عامان فوق العشرين واعوام اخرى من التنازع بعد ان حطت دبابة الجبهة الاسلامية رحالها داخل مباني القصر الجمهوري في انقلاب كان تاريخه الثلاثين من يونيو من العام 1989 . ومع التغيرات في تركيبة النظام طوال هذه السنوات الا انها لم تكن كافية لازالة التنازع بين اطراف العملية السياسية (الحكومة والمعارضة) برغم انها شهدت تناقص الخريطة في اعقاب تسوية نيفاشا الا ان هذا التناقص كان سببا آخر في ازدياد حدة الاختلاف بين من فرضت عليهم نتيجة الاستفتاء المواطنة في السودان الشمالي، وتزامن مع التغيير الداخلي تغيرات ضربت المنطقة العربية المحيطة بالسودان اطلق عليها ثورات الشباب التي انهت فترات حكم تطاولت سنينها ،الامر الذي حول النظرات لاتجاه السودان في انتظار القادم (تغيير الاوضاع ) الأمر الذي دعت له المعارضة واستبعدته الحكومة قبل ان تحمل صحف الامس خبرين في اتجاه واحد ومختلف ، ففي الوقت الذي استبعد فيه الامام الصادق المهدي حدوث تغيير بالبلاد ترك القيادي كمال عمر حبل التغيير في مركب الشباب او اولئك الذين تزامن خروجهم الى الدنيا مع وصول دبابة الاسلاميين الى القصر الجمهوري . وكانت دعوات المعارضة لتغيير نظام الانقاذ تزامنت مع الأحداث التي شهدتها مصر وتونس والتي أفضت الى ذهاب نظامي بن علي وحسني مبارك بعد عقود من الجلوس على سدة الحكم ،والنظامان لايختلفان في نظر المعارضة عن الانقاذ ،لذلك سعت أحزاب المعارضة التي استعصى عليها إقتلاع النظام في إنتخابات أبريل الماضي كما خططت ،الى ركوب موجة الثورات التي انتظمت المنطقة العربية على أمل أن تتكرر ذات المشاهد التونسية والمصرية في الأراضي السودانية، لتعود الأمور الى نصابها مثلما كانت عليه قبل ليلة الثلاثين من يونيو قبل 22 عاماً حسبما تتمنى ،وفي سبيل ذلك شهدت الساحة حراكا كبيرا في الأشهر الثلاثة الاخيرة ،وعادت الحياة تدب في أوصال الأحزاب التي تجمدت منذ أبريل الماضي ،وعملت على تنسيق مواقفها لإسقاط النظام ،ولهذا الغرض دخلت في إجتماعات متواصلة مستنفرة كل قواعدها ،ومخاطبة الشارع بمختلف اللغات والأساليب لإستمالته وإقناعه بجدوى وضرورة وحتمية التغيير الذي كانت ترى أن المرحلة التي تمر بها البلاد والمنطقة العربية هي الانسب للوصول اليه، وتحقيق المبتغى والهدف الذي ظلت تسعى اليه لعقدين من الزمان ،وعلى لسان قادة القوى السياسية تم تأكيد القدرة على إزاحة النظام الذي وبحسب تأكيداتهم يمر باضعف فتراته ويمكن الاجهاز عليه ،وقرنت المعارضة أقوالها بافعال تمثلت في خروج خجول الى الشارع لم تجد السلطات صعوبة في السيطرة عليه، والتي سرعان ما أخمدت جزوة حماس المعارضة، وعملت علي إبطال دعاوي تغيير النظام منتهجه اساليب مختلفة ،منها إطلاق دعاوي تهديد مباشرة محذرة من مغبة الخروج الى الشارع ،متوعدة بسحق معارضيها كما جاء على لسان نائب رئيس الحزب بولاية الخرطوم رغم نفيه لاحقا ،وعمدت الحكومة الى التلويح بكرت ضرورة الحصول على تصديق للمظاهرات وهو الامر الذي وصفته المعارضة بانه أصعب من الحصول على لبن الطير ،ولم تكتفِ السلطة بهذه الاجراءات للحيلولة دون إنجاح دعوة المعارضة لإسقاطها ،بل إتجهت الى نزع فتيل الأزمة وسد منافذ الثورات باعلانها عن جملة من الاصلاحات التي ستطال حسب رأي الحكومة طريقة إدارتها للبلاد ونهجها وسياساتها ،وأعلنت عن محاربتها للفساد والمحسوبية وكل مامن شأنه تقويم مسيرتها خلال المرحلة القادمة التي اطلق عليها نائب الرئيس الجمهورية الثانية ،ولم تكتفِ حكومة المؤتمر الوطني بهذه الخطوات لمواجهة وصد رياح التغيير وتهديدات المعارضة حيث عملت على فتح قنوات إتصال ومباحثات مع عدد مقدر من أحزاب المعارضة وعلى رأسها حزب الامة والإتحادي الاصل وهي خطوة وصفها البعض بالمرحلية وانها أقرب للتكتيك الذي تجيده