استطاعت المفوضية القومية للانتخابات، امتصاص مفاعيل الحراك الديمقراطي لأحزاب المعارضة المنضوية في تحالف جوبا الذي سلَّم مذكرة احتجاج على الآلية الإعلامية المتهمة بعدم الحيادية في إدارة أجهزة الإعلام الرسمية والارتهان لحزب المؤتمر الوطني وحكومته، من خلال نقل حدث التظاهرة المطلبية بتفاصيلها في النشرات الإخبارية للتلفزيون الرسمي، لاسيما مشهد قبول مذكرة المعارضة بتفويض الدكتور مختار الأصم لاستلامها، والوعد بالرد عليها في القريب العاجل.. لدرجة أثلجت صدور بعض المتظاهرين حتى بدا التبسم على وجوههم لتسجيلهم نصراً تكتيكياً على حزب المؤتمر الوطني بحشره في دائرة الاتهام باستغلال أجهزة الدولة الرسمية ومقوماتها في الدعاية لحزبه، بل طال الاتهام بعض رموز مفوضية الانتخابات بالانحياز الحزبي وعدم النزاهة، تمهيداً لرفض ما يصدر عن المفوضية من قواعد وضوابط تنظيم العملية الانتخابية. وتبدو تكتيكات تحالف جوبا المعارض ذات مرامٍ أبعد وسيناريوهات تصعيدية للحملة الانتخابية، لجر البلاد إلى منزلقات الصدام بين الجماهير من خلال التظاهر والشحن اليومي للشارع، مما يدفع للتوتر الأمني والأزمة السياسية التي يأتي مفتاح حلها من الخارج كما هو الحال في السيناريو الكيني والزمبابوى، أو على أقل تقدير تظل نتائج الانتخابات موضع تشكيك واتهام إقليمي ودولي بالتزوير لإرادة الجماهير كمال هو الحال في تداعيات الانتخابات الإيرانية وما شابها من صراعات داخلية وتوترات أمنية أوشكت على اقتلاع نظام ولاية الفقيه من جذوره، بفعل الآلة الإعلامية الضخمة التي تديرها غرف الدعاية السوداء في أرجاء المعمورة. ولعل أكبر جناية يرتكبها حزب المؤتمر الوطني على مستقبل البلاد وأمنها واستقرارها، هي السماح لمناصريه باقتراف حماقة فبركة وتزوير الانتخابات بخلاف ما يرسله رئيسه المشير عمر البشير من رسائل طمأنة بنزاهة الانتخابات والإشهاد عليها.. فتساهل بعض الموالين لحزب المؤتمر الوطني في التعامل بالحساسية المفرطة تجاه استغلال أجهزة الدولة ومواردها في الدعاية الانتخابية، أو بعث رسائل توحي بوضع المفوضية في جيب المؤتمر واستظلالها بشجرته في ظل الرقابة الدولية المتحينة لتضخيم الهفوات، وارتفاع صوت المعارضة في الإعلام الخارجي ونجاحها في تمرير خطاب يصادف هوى قوى الهيمنة الغربية، كل ذلك سيدفع بالبلاد إلى مهالك الردى. ومن السذاجة التصور بأن المعارضة دخلت المعركة الانتخابية لتقبل بما دون النصر المؤزر على حكم الإنقاذ، كما أن من الغفلة الاطمئنان لتنازل المؤتمر الوطني السلس عن الحكم بعد أكثر من عشرين سنة في السلطة.. إذا تم خوض المعركة الانتخابية على أساس أنها مسألة حياة أو موت وفق خيار «أنا أو لا أحد»، حيث يحبذ صقور الجانبين رفع شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة الذي تكون وسائل الإعلام المهنية أولى ضحاياه.. ومهما حاولت المفوضية درء الفتن.. يبدو أن هناك من يعجز عن الحياة بعيداً عن مثيراتها..!!