صديقنا الدكتور المعتصم أحمد الحاج الباحث الأكاديمي النشط في مجال الحركة الوطنية، شأنه في هذه الدنيا شان حامل المسك، فإن لم يفض عليك بعلمه الغزير وحديثه الأكاديمي الممتع، فإن في بضاعته من الكتب التي أنجزها ما يمتع. كلما التقيت به في مناسبة اجتماعية إلا ونقدني«مجاناً»أحدث ثمرات المطابع التي تحمل اسمه واسم مركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية بجامعة أم درمان الأهلية.. تلك الجامعة التي نعدها امتداداً طبيعياً وطليعياً لحركة التعليم الأهلي. تلقيت منه قبل أيام الطبعة الثانية من «معجم شخصيات مؤتمر الخريجين»، ورغم أنني احتفظ في خزانة كتبي بالطبعة الأولى من معجم الدكتور معتصم، إلا أن البطر والشره الأكاديمي جعلني لا اعرض عن هديته القيمة، ورحت أقلب في أوراقها وأنا استعرض تلك الشخصيات. وفجأة عنَّ لي خاطر بأن أحاول رصد مواليد مدينة أم درمان الباسلة من بين تلك الشخصيات البالغ عددها «243» شخصية شاركت في مؤتمر الخريجين، وتم انتخابهم أعضاءً في الهيئات الستينية واللجان التنفيذية خلال الدورات الانتخابية السنوية منذ تأسيس المؤتمر في فبراير 1938م وحتى حله في نوفمبر 1952م. وكانت النتيجة مذهلة إذ وجدت أن مائتي شخصية أو أكثر من ذاك العدد كانوا من مواليد أم درمان، وحتى البقية القليلة الذين وُلدوا في غير أم درمان ما لبثوا أن سكنوا بها واستوطنوها، ففي حلفا وُلد ابراهيم أحمد ومحمد نور الدين وجمال محمد أحمد، وفي رفاعة ابراهيم جبريل وابراهيم ادريس وخالد موسى، وفي سنجة حسن نجيلة وخضر عمر وأحمد ابو حاج، وفي مدني أحمد خير ومحمود أنيس ومحمد عشري الصديق، ومن الكوة التيجاني الماحي وأحمد السيد حمد، ومن الدويم محمد أحمد محجوب ونصر الحاج علي، ومن الابيض خضر حمد والشيخ الريح العيدروس، ومن أم روابة مكي المنا، ومن بربر أحمد محمد أبو دقن وأحمد مختار ود. حسين أحمد حسين وخليل عبد النبى، ومن شندي أحمد السيد الفيل وأحمد عثمان القاضي، ومن مروي أحمد عبد الله المغربي، ومن الضعين أحمد عقيل، ومن أبو حمد أحمد المرضي جبارة، ومن دنقلا ادريس النصري وأمين السيد ومحمد محمود المك، ومن المناقل بدوي مصطفى، ومن القطينة الدرديري أحمد اسماعيل، ومن بورتسودان محمد الجواد، ومن كسلا محمد مرسال آدم. هكذا إذن كانت البقية الغالبة من مواليد مدينة أم درمان، لا نقول هذا إعلاءً لجهوية أو تعظيماً لعرق أو قبيلة، فأم درمان حوت كل جهات السودان، ونسيجها السكاني والاجتماعي يسمو فوق كل عرق أو قبيلة. وكل هؤلاء الأماجد من أبناء السودان الذين انتظموا في مؤسسة مؤتمر الخريجين، كانوا أول من تنبه إلى مخازي القبلية والجهويَّة، فوطئوها بأقدامهم ثم وطئوا الاستعمار من بعدها، ولكن بعد كل هذه السنوات الطوال وكل ذاك الكفاح المجيد، يؤسفنا أن يعلو في أيامنا هذه صوت القبيلة والعرق والمذهب والجهة..!!