في اللحظة التي نادي فيها المؤذن ان حي علي الصلاة نفض العم عبد الرحيم عنه غبار التعب وحمل اشياءه متوجها الي المسجد القريب الذي يمثل نقطة الالتقاء الصباحية للمواطنين المقيمين في امبدة ، زملان الشقى، حيث يبتدر الحوار الصباحي باجندته المعروفة والتي تبحث عن ايجاد حالة من التوافق بين الموارد ومنصرفات اليوم المتمثلة في حق الملاح والتعليم والصحة والوصول بالمواصلات العامة تلك هي اجندة الحوار اليومية بين من يحملون صك المواطنة في اتجاهات مختلفة في السودان قد تختلف اللغة ولكن تلتقي في خاتمة المشهد بمطالبه ، الا ان مشهدا اخر وفي محطة اخري يتعلق ايضا بالحوار واجندته الا ان من يدعون له يمتلكون نفس الوثيقة وثيقة المواطنة الا ان هذه الوثيقة تسبقها عبارة «السياسي» الصفة التي تنتج مشهدا مختلفا للحوار واجندة تبدو متباينة عن الاجندة الاولي تباينا لم يكن فقط في المكان هنا «الرياض» حيث مسرح المركز العام للمؤتمر الشعبي واحتشاد لقوي المعارضة وتحالف جوبا الذي ينشد التغيير وفقا لرؤي جديدة هتفت بها مسؤولة التعبئة في التحالف والقيادية في حزب الامة القومي الدكتورة مريم الصادق المهدي والتي قالت «لابد من التغيير في مفاصل الدولة تغييرا يشمل الدستور ويستهدف تحقيق التحول الديمقراطي والاصلاح الاقتصادي قبل ان تدلف لنقطة اخري تتعلق بالحوار مع الطرف الاخر الذي يجب ان يكون وفقا لمدي معين وبسقوف معلومة ولغرض محدد قبل ان تلج لنقطة اخري تتعلق بضرورة وجود مقرر خاص لحقوق الانسان في السودان وعدم الاستجابة لدعوة الحكومة القائلة بتحسن الاوضاع في هذه الجوانب، قبل ان تختم كلامها بان هذا الامر يمكن ان يتم وفقا لارادة المواطن وتغيير النظام بالقوة الشعبية وهو الامر الذي انتج ردا اخر من مكان جديد هنا «العمارات» موقع المركز العام للمؤتمر الوطني الحزب الحاكم حيث انطلق الرد من القيادي بالحزب مندور المهدي علي حديث المعارضة وعلي تهديدها بالخروج الي الشارع الذي لا تمتلك ادواته، وبوصفه لها بانها حملت اجندة الوطن ومعالجة قضاياه ورهنتها عند الخارج وهو موقف غير وطني ، وان حقوق الانسان يحميها المجتمع والدستور والقانون وهو ما يعني ان حوارا جديدا بين الطرفين عبر وسائل الاعلام هدفه قضية اخري تتعلق بوجود مفوض لحقوق الانسان من عدمه داخل البلاد ، تبدو في تفاصيلها حالة من التناقض بين اتجاهات الحوار الاول في مسرح امبدة «المواطنين » وبين اتجاهات حوار الرياض والعمارات ذي الطابع السياسي مما يجعل من التساؤل حول مدي التطابق بين اجندة الساسة وحواراتهم ورغبات المواطنين امرا تتطلبه ضرورات تحقيق الاستقرار السياسي في البلاد والذي يظهر بشكل جلي في بروز حالات التطابق بين قرارات السلطة السياسية ورغبات المواطنين في جانبه الاول، وفي الجانب الاخر عملية الضغط الممارسة من قبل قوي المعارضة من اجل تحقيق تلك الرغبات وهو الامر الذي يجب ان يحدد اجندة حوار الطرفين والتي تدور الان حول طبيعة الدستور وشكل الحكومة وعمليات المشاركة في السلطة من عدمها والاختلاف حول لفظي «قومية وعريضة » في وصف الحكومة الجديدة. الدكتورة اكرام محمد صالح استاذة العلوم السياسية في اجابتها «للصحافة» حول مدي مطابقة اجندة الحوار السياسي لرغبات المواطنين، قالت ان رغبات المواطنين واجندتهم تمضي في وادٍ بينما تتجه القوي السياسية نحو وادٍ اخر مختلف عنها في حواراتها التي تستهدف بشكل اساسي تعميق مكاسبها في كيكة السلطة والحكومة القادمة او محاولة الاستفادة مما هو متاح عبر الانتخابات ونتائجها بالنسبة لقوي اخري، وتضيف ان كل القضايا التي يتم الحوار حولها الان تبدو بعيدة عن تطلعات المواطنين التي تهدف بشكل اساسي لضرورة الاحساس بتحسن نسبي في الجوانب الاقتصادية وطبيعة المعيشة باعتبارها ما يهم المواطن بشكل اساسي وليست عمليات من يمسك بمقاليد الامور ومن يحكم ومن الذي يعارضه ، مضيفة ان الحوار المثمر هو الذي يمضي في هذا الاتجاه ويعمق من درجة التماسك وبالتالي يقود لعمليات الاستقرار المنشودة في ظل ما هو راهن بعد