عاد ضابط المخابرات السوفيتية الكسندر ليبيديف إلى لندن التي كان يعمل بها مديرا لمحطة الK.G.B)) في فترة الحرب الباردة، ليقوم بشراء معظم أسهم صحيفة «الايفنج ستاندر» الانجليزية المعروفة، وليعود للتعامل مع المعلومات ولكن من موقع الصحافي وليس ضابط المخابرات، بعد أن أصبح من كبار رجال المال والأعمال في بلاده، فالتشابه بين المهنتين هو أن ضابط الأمن والصحافي يعملان في مجال واحد، ويستخدمان الكثير من الوسائل والأساليب المشتركة، مثل تجنيد المصادر وكيفية التعامل معهم، وتأمين المقابلات المفتوحة والسرية، والحرص على سرية مصادرهم وعدم الكشف عن هويتهم. ولعل الفارق بينهما أي بين الصحافي وضابط الأمن، يأتي في مرحلة استخدام المعلومات والاستفادة منها، فالصحافي يسرع في معظم الأحيان بالمعلومة المهمة التي يتحصل عليها من مصادره نحو المطبعة ليحقق بها سبقاً صحفياً وانجازاً يميزه على بقية الصحف، أما ضابط الأمن فقد ينظر لنفس المعلومة على أساس أنها رأس خيط لعملية ربما تستمر لسنوات حتى تكتمل كل حلقاتها. ولعل التشابه بين المهنتين يخلق في كثير من الأحيان تعاملاً وتعاوناً قد يصل إلى حد أن تستهوي أحدهما مهنة الآخر، مثل ما حدث للمليونير الروسي وضابط المخابرات السابق الذي قام بشراء الصحيفة الانجليزية. ويمتاز الصحافي بأنه يستطيع الوصول لأماكن يصعب على ضابط الأمن الوصول إليها مباشرة، مما يدفع بضابط الأمن لاستخدام الصحافي، ومثال ذلك عملية اغتيال القائد الأفغاني أحمد شاه مسعود بواسطة مصور صحافي. وربما كان ذلك أيضاً أحد الأسباب التي دفعت الرائد مأمون عوض أبو زيد رحمه الله لاختيار صحافيين ضمن المجموعة الأولى التي اختارها بعناية لمعاونته في تأسيس أول جهاز أمن احترافي في البلاد، بل أن الجهاز قام بعد ذلك بإرسال بعض ضباطه في دورات تدريبية بمراكز المعلومات والدراسات الاستراتيجية التابعة لصحف معروفة بالخارج. ويمكن الإشارة أيضاً إلى تجربة وكالة المخابرات المركزية الامريكية في استخدام الصحف والصحافيين، فقد حرص أهم وأشهر مديري وكالة المخابرات المركزية الامريكية ألان دالاس منذ الأيام الأولى لتعيينه مديراً للوكالة في فترة حكم الرئيس أيزنهاور 1953 1961م، على وضع خطة متكاملة للتأثير على الإعلام، فأصبح على صلة مباشرة مع إدارات أهم الصحف الامريكية «المصدر كتاب تاريخ الCIA »، فكان دالاس يرفع تليفونه ليصدر التعليمات بنشر خبر أو قصة من وضعه أو تأليفه، أو للتأكد من تنفيذ طلب الوكالة بإبعاد مراسل خارجي مزعج لإحدى الصحف، أو ليصدر تعليماته المباشرة لتعيين مدير مكتب «النيويورك تايمز» في برلين أو «النيوزويك» في طوكيو. ولقد قامت الصحافة الامريكية في تلك الفترة بالدور الذي رسمه وخطط له ألان دالاس لاظهار ال (C.I.A) باعتبارها قوة خارقة في مجال الجاسوسية والعمليات السرية الخارجية، في حين أن وثائق وأرشيف الوكالة يكشف عن حقائق وواقع مختلف تماماً من حيث الفوضى وتدهور الأداء. ولم تتم إشارة في الصحف إلى الكثير من التجاوزات التي أثبتتها الوثائق التي تم الكشف عنها بعد ذلك، حيث كانت اجتماعات دالاس مع نوابه وكبار مساعديه بالوكالة تعكس وضعاً يزخر بالكثير من الفضائح والمآسي. ولكن ذلك لا ينطبق بالضرورة على معظم الصحافيين الذين تربطهم صلات وتعامل مع أجهزة الأمن في دولهم، فمثل هذه العلاقات لا يمكن أن توضع دائماً في خانة العمالة والاسترزاق، بل يمكن أن تكون في بعض الأحيان خدمةً وطنيةً يقوم بها الصحافي وهو على قناعة بأنه يخدم بلاده. ويساعد في حماية أمنها القومي بدون أن يحصل على أي عائد مقابل خدماته وتعاونه مع أجهزة الأمن، ومن أهم أمثلة هذا التعاون العلاقة بين الصحافي الامريكي بوب وودورد ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية. وكانت الC.I.A )) قد زودته بمعلومات في فترة إعداده لكتابه الذي صدر بعنوان ((Bush AT War حسب تعليمات من البيت الأبيض في بداية الحرب ضد العراق. ويقول جورج تنت مدير وكالة المخابرات في ذلك الوقت، بأنه لم يكن متأكداً من أن التعاون مع وودورد مفيد في ذلك الوقت، فالمعارك لم تنتهِ والبحث عن أسلحة الدمار الشامل كان جارياً، ومع ذلك استمرت اتصالات البيت الأبيض «لإخطارنا بأنهم على تعاون كامل مع وودورد وهم يودون أن تقوم الوكالة بذلك أيضاً». ولعل ذلك هو ما جعل الكثيرين يشيرون إلى العلاقة بين الوكالة وصحيفة «الواشنطون بوست» التي يعمل بها بوب وودورد.