خرجت الهيئة الحكومية للتنمية في شرق افريقيا (ايقاد) على الملأ بعد أن غاب صوتها طويلا، وبعد أن تدثرت بالصمت في أوقات الكلام، إذ لم يسمع لها حس منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل في يناير الفين وخمسة، وغابت وساطتها في أوج أزمات الفترة الانتقالية حين كان الناس يتوقعون من الجنرال سيمبويا أن يحمل عصاه - ومن خلفه الايقاد - يغلق الأبواب على الشريكين حتى يتجاوزا ما هم فيه مختلفان، وبعد أن قنع الجميع منها، ها هي تخرج الآن من بياتها بدعوة رسمية لطرفي نيفاشا لبحث سير اتفاق السلام. طبعا، لا عيب في أن تأتي الايقاد في الزمن بدل الحاسم، فكل ما يدفع نحو تجنب المشاكل المحتملة خير، الا أن بحث سير الاتفاقية الآن يشرع الباب للأسئلة حول هل تخشى دول الايقاد من مشاكل تأتيها من قبل السودان أم أن قلبها على السودان فعلاً، أهي متخوفة من أن تقود الانتخابات الوشيكة الى قلب الطاولة حول النتائج التي توقعتها من اتفاقية السلام الشامل أم انها تخشى أن يجر عليها الانفصال المتوقع ويلات التصدع داخل ابنيتها الجغرافية والسكانية. الايقاد قدمت دعوتها لشريكي الحكم ? المعارضون يمتنعون - يوم الأربعاء الماضي عبر مبعوثين كبيرين هما وزيرا خارجية كينيا موسيس وتانجلا وخارجية إثيوبيا سيوم مسفن، وقالت المنظمة ان وفدها الى الخرطوم جاء لبحث مدى موافقة طرفي اتفاق السلام الشامل، (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان) على المشاركة في قمة رؤساء المنظمة الحكومية للتنمية (الايقاد) المنعقدة بالعاصمة الكينية نيروبي. وتضع الايقاد على راس اجندة الاجتماع الوزاري ?امس- ومن بعد القمة ? اليوم ? قضية السودان - إن لم تكن هي الجند الوحيد -، عبر النظر في سير انفاذ اتفاق نيفاشا الى جانب الانتخابات والتجهيز للاستفتاء ويوضح وزير الخارجية الاثيوبي «ان الايقاد تسعى الى مساعدة الطرفين على تجاوز اي صعوبات قائمة امام تنفيذ ما تبقى من بنود اتفاق السلام الشامل الذي تم توقيعه تحت رعاية الايقاد» ويقول وزير الخارجية الكيني انهم سيناقشون مع المسؤولين السودانيين خلال القمة تنفيذ اتفاق السلام بكافة تفاصيله، لتخطي التحديات التي تواجه السودان والمنظمة وتشجيع الشعب السوداني فيما يتعلق بالتحول الديمقراطي والسلام والاستفتاء، ومن جهته يتوقع وزير رئاسة حكومة الجنوب لوكا بيونق ان تناقش القمة قضايا ما بعد الاستفتاء وان تخرج ببعض القرارات التي تساعد في نظرة دول المنظمة لمستقبل السودان. وأول ما يسترعي الانتباه تناقض موقف الشريكين تجاه قمة الايقاد إذ امتنع الرئيس عمر البشير عن حضور القمة وأعلن أمين العلاقات السياسية بالمؤتمر الوطني ابراهيم غندور بأن لا حاجة لوساطة خارجية الآن في علاقة الشريكين وللنظر في انفاذ اتفاقية السلام وقال غندور قبل ثلاثة ايام إن العلاقة بين الشريكين مستقرة، وأشار إلى أنهما يناقشان كافة القضايا في إطار ثنائي وقال حول الموقف من دعوة الإيقاد لبحث اتفاقية السلام، ان مفوضية التقويم تنشر تقارير دورية حول سير الاتفاقية لتجنيبها اية اشكاليات وقال إن موافقة الحركة على دعوة الايقاد أمر يخصها، مؤكدا على أن للمؤتمر الوطني تحفظات واضحة حول اية تدخلات خارجية خاصة في الوقت الحالي حول سير تنفيذ الإتفاقية في المقابل تحمست الحركة الشعبية لقيام الاجتماع بل هناك من يقول انها من سعت لعقد القمة مشيرين الى الدعوة التي كان أطلقها أمين عام الحركة قبل أكثر من شهرين بتدخل الايقاد لحسم خلافات الشريكين، ويرى القيادي بالحركة الشعبية دينق الور ان قمة الايقاد مهمة لكونها تأتي من المنظمة التي رعت مفاوضات السلام التي اسفرت عن اتفاق السلام الشامل، ويقول ان الايقاد هي المنظمة الأكثر اهتماما بسير تنفيذ اتفاق السلام وانها ظلت تقدم نصائح لشريكي الحكم في السودان»، واشار لوكا بيونق في حديثه ل»الصحافة« في الأول من أمس لالتزامهم الشخصي كحركة وحكومة جنوب لدول »ايقاد«، باعتبارها احد الشركاء الاساسيين في اتفاق السلام الشامل، وشدد على دور المنظمة الاقليمية المهم في التأثير على الاتفاقية، وقطع بأهمية المشاركة في القمة . وكان وزير الخارجية دينق الور قد تحدث في تصريح سابق عقب لقائه مع وفد