٭ كلما حاولنا الابتعاد قليلاً عن قضية دارفور وتعقيدات ملفاتها والاتجاه الى الملفات الوطنية والدينية الاخرى، إلا ونجد ان قضية دارفور تجذبنا بشدة نحوها، وذلك للتدخلات الكثيرة الداخلية والخارجية والتي تنعكس بصورة مباشرة على الرأي العام، وفي هذه الحالة يتطلب الامر أن يقول الانسان رأيه في الذي يجري حوله، كما أن هناك قرارات تصدر من شتى الاتجاهات المرتبطة بالقضية منها ماهو صائب يستحق الاشادة ومنها ما هو خائب يستحق التوبيخ ومنها ما هو خائر ضعيف يستحق التقويم، ومنها ما هو صائب ولكنه جاء في الوقت غير المناسب كالقرارات الاخيرة الخاصة بالاستفتاء حول امكانية ان تبقى دارفور وفي اطارها عدة ولايات، أو ان يبقى الحال كما هو عليه عدة ولايات كبقية ولايات السودان الشمالي الحالي. لقد جاءت فكرة الاستفتاء حول الاقليم من عدمة كنتاج لمباحثات ابوجا بنيجيريا عام 6002م والتي اصبحت فيما بعد تحت مسمى اتفاق دارفور للسلام الشامل الذي وقعه المرحوم د. مجذوب الخليفة مع رئيس لفصيل واحد من ضمن ثلاثة فصائل وهو الاخ مني اركو مناوي، رغم ان الفصائل الاخرى رفضت فكرة الاستفتاء في مهدها وتدعو الى إرجاع دارفور اقليماً موحداً كما كان الحال قبل وصول الانقاذ لسدة الحكم في يونيو 9891. وعلى كل التزم فصيل مناوي ببند الاستفتاء ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن فقد غاب عن الدنيا مهندس الاتفاقية مجذوب الخليفة الذي لو بقى حياً لدافع عن اتفاقه ونفذه، كما غاب الزبير محمد صالح وترك رياك مشار وحيداً يذاكر اتفاق الخرطوم لعام 1997م لوحده ولما لم يجد من يقف معه غادر مرة اخرى لقادة الحركة الشعبية باحثاً عن اعذار تغفر له خطيئته في الخرطوم، فهل يفعلها مني اركو مع قيادات الحركات المسلحة لدارفور، لا شك أنه سيبحث عن اعذار كزميله رياك مشار، المهم في الامر أن الاستفتاء لم يقم للعوائق الكثيرة التي اعترضت اتفاق ابوجا، لقد حددت الاتفاقية كحد اقصى لقيام الاستفتاء يوليو 0102م على ما اعتقد، ولم يقم الاستفتاء حتى الحد الاقصى من الزمن حتى خرج موقع الاتفاق مع الحكومة الى الغابة. ومن ناحية اخرى ظلت الحكومة تحاور قادة حركات دارفور الآخرين في إمكانية أن تظل دارفور اقليماً ام عدة ولايات ولا زال الحوار مستمراً ولم يُعلن حتى الآن اتفاق حول الموضوع، ولم يعلن فشل المفاوضات حتى جاء قرار الرئيس الاخير في الاسبوع المنصرم من خلال مرسوم يعلن فيه قيام الاستفتاء، وهو بالفعل امر محير، ولقد اتصلت بي عدة جهات إعلامية ولقد قلت رأيي مباشرة دون تردد، قائلاً إن مبدأ الاستفتاء مقبول ولكن الموعد اذا كان في الشهور القادمة دون أن نعلن اتفاق مع الحركات أو فشل للمفاوضات فهو بالطبع امر غير مقبول وغير دقيق مع تقديري الشديد للجهات الممسكة بالملف، وذلك للاسباب الآتية:- 1/ ان اتفاق ابوجا والذي يعتبر مرجعية للاستفتاء يمر بمرحلة مخاض أليم جداً، فالرئيس الموقع غادر القصر الجمهوري لجهات غير معلومة محتجاً بعدم الالتزام بتنفيذ بنود الاتفاق وهذا يترك ضبابية في شرعية المضي قدماً في تنفيذ اتفاق والطرف الآخر غير موجود. 2/ وحتى اذا اعتبرنا ان مني اركو نفسه فقد الشرعية لغيابه ولوجود مؤسسته في سدة الحكم، فنقول حتى هذه المؤسسية التي يمثلها مصطفى تيراب أو علي دوسة او جناح الملك فلان أو جناح السلطان علان فهى مؤسسات مشروخة مختلفة فيما بينها متناحرة، الذي يصحو مبكراً يعزل الاخر من منصبه وهو أمر مؤسف لا اعتقد انهم مؤهلون لتحمل مسؤولية مثل الاستفتاء. 