الانقاذ للعبور من (زنقتها ) الحالية بحسب رأي عدد من المراقبين الى شاطئ الأمان ،غير ان كبار رموز الانقاذ يؤكدون صدق توجهاتهم الرامية لاشراك الجميع في حكومة مابعد التاسع من يونيو. إذا مابين أحزاب تسعى للتغيير ومن ثم إستعادة سلطة مفقودة، ونظام يتمسك بحكمه ويرفض التغيير عبر ثورة،جرت خلال الأشهر القليلة الماضية الكثير من المياه تحت الجسر ،وبحسب مراقبين فان الأحزاب فشلت في فك جمود قواعدها وتحريك الشارع ،وأن الطرق التي سلكتها لتغيير النظام كانت وعرة ومحفوفة بالعقبات الطبيعية والمصنوعة ،ليفضي هذا الى إستبعاد فرضية قدرة الاحزاب على إحداث التغيير المطلوب بحسب رأي مراقبين والذين أشاروا الى أن الاستراتيجية التي تنتهجها المعارضة لن تقودها الى مبتغاها ،وأخيرا وعلى لسان إمام الانصار الصادق المهدي وفي حوار مع العربية نت اعترف بصعوبة إسقاط النظام عبر المظاهرات ،وأشار الى ان هذا الأمر يحتاج الى تدبير وأضاف :السودان ليس مثل تونس ومصر ،لأن الجيش في مصر وتونس مهني ،اما الجيش السوداني فمؤدلج ،حديث المهدي فسره بعض المحللين بانه اعتراف ضمني بصعوبة إسقاط النظام ،غير أن القيادي بالمؤتمر الشعبي كمال عمر عبد السلام أكد أمام حشد من أنصار حزبه وعدد كبير من الطلاب بجامعة النيلين سعي حزبه لإسقاط النظام ،وقال في اعتراف هو الاول من نوعه إن الشباب هم من سيسقطون النظام أسوة بما فعله نظراؤهم في مصر وتونس . حديث المهدي وعبد السلام وضعه محللون في خانة تأكيد المؤتمر الوطني على عدم قدرة المعارضة على تحريك الشارع لتغيير النظام ،فيما اعتبره البعض وخاصة حديث القيادي بالشعبي أنه تغيير في إستراتيجية المعارضة للوصول الى أهدافها بالاعتماد على الشباب الذين عرفوا تاريخيا انهم وقود للثورات ،ورهان الاحزاب على الشباب يعتبره المحلل الدكتور عثمان حسن منطقياً وطبيعياً بعد فشلها الذي عده واضحا ،بيد أنه أكد صعوبة إستجابة الشباب لاطروحات الاحزاب بما فيها المؤتمر الوطني الذي قال إنه فطن قبل المعارضة لخطورة الشباب وقدرتهم على إسقاط النظام إذا ماوجدوا الفرصة الكافية ،وأشار الى ان الوطني عمد على إتخاذ عدد من الخطوات لإتقاء شر الشباب منها الترهيبي مثلما حدث في مظاهرة الثلاثين من يناير الماضي وماتعرض له بعض المدونين من محاكمات قضت بسجن وتغريم بعضهم لتتضيق الخناق على مستعملي الفيس بوك ،عطفا على تقوية القبضة على الجامعات للحد من تحركات محتملة من طلابها ،ويقول إن المؤتمر الوطني لجأ الى أساليب ترغيبية أخرى كاطلاقه لمشاريع تشغيل الخريجين ومحاربة البطالة وبرامج التمويل الأصغر وغيرها من وعودات يسعى الوطني من خلالها لإسكات صوت الشباب الذي ارتفع اخيرا إحتجاجا على الاوضاع الاقتصادية التي يرزح تحت وطأتها ،وقال إن الشباب السوداني كما وضح أخيرا لاتربطه علاقة بالاحزاب بما فيها الحزب الحاكم وغير مهتم بأمرها،ولذلك لايستجيب لنداءاتها واطروحاتها ،وحتي شباب الأحزاب ابتعد الكثير منهم بداعي تحكم الكبار على مفاصل الأحزاب المعارضة والحاكمة وعدم إتاحتها الفرصة لهم ،ويضيف:حتى على صعيد الثورات العربية لم يكن للأحزاب دور وكان للشباب غير المنتمين لمظلة حزبية القدح المعلى في التغيير ،وقيام نظرائهم في السودان بهذا الامر من عدمه لايخضع لحسابات محددة ،ولا استطيع تأكيد سعيهم للتغييرمن عدمه لأن هكذا امور لاتخضع للقراءات فهكذا علمتنا الثورات الشبابية العربية ،ولكن ما استطيع تاكيده أن 80% من الشباب السوداني لاعلاقة لهم بالأحزاب التي يعتبرونها السبب المباشر في كل مشاكل السودان، والرهان عليهم من قبل أحزاب المعارضة والحكومة لتغيير اوتثبيت النظام رهان خاسر ،وتبقي الحقيقة أن الشباب هم وقود الثورات وذات الحقيقة تؤكد أن تحركهم من عدمه لايخضع لمقاييس وليس له أسباب محددة .