الايقاد، عن «تحفظ» القيادة السياسية على عقد هذه القمة، لكنه اشار الى ان وفد الايقاد «يعمل على اقناع حزب المؤتمر الوطني الحاكم بالمشاركة في القمة». ولمواقف الطرفين، المؤتمر الوطني والحركة الشعبية تفسير، اذ لاحظ مراقبون ان السودان ومنذ توقيع اتفاقية السلام ابتعد كثيراً عن منظمة الايقاد واحجم عن الوفاء بالتزاماته المالية منذ العام 2005 وادرج في قائمة الدول الاعضاء المعاقبة مع يوغندا، ولم يشارك في معظم اجتماعات المنظمة الوزارية في سنوات ما بعد الاتفاقية. ويقولون أن تفسير هذا الموقف السلبي والفتور تجاه الايقاد ان المؤتمر الوطني نادم على اتفاقية السلام ويعتبرها مجحفة ومفروضة عليه من قبل المجتمع الدولي وتحمل المسؤولية التقصيرية للايقاد، أما الحركة الشعبية فتنظر للايقاد بعين الرضا الكامل، وبحسب الراصدين، فانها نالت ما نالت بفضل جهود منظمة الايقاد و (ما زالت تعتبرها الأب الروحي والراعي واضامن لوجودها ومصيرها مستقبلاً). وثاني ما يسترعي الاهتمام، الموضوعات التي ستناقشها القمة، اذ ذهب البعض الى أنه لا توجد مشاكل لتحلها الايقاد، حيث اتفق الطرفان على كل ما يتفق عليه، ويقول متحدث دبلوماسي ? فضل حجب اسمه ? أن الايقاد قد تكون متحسبة فقط لتداعيات الانفصال، فالإيقاد تضم في عضويتها سبع دول في منطقة القرن الإفريقي وشرق إفريقيا، هي السودان، إثيوبيا، جيبوتي، الصومال، كينيا، اوغندا، اضافة الى اريتريا التي جمدت عضويتها في المنظمة، وكلها دول تحتشد بالمهددات الداخلية التي قد يوقد انفصال الجنوب شرارتها، ويؤكد أن دول الايقاد متخوفة من الانفصال وتريده سلمياً، حتى لا يتكرر النموذج الارتري الاثيوبي ف (احتمال تدهور الاوضاع في دول الجوار بسبب النزوح واللجوء وارد، فضلا عن التداخل الذي قد ينجم عنه تصدير التوتر من دولة الى أخرى) مرجحاً مناقشة تداعيات الانفصال، وما اذا كانت ستنجم مشاكل في الانتخابات والاستفتاء تتضرر منها دول الايقاد، يؤكد ذلك قول وزير الخارجية الاثيوبي ان الاقليم كله يقبع في الظل في ما يتصل بالامن والسلام والاستقرار والتنمية. ولكن سفير السودان بنيروبي،مجوك قوندونق يستبعد الحديث عن الانفصال ويقول في حديثه ل الصحافة عبر الهاتف أمس (لا داعي لاستباق الحوادث، وهناك امل كبير للتصويت للوحدة)، مشيرا الى ان الاجتماع الطارئ هو لتقييم سير اتفاقية السلام الشامل، مشيرا الى نسبة التنفيذ بلغت 90% ، ولم يتبق سوى جزء قليل، مؤكدا أن كل الاطراف وبخاصة الشريكين لديهم الرغبة في تنفيذ الاتفاقية بكل بنودها، موضحا أن الاجتماع سيحضره وفدان من الشريكين ليقدم كل طرف تقريره في ما تم من تنفيذ وما لم يتم. وثالث ما يلفت المراقبين، احتمال وجود صفقة قادمة ربما تحتاج الى رعاية الايقاد وضماناتها ضمن دول أخرى، ف (ناس الحركة مصريين على الايقاد) كما يقول بعضهم، ويذهب بعض المحللين الى أن الحركة الشعبية متخوفة من نتائج الانتخابات، فهي كما يقول المصدر الذي تحدث ل الصحافة من عاصمة افريقية رغم حصولها على أربعين مقعدا اضافيا،غير متفائلة بالانتخابات، و (تسعى إلى طريق المنظمات الاقليمية والدولية لرعاية مصالحها)، مشيرا الى أن الايقاد قلقة من عدم تحالف الشريكين (فالايقاد عند توقيع الاتفاقية توقعت تحالف الشريكين في الانتخابات)، مرجحا خروج الاجتماع بتوصية بتأجيل الانتخابات أو انسحاب مرشح الحركة لرئاسة الجمهورية ياسر عرمان. الا أن السفير قوندونق يذهب في اتجاه آخر ويقول (لا اعتقد باحتمال خروج توصية بتأجيل الانتخابات أو الاستفتاء، لأن الجانبين يصران على تنفيذ الاتفاقية حسب الجدول) مشيرا الى أن الاتفاقية وقعت بين اطراف سودانية والمجتمع الدولي والايقاد أشرف على ذلك ويضيف (بل هناك معقولية في ان الاتفاقية مضت حسب الجدول المعمول)، وعلى عكس ما هو متوقع من القاء لوم على الايقاد في تأخير مثل هذه الاجتماعات التقييمية يرى السفير قوندونق أن العام الخامس من توقيع الاتفاقية وقت مناسب لهذه الجلسة، ويقول هنالك اشياء موضوعية أخرت هذا الاجتماع، منها الأوضاع الداخلية لكينيا التي تأخر تشكيل الحكومة فيها بعد اجراء الانتخابات في 2007 الى 2008 ويقول أن غياب الايقاد كان لأسباب غير سودانية وانما لظروف الاقليم.