إنه الداعية، المجاهد، المفكر العميق، والسياسي الحصيف.. هاجر متأسٍ بالرسول القدوة الذي هاجر من مكة.. هاجر تاركاً الاهل والاحباب والاسرة التي فقد منها أربعة من إخوانه خلال الهجرة. ما ودعهم ولا شارك في تشييعهم، ولكنه لم يهتز بفراقهم عله يلتقي بهم في الجنة، رفض الذُل، والمهانة، والاستضعاف الذي حذر منه القرآن الكريم «وما لكم لا تهاجروا في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلا». هاجر إلى كثير من البلدان ومنها السودان مع إخوته الاخيار الذين قضوا فترة في السودان، فكانوا خير إخوة وخير صحبة. هاجر من تونس الوطن فبعد عنها أكثر من عشرين عاماً طمعاً في ما أعده الله للمهاجرين . «الذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله». ذلك هو راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة بتونس الصامد الذي هاجر في ريعان الشباب بشعر أسود ليعود اليها شيخاً بشعر أبيض. وقد وُجهت رقاع الدعوة لحضور مؤتمر القدس لعدد مقدر من المفكرين والعلماء كان من بينهم الدكتور يوسف القرضاوي الذي أعلن انه سوف يؤم المصلين بمسجد النور بكافوري، ولكنه اعتذر معللاً عدم حضوره بوجود د. حسن الترابي بالسجن. إنه لا يتخيل أن يزور السودان دون أن يقابل د. حسن الترابي الذي ما زال بين القضبان. وعلى هامش المؤتمر قدم الغنوشي محاضرة بدعوة من منتدى النهضة والتواصل الحضاري بقاعة الشهيد الزبير في العاشر من مارس الجاري، ورغم سعة القاعة إلا انها ضاقت بالحضور النوعي. وتحدث الغنوشي عن الثورة التونسية التي اطاحت الديكتاتور زين العابدين بن علي الذي اتسم عصره بالقمع والكبت والظلم والجور، وفوق ذلك الفساد المالي والأخلاقي مع احتكار السلطة، والثروة والإعلام. ذاكراً ان الاستبداد والفساد لا دين لهما ولا ايديولوجية، ويمكن ان تمارس تحت مظلة أى دين بما في ذلك الإسلام..!! وقد أزفت ساعة الرحيل. وبالرغم من إنه تصدى لما سماه تجفيف منابع الارهاب والاصولية خدمة للدول الغربية، وهى في الحقيقة حرب على الاسلام، ثم أجاب على بعض الاسئلة التي تهم الشأن السوداني، إلا أنه قال إن الديمقراطية لا تتعارض مع الإسلام لأنها آلية لاتخاذ القرار حوّل الشأن العام، بالتشاور وهو مبدأ إسلامي. أما اجابته عن حق التظاهر ورأى الشرع فيه، فقد قال إن التظاهر الجماهيري نوع من أنواع التعبير عن الرأى، وهو أمر مشروع ديناً طالماً ابتعد عن التخريب والعنف. وان السكون الشعبي في دولة لا يعني الامن والسلامة للنظام، فقد يكون البركان يغلي من تحت ولم يبلغ السطح بعد. والمحاضرة الثانية كانت بدار المؤتمر الشعبي بضاحية الرياض، وقد امتلأت الدار بالشباب والطلاب والمرأة بجانب قيادات المؤتمر الشعبي، وقد علت صورة الشيخ الدكتور حسن الترابي البوابة الرئيسية، وقد كتب عليها «إمام الحريات» وأخرى «أخي انت حر وراء السدود، وأخرى «اطلقوا سراح د. حسن الترابي وأصحابه». وقوبل الغنوشي بالهتافات الإخوانية المعروفة مع التكبير، ثم بدأت إحدى الاخوات هتافاً يقول «يا غنوشي رفعت الراية انت الثورة انت بداية» ثم قدمه الشيخ ابراهيم السنوسي فبدأ حديثه بأنه يأسف لوجود د. حسن وبعض إخوته داخل السجون، وانه يحب الحركة الاسلامية السودانية حبا وجدانيا وروحيا، وان «د. حسن الترابي شيخنا وابونا الروحي». وإنه لم يعلم بأن د. حسن الترابي مسجون نسبة لأنه قد منع الاتصال بثلاث دول هي السودان وتونس والجزائر، ثم ذكر إنه قد منح جوازاً سودانياً ودبلوماسياً ولكنه سلمه السفارة السودانية بلندن عندما اعطي حق اللجوء السياسي في بريطانيا. وفيما بعد علق الشيخ السنوسي على قصة الجواز. وفي اثناء الرد هاجت شجونه ومن معه من المرافقين فذرفت عيناه الدمع