أضحى غول الفساد يتمدد بأشكال مختلفة فى قطاعات عديدة، مما دعا رئيس الجمهورية البشير الى أن يوجه بإنشاء مفوضية تعمل على الحد من الفساد، مما يعد اعترافاً من الحكومة نفسها بوجود أيادٍ فاسدة تعبث بمصالح المواطن المغلوب على أمره، بدافع الجشع والطمع والمنفعة الشخصية، وغياب الضمير الذي يحتاج الى احكام الرقابة والقانون، مما يدعو إلى مجموعة من التساؤلات بحثاً عن إجابة في ما يتعلق بقضية التقاوى الفاسدة الخاصة ب «زهرة الشمس» والتي مازالت هاجساً يؤرق الكثيرين، بسبب الصفقة الفاسدة التى تسبَّبت في خسائر فادحة للمزارعين، أوصلتهم إلى حد بيع أصولهم وكلفت الدولة مبلغ «200» مليون دولار قيمة استيراد زيوت من الخارج، ومازال الفاعل مجهولاً، وشركة صافولا التي اتهمتها جهات عدة باستيراد تلك التقاوى أكدت أنها لا تعمل في مجال التقاوى. نائب رئيس اتحاد عام مزارعى السودان غريق كمبال، أوضح أنهم بصفتهم اتحادا جلسوا مع الجهات الموردة منذ ظهور المشكلة. وقال ل «الصحافة» إننا كونا لجنة برئاسة الأعسر، واللجنة قامت بعمل تقرير وهي الآن موجودة، كذلك طلبنا من الشركة الموردة للتقاوى أن يأتوا بخبراء الى السودان من الشركتين «اى صن وبران»، وبالفعل جاء الخبراء ووقفوا على المشكلة. وذكر غريق أن عبارة التقاوى الفاسدة غير دقيقة، لأن التقاوى انبتت انباتا كاملا، لكن المشكلة تكمن فى انها تعطى حبوباً فارغة. وهذه المشكلة تحتاج الى دراسة اعمق، إلا أنه رجع وقال إن المسألة الاساسية التى نعول عليها هى مطالبتنا بضرورة تعويض المزارعين، علما بأن هذه الزراعة كلها مؤمنة، والمشكلة لدينا في القضارف وسنار والنيل الأزرق وجنوب كردفان، فمزارعو هذه الولايات لا بد من تعويضهم، ونحن لا يمكن أن نحدد شركة معينة، فنحن مشكلتنا مع البنك الزراعى والشركة المؤمنة. وكان الأمين العام لاتحاد مزارعي كسلا بالإنابة عبد الله العراقي، قد كشف عن مخطط لضرب السودان في اقتصاده، تنفذه شركات تتبع لجهات غير معلومة، تعمل في مجال بيع واستيراد التقاوى الفاسدة. وأكد عراقي أن كل التقاوى الآن فاسدة ما عدا تقاوى البصل والبطيخ، وأبدت لجنتا الشؤون الزراعية والاقتصادية بالمجلس الوطني قلقاً متزايداً إزاء شكاوى المزارعين من الخسائر الفادحة بسبب تدني الإنتاجية التي أفرزتها تقاوى زهرة الشمس الفاسدة وتقاوى أخرى. وتتجه اللجنة الزراعية لاستدعاء وزير الزراعة بشأن تقاوى زهرة الشمس التي جعلت المزارعين في سنار معسرين، حتى بلغت مديونياتهم لدى البنك الزراعي أكثر من «4» مليارات جنيه، وتسببت في إخراج آلاف المزارعين من دائرة الإنتاج، وشكلت لجنة فنية وقانونية للتقصي في غضون أسبوع، حول ملف تقاوى زهرة الشمس الفاسدة. ومن جهة طالب الأمين العام للقطاع المطري لولاية سنار، بمحاسبة ومحاكمة المتورطين في جريمة استيراد وبيع التقاوى الفاسدة، وتحديد الجهة المجهولة التي تمنح التراخيص للشركات المعنية، والضغط على البنك الزراعي لتعليق سداد المديونية المجدولة، إلى حين فراغ اللجنة من عملها، مستعجلاً عمل اللجنة خشية ملاحقة البنك للمزارعين المعسرين. واستنجد عدد كبير من قيادات اتحادات المزارعين بولايات سنار والدمازين وكسلاوالقضارف بالبرلمان، معربين عن أسفهم لإهدار إنتاجيتهم من محصول زهرة الشمس للموسم 2008م 2009م بسبب التقاوى الفاسدة، مطالبين بإعفاء مديونيتهم أو تعويضهم عن الخسائر الفادحة التي لحقت بهم. وذهب بعضهم إلى ضرورة إعدام المتورطين في جريمة هذه التقاوى شنقاً حتى الموت، جزاء فعلتهم التي أهدرت موارد الدولة وغاياتها، وأخرجت المزارعين من دائرة الإنتاج إلى الإعسار. ومن جهته أقرَّ عبد الجبار حسين الأمين العام للنهضة الزراعية في اجتماع الأمس، بأن التقاوى المستوردة لا تتم متابعتها في كل مراحل المراقبة، ولا تنتظر حتى الشوط الأخير، وإنما يتم فحصها عبر الحجر وقنوات أخرى، وقال: إننا ننظر الى الإنبات فقط، لكنه أكد أن التقاوى تدخل بطرق مشروعة، وأضاف أن زهرة الشمس تتعرض للظواهر المناخية وهي غير مضمنة في التأمين الزراعي، وقال إن هذا الأمر من أسباب انهيار الزهرة. وأكد عبد