ما زالت اجتهادات بنك السودان المركزي تحث خطاها بغية الوصول لاستقرار دائم لسعر صرف الجنيه في مقابل العملات الأخرى لا سيما بعد الارتفاع المضطرد لسعر النفط مؤخرا بعد الاضطرابات السياسية والأمنية التي طغت على الشرق الأوسط بجانب ارتفاع مساهمة الذهب في توفير احتياطي مقدر من العملات الصعبة ترفد الخزينة العامة، وبناء على هذين المعطيين وجد البنك المركزي الفرصة مواتية لزيادة معدلات تدفق النقد الأجنبي للصرافات لتوزيعه على الجمهور وفقا للضوابط والإجراءات المرسومة وتقدم البنك المركزي أكثر في بسط سياسته التوسعيه في توفير النقد الأجنبي للجمهور عبر منافذ الصرافات بأن حدد عددا منها على سبيل التجربة ومنحها المزيد من النقد الأجنبي أكثر من رصيفاتها على سبيل الميزة التفضيلية. واعتبر عدد من الخبراء خطوة البنك المركزي خطوة جيدة وأنها ستسهم في استقرار سعر الصرف إذا ما استمرت وأنها دليل عافية وعاب بعضهم حصرها على عدد محدد من الصرافات فيما وجد آخرون العذر للمركزي عند اختياره عدد محدد منها بناءً على الحجم والقدرة على التوزيع . ويقول البروفيسور عصام بوب إنه يثمن قرار المركزي في توسيع مظلة توزيع النقد الأجنبي رأسيا وأفقيا لجهة إسهامها في توفير النقد الأجنبي للجمهور والعمل على استقرار سعر صرف الجنيه السوداني في مقابل العملات الأخرى، وعاب بوب على البنك المركزي والقائمين على أمره عدم سماعهم لما تلهج به ألسن وأقلام الأكاديميين على صفحات الصحف السيارة حيث أنهم ظلوا ينادون ويطالبون منذ فترة ليست بالقصيرة بضخ المزيد من العملات الحرة في الأسواق عبر الصرافات والمصارف لمكافحة ارتفاع سعر صرف الدولار في مقابل الجنيه السوداني لاسيما في أروقة السوق الموازي، وزاد أن ضخ المزيد من العملات الحرة في شرايين وأوردة الصرافات سيساهم في بناء استراتيجية قوية قائمة على أساس آلية العرض والطلب غير أن لبوب رؤية ينادي بالالتفات إليها على وجه السرعة والدقة تتمثل في إجراء إصلاح هيكلي بصورة جدية مع إعادة وشيجة ربط البنك المركزي مع وزارة المالية بغية تناغم وخلق الانسجام المطلوب بين السياسات المالية والنقدية للخروج من دوامة التخبط في السياسات الكلية التي لا تحتمل الخطأ والتجريب لأن أي خطأ ينجم عنه تضرر عشرات بل مئات الألوف من المواطنين وزاد بوب على البنك المركزي حجز الذهب الذي ينتج بكميات كبيرة بمناطق مختلفة بربوع البلاد المختلفة ليس بغرض مصادرته و(همبتته) عن طريق السلطات الحكومية لكن باعتباره مخزوناً قومياً استراتيجياً يشكل سندا رئيسيا للعملة الوطنية وليس بيعه (برة برة ) واستبدال الذهب بالدولار وحتى لا يمثل الذهب السوداني دعما للبنكنوت الأمريكي وليس البنكنوت السوداني الذي تجود أرضه بالذهب. وختم بوب بأن تخصيص عدد محدد من الصرافات بتوزيع المزيد من العملات الحرة فيه ضرب من الاحتكار وحصر الأرباح ودعا المركزي لتعميم التجربة على كل الصرافات دون تمييز حتى تعم الفائدة الجميع. أما الدكتور محمد الناير يقول إن الصرافات تتفاوت مقدراتها بناء على حجم نشاطها ورؤوس أموالها وربما منح البنك المركزي لتخصيص عدد من الصرافات للمحافظة على استقرار سعر صرف الجنيه السوداني في مقابل العملات الأخرى ،وطالب بعودة المصارف لتوزيع النقد الأجنبي والتعامل به وضخ المزيد من النقد الأجنبي لها لكونها أكثر انضباطا من الصرافات خاصة في المبالغ الكبيرة ( الاعتمادات والتمويل) وخلص الناير إلى أن خطوة المركزي في مجملها جيدة ويتضح عودة سعر الصرف بقوة لوضعه الطبيعي إذا ما استمرت الأحوال بالوتيرة الحالية حيث ارتفاع سعر النفط وزيادة حصيلة الذهب وإذا ما استطاع المركزي إرجاع سعر صرف الجنيه إلى الحد المستهدف في الموازنة (2.7) في مقابل الدولار فحينها سيكون من السهولة بمكان السيطرة على كل مؤشرات الموازنة من سعر الصرف ومعدل التضخم وحجم النمو الكلي وخلافها وأن أي اختلال في مؤشرات الموازنة يعني انحرافها عن مسارها المرسوم. ودعا الناير لعودة سعر صرف الجنيه تدريجيا لتقليل الآثار المترتبة عليه على الصادرات غير النفطية والنقد الأجنبي المحتفظ به.