السخين فأبكى الحضور. إن دموع الرجال عصية لا سيما إن كان الرجال امثال الشيخ إبراهيم السنوسي وعبد الله حسن أحمد وخليفة الشيخ مكاوي ويس عمر الإمام وعثمان عبد الوهاب الذين خبروا السجون في سبيل الله، فاحتقروها حتى عادت من ضيق رحابا، وخاض بعضهم الوغى في أبا ويوليو 6791م، وكأني بهم كما قال الشيخ السنوسي إنهم يعيشون في الزمن الضائع، وهؤلاء كانوا مع الشيخ د. حسن الكوكبة التي قررت الاستيلاء على السلطة في يونيو 9891م. وقفت عند بعض المحطات في حديثه عن الثورة التونسية، وهى عبر ودروس، المحطة الاولى: إن الثورات أداة تغير شامل تندلع عندما يتعذر الإصلاح. المحطة الثانية: عندما تتراكم المظالم مع القمع والفساد مع احتكار السلطة والثورة والاعلام والقضاء، وتكون التعددية شكلية.. يحدث حينها الانفصال بين الدولة والمجتمع. المحطة الثالثة: عند نجاح الثورة لا بد من حمايتها من الالتفاف عليها، بوجود جسم حاضر يراقب ويرصد ليحقق أهداف الثورة. المحطة الرابعة: ان الثورة التونسية هى ثورة شعب، وقودها الشباب الذي كسر حاجز الخوف وقلب موازين القوى بين الدولة والمجتمع. المحطة الخامسة: إن العمل السياسي حق وليس منة، ولا بد من عملية التحول الديمقراطي، وبناء نظام ديمقراطي حقيقي وليس مغشوشاً، وان الثورة التونسية قابلة للتصدير. ثم ودع الحضور، وودع بمثل ما استقبل بهتافات داوية، ثم اتجه صوب منزل د. حسن الترابي ومعه قادة المؤتمر الشعبي، حيث التقى بأسرة د. الترابي. وكان من الحضور لمؤتمر القدس النقابي المشهور ليث سبيلات الذي قال في إحدى الجلسات لا استطيع أن أقبل ود. حسن الترابي بالسجن، وقال بمثلما كنت سجيناً بالاردن وجاءني الملك حسين بالسجن واخرجني منه وصحبني في عربته الى منزلي، فأنا اطالب الرئيس عمر البشير ان يفعل مثل ذلك، وان يخرجه من السجن ويصحبه الى منزله. كما تحدث بعض من الوفود في ذات الإطار، وقالوا لأهل النظام إن من مصلحتهم إطلاق سراحه، إذ ان اعتقاله يسبب لكم كراهية وبغضاً. إن هذا الحراك والمد الثوري الذي انتظم المنطقة العربية، افرز نوعين من العلماء. أو قل مدرستين: الأولى: يقودها الشيخ القرضاوي والشيخ د. حسن الترابي والشيخ الغنوشي والشيخ الزنداني، ولكن القرضاوي صار اكثر ثورية من الثوار فهو يقف بجانهم، بل قد افتى بقتل القذافي لأنه قتل شعبه ودمر بلاده وسرق أمواله، وقد بارك ثورة مصر، وظل عبر قناة الثوار والثورة الجزيرة الحرة، يطلق النداءات ويشجع الثوار على المضي قدماً لإسقاط عروش الطغاة، وقد صلى بالناس إماماً بميدان التحرير بمصر وصلى خلفه اكثر من مليونين من البشر. والمدرسة الثانية يقودها علماء السلطان، وهؤلاء قد افتوا بحرمة التظاهر، لأن ذلك يعد خروجا على السلطان، ونحن مأمورون بطاعة السلطان ما اقام الصلاة، ولا يجوز الخروج عليه مطلقاً. كما قالوا ان التظاهر فيه اختلاط الرجال بالنساء وفيه فساد. بل قال احدهم إن التظاهر ِشرِك. وهؤلاء قالوا أيضاً لا يجوز للمرأة أن تقود السيارة لأن ذلك يعتبر خلوة، مع أن امريكا تعربد بالمنطقة، قواعد وسلاح وغيرها، وكنائس وخمور وخنزير، ولكنهم لا يستطيعون الحديث فهذه خطوط حمراء. وأختم بهذه الابيات من قصيدة الشاعر السعودي ناصر الزهراني الذي يذكر الناس بالاسلام، وكيف انه رفع شأن أناس تمسكوا به وحط من قدر آخرين «يرفع الله الذين آمنوا منكم درجات»: فمن أبو بكر قبل الوحي من عمر ومن علي ومن عثمان ذو الرحم ومن خالد من صلاح الدين قبلك من مالك ومن النعمان في القمم من البخاري من أهل الصحاح ومن سفيان والشافعي الشم ذو الحكم ومن بن حبل فينا وابن تيمية بل الملايين أهل الفضل والشمم من نهرك العذب يا خير الورى اقترفوا إنت الإمام لأهل الفضل كلهم