(المعارضة بخطواتها الاخيرة ستجبرنا على مصادرة الحريات والتضييق عليها ونجعلها رهن الاقامة الجبرية ) بهذه العبارات رد مساعد رئيس الجمهورية نافع علي نافع على التحركات الهادفة لاسقاط النظام التي تقوم بها المعارضة في هذه الايام، وهي الخطوات التي تتعلق في جانب آخر بالدعوة المتكررة منها من اجل بسط الحريات التي قالت الحكومة امس وعلى لسان نافع نفسه انها اي الحكومة مع بسط الحريات،الا ان نافع حذر من انها ستتعامل مع كل من يتجاوز حدود تلك الحريات بالتخريب معيدا المعادلة مرة اخرى للحديث عن الخيط الرفيع بين الحرية والفوضى او الخط الغليظ مابين الحكومة والمعارضة في عملية النظر للحرية كل حسب نقطة انطلاقه. وما بين هؤلاء وأولئك يظل الدستور هو نقطة الحسم للجدل الدائر الآن ،الدستور نفسه مابين نصوصه وتطبيقه على ارض الواقع تبقي الحريات عرضة للتفسير الخاص لكل فريق ووفقا لما يتواكب ومصلحته الخاصة امر تدعمه وبشكل اساسي علاقة التضاد بين الحكومة والمعارضة في مسألة الحريات، ففي الوقت الذي تطالب فيه الاولى بتركها متاحة للجميع تنظر لها الثانية بانها الخطوة الاولى في طريق التلاشي والضياع وربما السقوط الامر الذي باتت تخافه الحكومة وتسعى اليه المعارضة. المعادلة تقول مطالبة بتوسيع هامش الحريات من المعارضة وتهديد باغلاق حتى هذا الهامش من قبل السلطة مما يفتح باب التساؤل حول ماهو السقف المطلوب للحريات في السودان وما مصدره وكيف يتم النظر اليه والامر يتعلق بشكل اساسي بالممارسة السياسية اليومية وشكل التفاعل بين الطرفين في جانبه القانوني وفي بعده السياسي والمواعين التي تتم من خلالها ممارسة الحرية (نور ونار) هكذا تبدو الصورة الآن نور تبحث عنه المعارضة ولكنه نور محاط بنيران السلطة التي تنطلق من الدستور، نفس النقطة التي تنطلق منها المعارضة في مطالبتها بالبحث عن الحريات . حقوق كفلها دستور السودان باعتباره السلطة العليا في كثير من مواده واضاف اليها وثيقة الحقوق وهي النقطة التي ينطلق منها القانوني نبيل اديب في اجابته للصحافة فيما يتعلق بتحديد سقف الحريات التي قال انها تبدأ بحرية التعبير بما تشمله من تلقي المعلومات ونشرها عبر الوسائل المعروفة واضاف الحرية الاخرى وهي حرية التنظيم نقطة الصراع الاساسية مابين الحكومة والمعارضة الآن وخصوصا فيما يتعلق بعملية تسيير المواكب بالرغم من اعتراف الحكومة بوجود هذه المنظمات، الصراع الذي ارتفع صوته اخيرا بتهديد المعارضة بممارسة حقها في التنظيم ورفض الحكومة هذا الامر ويحدد اديب حرية في اشكال متعددة تتمثل في حق التجمع السلمي وتنظيم المسيرات السلمية وفقا للدستور والقانون ويشير إلى ان مادة وفقا للقانون يتم تفسيرها ايضا من خلال الدستور الذي يحسم التناقض مابين المادة القانونية والدستور لصالح الدستور الذي يجب ان تقوم كل التشريعات على اساسه. ويقول انه في حالة تعارض نص قانوني مع نص دستوري يسود النص الدستوري في المساحة التي تلغي هذا التعارض، وان القانون يجب ان يصون هذه الحريات لا الانتقاص منها او الغائها ويمضي اديب قائلا ان النصوص الدستورية في اتفاقية السلام الشامل منحت كل هذه الحقوق الا ان الاشكال الاساسي يأتي في تطبيقها وهو ما يجعل من الصعوبة بمكان تحديد معيار لقياس الحرية سواء في درجة الالتزام بالقانون باعتباره الآلية الاساسية المتماشية مع الدستور. معادلة الصراع السياسي بين مكونات العملية السياسية في السودان وتحديدا المؤتمر الوطني وبقية القوى المعارضة لم تخلُ من الاشارة للخلاف حول تفسير حق الحريات وممارستها ،ففي الوقت الذي تحاول المعارضة ان تتعامل معه باعتباره حقاً مطلقاً ودون ان يكون هنالك اي شكل من أشكال القيود عليه مستندة على مجموعة من النصوص الدستورية ومسوقة لها في خطابها السياسي (تؤكد مبادئ وحقوق الإنسان وحرياته الأساسية التى وردت فى جميع العهود والمواثيق الدولية والإقليمية على حرية التنظيم والتجمع والتعبير فى المجتمع الديمقراطى صوناً لمبادئ الحكم الراشد وسيادة حكم القانون. هذا ما سعت إتفاقية السلام الشامل والدستور الإنتقالى الشامل لسنة 2005 على التأكيد عليه فى إطار الإجماع السودانى على التحول الديمقراطى