان يعيد النظر في طريقة حكمة فهي غير مقبولة ، عليه تجديد نفسه وان يغير من طريقته وان لم يفعل سيتم تغييره هذه هي سنن الحياة ، ولديه فرصة وقلت ان المؤتمر الوطني بعد ما حدث في تونس ومصر والشعب السوداني لديه تجربتان وهو سباق في 1964 و1985م ، والوطني بات لديه كرت اصفر وعليه ان يتحرك قبل ان ينال الاحمر ، الدول السودانية مرت باختبار لاسابق له انفصال الجنوب يعني فشل كامل للمشروع القديم والمؤتمر الوطني عليه ان يعطي المسألة الاولية ويكون هناك طرق ومناهج جديدة لادارة الدولة، اما القديمة فهي غير مقبولة لنا جميعا ». ويتجه عرمان في رغبته للتغيير من المنطلق الذي تنطلق منه قوي الاجماع الوطني تغيير يستهدف في الاساس المؤتمر الوطني وآلياته الحاكمة وثقافته المسيطرة علي الاوضاع منذ عشرين عاما ، ولكن الامر يطرح تساؤلا موضوعيا يتعلق بآليات هذا التغيير المنشود وقدرتها علي الاداء في تحقيق اغراضها المتمثلة في التغيير وهو امر يبدو واضحا في الاختلاف حول التعامل مع الحكومة من المشاركة وعدمها بحسب ما هو مطروح من قبل الحزب الحاكم الا ان عملية تجاوز الحكومة والمعارضة في عملية التغيير نحو الشعب تصبح ضرورة موضوعية الان باعتباره المتأثر بالسياسات الان وفي نفس الوقت من يجب ان يستفيد من حدوث التغيير والذي سينشدونه ،وبحسب كثيرين هو تغيير يستهدف بشكل الاساسي الوجوه التي تعودوا علي رؤيتها سواء كانت وجوها في الوزارة الان او وجوها تسعي للوصول للوزارة من المعارضة وهي وجوه الصراع السياسي بالسودان منذ الاستقلال وحتي الان مما جعل محدثي الذي لم يتجاوز عمره الخامسة والعشرين عاما عندما سألته حول التغيير الذي يريد فرد سريعا وكأنه انتظر هذا السؤال مجيبا «نحن نريد تغييرا ما في ذلك شك ولكن في المقابل نريد تغييرا لكل المفاهيم السابقة تغييرا يكون فيه الشباب قواد الثورة وليس وقودها كما حدث سابقا وتغييرا بعيدا عن ان نكتوي نحن بنار الحرية ويسطع ضؤوها عند اخرين ، حديثه اكد علي الرغبة العامة في التغيير كهدف متفق حوله من جانب وفي الجانب الاخر اختلاف منظور كل مجموعة لهذا الهدف .