3/ واذا اختصرنا الامر على المفوضيات التي اقرها اتفاق ابوجا، فالذي يرأسها الآن قيادي في المؤتمر الوطني وهو اتفاق موقع مع حركات مسلحة وجعفر عبد الحكم والي فائزاً باسم المؤتمر الوطني، فكيف يستقيم الامر ان يترأس مفوضيات لحركات مسلحة موقعة اتفاق سلام، صحيح ان الاتفاق ذكر ان ولاة الولايات لدارفور نواب لمني اركو مناوي، ولكن هذا لا يعطيهم الحق ان يترأس أي من قادة المؤتمر الوطني للمفوضيات، هؤلاء كمساعد الياي عمره ما ببقى ياي، ولكن إخواننا في المؤتمر الوطني لا يغلبهم غلاب واتحاد عمال رئيسه بروفيسور، ووزير اتحادي بعد يوم يومين يكون وزير دولة، وعليه حتى المفوضيات لا تملك شرعية لعب دور في الاستفتاء الآن. 4/ لا زالت المفاوضات جارية مع الحركات المسلحة في الدوحة، وهذا القرار كأنه كتابة شهادة الوفاة للدوحة برمتها، الأمر الذي ازعجني غاية الانزعاج لأننا نعتقد أننا قطعنا ثلثي مراحل التفاوض ولم يتبق إلا ثلث الاقليم ونائب الرئيس، وفي تقديري حتى نائب الرئيس ليست عليه مشكلة، المبدأ متفق عليه من الجميع ،ولكن أبناء دارفور المسلحين يريدون تضمين ذلك في الدستور كحق مكتسب وليس مِنة من أحد، والرئيس يقول تعيين نائب الرئيس من حق الرئيس ولا مانع لديه من إعطائه لاهل دارفور لظروفهم. وفي تقديري ان المشكلة بسيطة، وبالمنطق اذا وضع تعيين نائب الرئيس في الدستور سيخلق مشكلة لأن الجهات الاخرى تعتبر نفسها حرمت من حق وطني خالص لها، ومافيش حد احسن من حد، وأيضاً تعيين الرئيس لنائبه ربما يجيء لاحد قيادات المؤتمر الوطني كما رشح أخيراً من ترشيح د. الحاج آدم يوسف، وكما قلت كما كلف الشرتاي جعفر عبد الحكم لرئاسة السلطة الانتقالية ممكن ان يكون نائب الرئيس من المؤتمر الوطني ويصبح الامر كارثة.. نائب الرئيس حق من حقوق الحركات المسلحة إلا اذا هى اتفقت علي شخصية اخرى من أهل دارفور. أما بالنسبة للمعضلة الكبرى وهى الاقليم ثم الاستفتاء بعد عشر سنين كما ذكرت بعض الحركات المسلحة، أو الاستفتاء في الاقليم أو ولايات كما ذكرت ابوجا، كنت دائماً عندما كنت في الدوحة احاور بعض الاخوة قيادات الحركات المفاوضة وان منطقكم سليم في ان الانقاذ وجدت دارفور اقليما يجب ان تعيد الاقليم أولاً كما وجدته. ولكني كنت اقول لهم الانقاذ وجدت بعض الناس أحياء ذهبت بهم الى المقابر، هل من المنطق ان يطالب ذووهم بإحيائهم من جديد؟! أشياء كثيرة جعلتها الانقاذ عاليها سافلها، بعضها ستسأل عنها والبعض الاخر حتى اذا سئلت عنها فلا تجد لها جواباً، لذلك كنت اقول لهم يجب ان تقبلوا بمبدأ الاستفتاء للاقليم، كان ردهم ان المؤتمر الوطني سيزور الاستفتاء كنت اقول لهم عندما يجيء وقعت الاستفتاء من المفروض ان توقعوا اتفاق سلام، وبالتالي ستكونون جزءاً من النظام وسيكون لكم ممثلون في رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء، وكذلك في كل ولايات دارفور،ابتداء من الأعضاء التشريعيين في المحليات وحتى المعتمديات ورئاسة الولايات فكيف يستطيع المؤتمر الوطني ان يزور الاستفتاء، وفي هذه الحالة سيصوت المواطن في كامل حريته وسيكون تمرين ديمقراطي يجب ان يحترم اذا كانت الغالبية مع الاقليم فبها، واذا كانت مع الولايات فلها، لذلك جاء استغرابي في المضي قدماً في أمر الاستفتاء في غياب الحركات المسلحة، لأن المواطن الدارفوري ليس معنيا بالدرجة الاولى بالاقليم أو الاستفتاء، لأن أهل دارفور حتى عضوية المؤتمر الوطني ليس لهم رأي في هذا الموضوع، لأنهم عندما استشيروا في هذا الامر عام 4991 قالوا نريد اقليماً واحداً وكان يتزعمهم في هذا الاتجاه واليهم اللواء الطيب محمد خير، ولقد كنت قريباً من الاحداث وقتئذ ففاجأهم د. علي الحاج وقال لهم الاقليم يقسم الى ولايات كبقية ولايات السودان، ولكن قولوا عايزين كم ولاية، فقالوا إذن قسمونا الى خمس ولايات ولأن أهل مكة ادرى بشعابها فقد كان رأيهم صائباً ، والاسبوع الماضي ذكر الرئيس من ضمن مبرراته لقيام ولايتين جديدتين في دارفور، قال إدراكاً لما فات! ولكن الفات كثير يا سيدي الرئيس يصعب إدراكه إذن أهل دارفور لا في العير ولا في النفير في شأن الاقليم البدعة جاءت بها الحركات المسلحة الدارفورية، والانقاذ.. اقليم، استفتاء، اقليم استفتاء، هذه المصطلحات جاءت بها الانقاذ والحركات، زج أهل دارفور فيها لا يجوز، لذلك قلت الاستفتاء في الشهور القادمة دون وجود الحركات المسلحة كالمباراة بين فريق ونفسه حتى بدون حكم. الرجاء الرجاء التروي في الأمر.