انفصال الجنوب، الحكومة القومية العريضة ومؤتمر دستوري جديد والاوضاع الاقتصادية في البلاد وضرورة ايجاد معالجة لمشكلة دارفور، تلك هي اجندة الحوار الوطني المطروح من المعارضة والذي لم يرفضه المؤتمر الوطني المتمسك في الوقت نفسه بشرعيته الانتخابية وهو ما يعني ان الشقة لن تنتهي قريبا ، ووجود حالة من الاتفاق بينهما يجعل من اجراء الحوار نفسه حالة تحصيل حاصل ولكن الاختلاف حول العريضة والقومية بين الطرفين يجعل من عملية التناقض بينهما والشعب ومطالبه امرا واضحا للعيان مع تشدد صراع اخر يتعلق بعملية التعدد وانتفائه بعد انفصال الجنوب وثنائية المطالبة بتطبيق الشريعة من المؤتمر الوطني والحريات التي يطرحها تحالف جوبا وهي نفسها النقاط التي تشهد حالة من الشد والجذب بين الطرفين ومدي مطابقة ما هو مطروح لرغبات المواطنين وهل تؤزمهم عملية غياب الحريات وما مدي الحرية الذي يرغبون فيه، وهل ان المشكلة تكمن في قومية الحكومة او ان تكون عريضة وما هي اطروحات الاصلاح الاقتصادي المطروحة من قبل المعارضة ونوع السياسات المطبقة من قبل الحكومة وتأثيراتها عليهم وعلي نمط معيشتهم وهو الامر الذي يجيب عليه للصحافة الدكتور محمد حمدنا الله عبد الحافظ استاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين منطلقا من نقطة اولي يرغب فيها المواطن وترغب فيها الحكومة هي نقطة الاستقرار، الا ان النظرة للاستقرار تختلف من طرف لاخر فالاستقرار عند المواطن يتعلق باحساسه بالامن بمدلولاته المختلفة بينما لفظ الاستقرار عند الساسة ومفاوضاتهم ينطلق من مصطلحات تتعلق بالديمقراطية والحرية واحترام حقوق الانسان وهي مصطلحات تبدو بلا مدلولات عند المواطن العادي ومن هنا يبرز التناقض، ففي الوقت الذي يدعي فيه الساسة انهم يفعلون ما يفعلون من اجل عيون المواطن تنظر هذه العيون لهم بحالة من التجريم الذي تدعمه الظروف العامة والسائدة في البلاد خصوصا العوامل الاقتصادية، ويضيف حمدنا الله نقطة اخري تتعلق بان الطرفين يقولان بانهما مدعومان من قبل الشارع ومواطنيه وهو امر غير صحيح لتناقض الرغبات لدي كل طرف او لحالة الفجوة بين المواطنين والاحزاب السياسية التي تقود الحوار، قبل ان يتساءل كم هو عدد من ينتمون للاحزاب السياسية في السودان وما مدي التزامهم باطروحاتها علي ارض الواقع والعمل وفقا لبرامجها وان عدد الذين ساهموا في وضع هذه الاطروحات والبرامج قليل، اشارة لواقع الاحزاب السودانية الان وضعف الاسس المؤسسية فيها في المقابل، ان كثيرين غير منتمين لهذه الاحزاب وبالتالي لا يدرون شيئا عن اطروحاتها ولا تعنيهم من قريب او بعيد وهو ما يفرز الحالة من التناقض بين الاتجاهين وهو تناقض ساهمت فيه عوامل كثيرة علي رأسها الحرية التي تظل مطلوبة للقوي السياسية بشكل كبير من اجل اعادة بنيانها الحزبي في حين يقل هذا الامر بالنسبة للمواطن والذي يهمه بشكل اساسي الاحساس بقيم العدالة والحرية والمساواة باعتبارها قيما اسلامية يؤمن بها المجتمع اكثر من الاستماع لتصريحات الصراع الوصفي لدولة الشريعة في وسائل الاعلام ، حديث حمدنا الله عن تناقض الاطروحات بين الاحزاب والشارع يجد له حديثا مناقضا مصدره هذه المرة احد السياسيين وتحديدا هو نائب الامين العام للحركة الشعبية ياسر سعيد عرمان والذي قال ان قضايا « السلام والطعام والحرية هي هدفنا الاساسي » وهي نفسها القضايا التي ينشدها المواطن الا ان رؤي ياسر عرمان في كيفية تطبيقها والاتيان بها قد تختلف عن رؤي المواطنين في الشارع ففي الوقت الذي يدعو فيه ياسر لضرورة احداث تغيير انطلاقا من تجربة اكتوبر وابريل واستلهاما من الذي يحدث في المنطقة يمد الشعب حبل صبره في انتظار تغيير سلمي بعيدا عن فكرة الثورات التي يصنعها هو وينال خيرها اخرون كما حدث في التاريخ القريب. بين شد وجذب مفاوضات السياسيين حكومة ومعارضة واجندتهم تبدو اجندة العم عبد الرحيم واخرين المتعلقة بقفة الملاح والاستقرار في انتظار من يشد خيطها الي الامام حيث الواقع المعيشي الافضل والاستقرار الحقيقي .