وإحقاق السلام والإستقرار للسودانيين كافة دونما تمييز. فالمادة 39 من الدستور الإنتقالى تكفل حرية التعبير، كما تكفل المادة 40 حق الجميع فى التجمع السلمى كأداة للتعبير، وتؤكد المادة 26 من قانون الأحزاب السياسية على ذات الحريات فى إطار الممارسة الديمقراطية. غنى عن القول إنه فى التجمع السلمى ينبغى مراعاة السلامة والنظام وتجنب العنف والأذى للآخرين وممتلكاتهم وضرورات السلامة العامة. هذا ما سعت أن تبرزه المادة 127 من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991 المعدلة بالقانون رقم 8 لسنة 2002 على منح الوالى أو المعتمد الحق بحظر أو تقييد أو تنظيم أى إجتماع أو تجمهر أو موكب فى الطرق والأماكن العامة «مما يحتمل أن يؤدى إلى الإخلال بالسلام العام» وعليه فإنه ليس هناك ما يحول دون تجمع أو تجمهر المواطنين، ما لم تقرر السلطات وبأسباب كافية أن هناك ما يجوز أن يخل بالسلام أو الأمن العام. ويتضح من جميع النصوص المذكورة أن تنظيم التجمعات أو المسيرات لا يقتضى سوى الإلتزام بالحفاظ على الأمن وسلامة الآخرين وممتلكاتهم، وليس هناك من ضرورة قانونية لأخذ أى أذن مسبق من أى من السلطات للخروج فى أى تجمع أو مسيرة سلمية،) الا ان العبارة الاخيرة المتعلقة بالحفاظ على الامن والسلام العام هي معيار الاختلاف الاساسي مابين المعارضة والاجهزة الامنية التي تطلب من الذين ينوون الخروج في مسيرات الحصول على اذن من اجل ممارسة هذا الامر باعتبار أن الاجهزة الامنية مسؤولة عن تأمين الاشخاص والممتلكات بما فيهم الخارجون لايصال صوتهم وممارسة حقهم في التعبير السلمي وهو الامر الذي بدا واضحا في التهديد الشرطي لكل من يحاولون الخروج وتهديد الامن والسلامة في ظل تداعيات الاستفتاء وتخوف الجميع من حالات عنف قد تحدث اثناء اجرائه الا ان احداثاً اخرى بدأت تلقي بظلالها على المشهد السوداني اخيرا خصوصا في ظل ارتفاع موجة الاحتجاجات في الشمال الافريقي وبروز النتائج الاولية التي تؤكد على انفصال الجنوب في اعقاب الاستفتاء. تحركات الشرطة من اجل حماية الاموال والممتلكات العامة للقيام بدورها لم يضع اجابة للتساؤل حول سقف الحريات بين الجانبين بالرغم من اجابات الدستور التي يرى الكثيرون انها فقط عبارة عن نصوص لا غير . المحلل السياسي واستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين الدكتور محمد حمدنا الله عبد الحافظ يحلل الامر من خلال ان عملية تحديد سقف للحريات تبدو عملية صعبة وان انها ترتبط وبشكل اساسي بعملية تجذر الديمقراطية باعتبارها آلية تحقق هذا الغرض للجميع ويرى ان الموضوع في السودان له خصوصيته التي ترتبط اساسا بشكل الصراع القائم ومكوناته ودرجة التقارب والتباعد بينها بالاضافة للبيئة السياسية العامة والتي وصفها بانها محتقنة لمجموعة من العوامل آخرها انفصال الجنوب واشار كذلك إلى ان الصراع بين الجانبين في عملية توسيع هامش الحرية هو صراع ذو طابع سياسي اكثر منه صراع حول اهمية سيادة الحريات الاساسية في البلاد باعتبارها الاداة الاساسية لتحقيق الاستقرار السياسي الذي لن يتم الا بتبلور فكرة دولة القانون، واضاف حمدنا الله ان الصراع الآني سيكون استمراراً للصراعات السابقة بين الجانبين مضيفا ان السقف الاساسي للحريات عند المتصارعين الآن هو السلطة لا غيرها وهو مايبدو واضحا في التصريحات المتبادلة فالمعارضة تريد ممارسة حق التعبير والاحتجاج من اجل قيادة الشعب لاسقاط الحكومة والحكومة تبرر التحرك بانه تهديد للسلام والامن العام وهي تريد ان تحاسب الآخرين على اساس النية او الشروع في تهديد الأمن دون ان يحدث ذلك على الارض حقيقة. (السلطة) والوصول اليها او المحافظة على امتيازاتها محدد اساسي لسقف الحريات في ظل الصراع الدائر بين الحكومة والمعارضة في البلاد ، صراع استمر حتى الامس باعتقال السلطات لزعيم المؤتمر الشعبي حسن الترابي الخطوة الموصوفة عند السلطة بانها محاولة للحفاظ على الامن في البلاد في اعقاب تهديدات المعارضة باسقاط النظام ،ونفس الخطوة تصفها المعارضة بانها انتهاك للحريات التي حددها (الدستور) السلطة العليا في البلاد المفسرة وفقا للأهواء والمنطلقات السياسية للأطراف المعنية.