الجبار ضرورة إنشاء صندوق لدرء المخاطر، وانتقد غياب الإرشاد الزراعي، وطالب بإعادة محصول زهرة الشمس الذي خرج من الإنتاج للقطاع المطري الجديد بشروط تأمينية جديدة، وحماية البذور من التلف، وقال إن البنك الزراعي غير مسؤول عن فساد التقاوى، وأشار إلى أنه مسؤول عن جانب التمويل. وكشف عبد الجبار أن تكلفة استيراد الزيوت بلغت «200» مليون دولار، بسبب الخسارة التي أحدثتها التقاوى الفاسدة لزهرة الشمس، في وقت استفسرت فيه لجنة الشؤون الزراعية بالبرلمان في اجتماع ضم عدداً من الجهات حول التقاوى الفاسدة، وطالبت اللجنة بتحديد الجهة المسؤولة عن التقاوى الفاسدة، بينما كشف ممثلو اتحادات المزارعين المتأثرة، أن الخسائر بلغت «30» مليون جنيه. وكان المشاركون في اجتماع عقد بالبرلمان قد حمَّلوا البنك الزراعي مسؤولية استيراد تقاوى زهرة عباد الشمس التي أدت الى فشل زراعة «850» ألف فدان في موسم 2008 2009م بولايات القضارف وسنار والنيل الأزرق، واضطرت البلاد لاستيراد زيوت بتكلفة «200» ألف دولار، وطالبوا البنك بالتنازل عن مديونيته على المزارعين المتضررين التي تبلغ «30» مليون جنيه. وعقدت لجنة الشؤون الزراعية بالمجلس الوطني اجتماعاً حاسماً لبحث قضية تقاوى زهرة الشمس، ضم كافة الجهات المختصة. ورفض اتحاد مزارعي القضارف المبررات التي ساقتها اللجنة الخاصة بدراسة أسباب فشل الموسم الزراعي 2008 2009م، التي حصرتها في الظروف الطبيعية وتعرض الزهرة لظاهرة انخفاض الانتاج بمرور السنين. وقال ممثل اتحاد مزارعي القضارف بالاتحاد العام للمزارعين، حسن الهادي: «نحن بصفتنا مزارعين لزهرة الشمس ظللنا نزرع المحصول في القضارف منذ عام 1999م، وبدأنا بألف فدان، وارتفعت في الموسم الذي فشل ل «850» الف فدان دون أن تظهر اية مشكلات». واوضح ل «الصحافة» أنه بمجرد زراعة تلك التقاوى في الموسم 2008 2009م، تراجع انتاج «850» الف فدان الى الصفر، وفشل المشروع برمته. وتمسك الهادي بشكوك المزارعين في أن المشكلة تكمن في التقاوى المستوردة التي قال إن اجتماعا أكد أن البنك الزراعي هو الجهة التي استوردت التقاوى، بحسب اللجنة المختصة بالقضية. وأضاف أن البنك الزراعي مازال يطالب المزارعين بمديونيات تجاوزت ال «30» مليون جنيه، وذكر أن التقاوى وزعت على المزارعين في القضارف والنيل الأزرق وسنار دون إجراء تجارب عليها. ومن جانبه، قال أمين المال باتحاد مزارعي القضارف، حمزة عبد القادر ل «الصحافة»، انه اتضح لهم من خلال الاجتماع ان الممول للصفقة شركة صافولا، والمسؤول من دخول تلك التقاوى البنك الزراعي، وشكك في أن تكون تلك البذور قد مرت بكل القنوات الخاصة بفحص التقاوى. وزاد أن التقاوى جلبت في زمن ضيق ودخلت للميناء ايضا في زمن ضيق، ولا يمكن أن تمر بكل تلك القنوات. وقال بحسب خبراتنا فإن التقاوى هي السبب في فشل الموسم وربما لم تخضع لفحص دقيق. وأكد أن الاجتماع عجز عن تحديد من سيتحمل المسؤولية عن الخلل، وان الخسائر تسببت فيها التقاوى الفاسدة وليس الظروف الطبيعية، وطالب بتعويض المزارعين، وأشار إلى أنهم اضطروا لبيع أصولهم لتعويض الخسائر للمزارعين عن الخسائر التي لحقت بهم ورفع الديون عن كاهلهم. عضو مجلس إدارة شركة صافولا المهندس صلاح بشير، نفى بشدة فى حديثه ل «الصحافة» أن تكون الشركة لديها أية علاقة بالحبوب والتقاوى الفاسدة من قريب أو من بعيد، مؤكداً أنهم لم يستوردوا هذه الحبوب ولم يتعاملوا معها لا مشترين ولا بائعين، ولم يقوموا باستيرادها. وأوضح أن شركتهم تعمل في مجال تكرير وتعبئة وتسويق الزيوت النباتية أو خلافها مثل الشركات الأخرى التي تعمل في نفس المجال، والايام القادم ستثبت ذلك. في ذات المنحى قال د. يونس الشريف رئيس لجنة الشؤون الزراعية بالبرلمان، إن الجهة المسؤولة عن التقاوى الفاسدة غير معلومة حتى الآن، وشدد على ضرورة تحديدها، وأشار إلى أن الأمر ترك للجنة برلمانية فرعية لتتقصى حوله. وذكرت مصادر ل «الصحافة» أن البرلمان سيصدر بياناً خلال اليومين القادمين لتوضيح ملابسات القضية، ويتم من خلاله الكشف عن الشركة التى استوردت التقاوى الفاسدة.