(1) بينما الفرقة المسرحية الهولندية تشد الأبصار ببريقها وموسيقاها العذبة من على خشبة المسرح القومي في ليلة الثالث من إبريل ضمن مهرجان البقعة المسرحي، كانت وساخة بعض البشر تنتشر في الخارج كأن شيئا لم يحدث. (2) (مؤامرة صابون الغسيل) عنوان عرضها لا شك أن له تداعيات تدعو بطريقة ذكية لما هو أهم والمتمثل في الانزياح من الغسيل العادي إلى غسل أدران العالم ونظافته من كل ما هو شرير، وضد أبسط حقوق الإنسان. (3) لم تمنع دعوة النظافة هذه ذلك (الحرامي) القمئ المظهر من أن ينتظرني في ميدان جاكسون وكأن بيننا عهدا أو وعدا. رغم جمال العرض التطريبي والاستعراضي إلا أنني كنت مهموما بالمواصلات وكيفية الوصول إلى الموقف العام. (4) بسبب هم الوصول الضاغط على الصدور، أجتاحتني قناعة راسخة بأن المسرح بالفعل نخبوي، خاصة مسرحنا هذا، فلا أحد يستطيع الوصول إليه ويستمتع بوقته داخله إلا إذا كان يتمتع بأكثر من حاجة واحدة. (5) فمن يرتاده لابد أن يكون ساكنا بالقرب منه الحيطة بالحيطة، أو لا يكلفه الأمر سوى ممارسة رياضة الركض الخفيف. وفي حالة الأمر ليس هكذا، إذن أنه يمتلك سيارة من حر ماله. فمن لديه مال حر قطعا أنه مرتاح البال وعليه أن يملأ ماعون فراغه بما هو ممتع ومعرفي. (6) لم أكمل العرض الأنيق حتى نهايته بسبب تلك البداية المتأخرة. هرولت جهة اللامكان بحثا عن فضل زادٍ. رأسي ظل يدور مع عقارب الساعة حتى بعدما وصلت لاهثا، وجدت الموقف خاليا إلا من بضعة هايسات هنا وهناك. (7) التزاحم كان ليس على وتيرة واحدة، فاترا مرة ومشتعلا مرات أخر. رميت هيكلي الضئيل في وسط الزحمة حتى فزت بمقعدٍ. ومع ذلك هناك شيئ مريب يحدث !، فبرغم هذا التدافع إلا أن عدد الركاب لم يكمل النصاب، وكأنه زحام مفتعل. (8) جاء وقت الحساب. أدخلت أصابعي في جيبي الخلفي. الأصابع تصطدم بقاع الجيب ولا شئ يشبه الأوراق المالية هناك. تصببت عرقا وانتفضت كمن لسعته عقارب الصحراء جميعها . يا للهول..!، كل ما أملك من فتات اختفى في ثانية لا تُنسى. (9) لم أكن أعرف قبل هذه الحادثة أن للغبن وجوها كثيرة. أعرف جانبا منه ويكفيني حد التشبع. هربت قطرة عزيزة من عيني دون إذني، وتدلى رأسي دون أمر مني، واهتز جسدي حتى لاحظ من يجاورني في مقاعد العقاب حالتي المزرية. (10) تفاجأت بأكثر من شخص يحاول أن يدفع قيمة الأجرة بدلا عني، ولكن أحدهم لاحقني ودس في جيبي خمس جنيهات كاملة. تذوقت بطرف لساني أثر القطرة الهاربة وتساءلت: كيف يسمح هذا (النشال) الوقح أن ينتمي لهذا الجمال الكامن في هؤلاء البشر الذين يقطنون في أطراف أطراف ما يسمى بالعاصمة ؟.