تطرقنا فى المرة الماضية الى اختراع الفونوغراف وظهور شريط الكاسيت واجهزة التسجيل ودورها فى انتشار الفن وازدهار شركات الانتاج الفنى فى السودان والتى ساهمت فى ترسيخ قواعد المِلكية الفكرية ومفاهيم حماية الحقوق وانتاج ألبومات بمستوىً عالٍ من جودة الصوت والتوزيع الموسيقى خلاف تلك الاشرطة التى كانت تسجل بطرق عشوائية من حفلات المناسبات اورحلات الفنانين بالدول العربية والافريقية. وبالطبع لم تكن هناك حقوق تعود على المطربين والشعراء والملحنين ومع تأسيس شركات الانتاج الفنى اشتعلت حمى التنافس بين الشركات والمطربين وراج سوق الكاسيت وتمددت منافذ التوزيع ،وكانت تلك الشركات فى مرحلة بداياتها ترفد الخزانة العامة بمبالغ ضخمة من ضرائب و رسوم واصبحت تلك السوق بما تحقق من ارباح وفوائد مالية هدفاً ومطمعاً لكثير من الباحثين عن الثراء السريع على حساب القييم والاخلاق. وسرعان ادرك هؤلاء ان الامر بسيط للغاية ولايحتاج لكثير عناء فقط جهاز نسخ واشرطة بيضاء وانتظار طرح الالبومات الجديدة من قبل الشركة المنتجة والتى تكلفها نسخة الشريط الواحد نحو 5 جنيهات وبعد ساعات حتى يغرق القراصنة السوق بذات الالبوم منسوخا على اشرطة بيضاء ليباع باقل من نصف السعر، والنتيجة خسارة الشركة المنتجة التى اوفت بحقوق المطرب والشاعروالملحن والموسيقى فيما يجنى القراصنة ارباحاً عالية بضمير ميت فى ظل صعوبة الرقابة والتى أوكلت الى المجلس الاتحادي للمصنفات الادبية والفنية ومع تراكم الخسائر وتوالى الضربات رفعت معظم شركات الانتاج الفنى راياتٍ بيضاء واغلقت ابوابها وانسحبت من السوق والتى صمدت لا تنتج الا نذرا يسيرا وتلك كانت بداية النهاية وتصدع وانهيار عصر شريط الكاسيت ،وقبل ان تفيق تلك الشركات من صدمة القرصنة دخلت مشغلات الاسطوانات السى دى ثم الطامة الكبرى مشغل الام بى ثرى الرقمى والذى اقصى شريط الكاسيت التقليدى من الساحة حتى ان الكثير من الشركات المصنعة عالميا توقفت عن الانتاج وقريبا جدا سوف يصبح شريط الكاسيت والمسجل مثل الفونوغراف اثر بعد عين واصبح الحديث الآن عن القرصنة الإليكترونية على الشبكة العنكبوتية اذا كنا قد فشلنا فى محاربة القراصنة التقليديين على الارض فكيف لنا ان نحارب قراصنة الانترنت فى فضاء لا متناهى. السؤال يحتاج اجابة فهل من مجيب ؟ المحصلة النهائية لكل ماسبق هى احباط المبدعين واحجام عن تقديم كل ماهو جديد والغناء النشازعلى مسارح الهواة وغياب الاحتراف والذى لن يكون بدون حماية الحقوق! وموت الفنان فقيرا الا من رحمة الله.. كيف لفنان سودانى ان تحقق مبيوعات اسطوانته ارباحا بملايين الجنيهات وليس الدولارات حتى وبعد وفاته كما يحدث عالميا ونحن نجهل قوانين الملكية الفكرية وننتهك الحقوق دون وازع ذاتى. لايزال المشوار طويلا وشاقا لبلوغ تلك الغاية السامية والتى ينمو تحت مظلتها الابداع وتسود فيها مفاهيم وقيم الايمان بحماية حقوق الآخرين طوعا بقناعة وليس انصياعا للقانون. [email protected]