إسحق أحمد فضل الله يكتب: (وفاة المغالطات)    الهلال لم يحقق فوزًا على الأندية الجزائرية على أرضه منذ عام 1982….    لجنة المسابقات بارقو توقف 5 لاعبين من التضامن وتحسم مباراة الدوم والأمل    المريخ (B) يواجه الإخلاص في أولي مبارياته بالدوري المحلي بمدينة بربر    شاهد بالفيديو.. لدى لقاء جمعهما بالجنود.. "مناوي" يلقب ياسر العطا بزعيم "البلابسة" والأخير يرد على اللقب بهتاف: (بل بس)    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    لماذا نزحوا إلى شمال السودان    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    مناوي .. سلام على الفاشر وأهلها وعلى شهدائها الذين كتبوا بالدم معنى البطولة    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    بمقاطعة شهيرة جنوب السودان..اعتقال جندي بجهاز الأمن بعد حادثة"الفيديو"    اللواء الركن"م" أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: الإنسانية كلمة يخلو منها قاموس المليشيا    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    بالصورة.. رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس: (قلبي مكسور على أهل السودان والعند هو السبب وأتمنى السلام والإستقرار لأنه بلد قريب إلى قلبي)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    شاهد بالفيديو.. "بقال" يواصل كشف الأسرار: (عندما كنت مع الدعامة لم ننسحب من أم درمان بل عردنا وأطلقنا ساقنا للريح مخلفين خلفنا الغبار وأكثر ما يرعب المليشيا هذه القوة المساندة للجيش "….")    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    عقد ملياري لرصف طرق داخلية بولاية سودانية    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فتاوى تحت الطلب وبأمر السلطان
نشر في الصحافة يوم 21 - 04 - 2011

في خطابه لجماهير القضارف التي استقبلته في العاشر من ابريل المنصرم تحدث الامام الصادق المهدي لمستمعيه عن قضية التكفير بحسبانها ضررا أعظم يأتينا من قبل التكفيريين لأن عندهم سبع مهلكات أو أخطار هي « رفضهم التعددية،توسيعهم لمفهوم البدعة، اضطهادهم النساء، التكفير لمجرد الاختلاف واهدار دم من يكفر،عندهم الكفر علة للقتال ،اعتقادهم أن الدين الاسلامي انتشر بحد بالسيف» وفي يوم 11 ابريل تحدث الامام لجماهير الحصاحيصا بتفصيل أكبر عن ذات الموضوع ، في الجمعة التي أعقبت خطاب الصادق في القضارف في الخامس عشر من ابريل 2011 ، تناول مولانا آدم أحمد يوسف، نائب الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار ، ذات القضية في خطبة الجمعة بمسجد الهجرة بودنوباوي وعدها من النوازل التي تفتك بالبلاد بأكثر مما قد تفعله سواها من القضايا ان لم يتم تداركها .
هذا الاهتمام الذي أولاه الامام الصادق لقضية التكفيريين وأكده منبر الجمعة في مسجد الأنصار بخطيب على مستوى جهازها الرئاسي لم يأت من فراغ أو نفضا للغبار عن قضايا قبرت واختفت بل جاء استجابة لما ثار مؤخرا ليذكرنا بأن كأس مصائبنا المترع بالهموم ما زال يتوعد بالمزيد.فقد حفلت الساحة مؤخرا بصيحات التكفيريين وغضباتهم يوزعونها شمالا ويمينا دون حسيب ولا رقيب بل نقول بتنسيق كامل مع من يتربعون دون اذن منا أو تكليف على سدة الحكم.
أجرت صحيفة الأهرام اليوم قبل وقت قريب حوارا مع د.يوسف الكودة تعرض فيه لموضوعات متفرقة أفاد فيها بأفكار قيمة ونيرة سنصرف عنها النظر جميعا لنركز على اجابة د.يوسف الكودة عن سؤال طرحه عليه محاوره حول:علاقة الشريعة بالحريات والديمقراطية والأمن لما له من علاقة بموضوعنا اليوم.
أجاب قائلا:«الاستقرار والحريات والأمن مقدم على انزال الأحكام الشرعية التي قد يكون لها ردود أفعال سيئة جداً، كما قال عمر بن عبدالعزيز، لا فائدة من شريعة وأحكام اسلامية تسيل وراءها الدماء، الاسلام جاء ليحفظ الدماء، وهذه من الأمور التي تغيب عن الأحزاب والجماعات الاسلامية، لذلك نجدهم يتخبطون ويختلفون ويتفرقون عند كل منعطف»، تلك الاجابة التي نطق بها الكودة أتت بعد تفكر وتدبر فقد انطلق د.الكودة من خلفية تتشدد في فهم الدين ثم هداه العلم والبحث الدائب عن الحقيقة -التي هي ضالة المسلم الى فكر الأمة الوسط ،الفكر الذي يجمع الناس ويظهر الدين الحق للناس كما أراده خالقه سبحانه وتعالى وكما عرضه عليهم رسوله الكريم. ولن ندرك أهمية هذا الفكر الوسطي الا ان فهمنا أنه وسيلتنا الوحيدة لنشر الاسلام وقبول حكمه اليوم، خاصة في ظل ضعف الأمة الاسلامية المشهود.لكن تلك الاجابة الرصينة بدل الاعجاب والتثنية استوجبت غضبة الرابطة الشرعية لعلماء السودان التي تضم غلاة السلفيين التكفيريين في السودان فاستحق قائلها بنظرهم الاستتابة والرجوع والا فقد حكموا بتكفيره !
لم تكن تلك الحادثة التكفيرية هي الأولى لمثل تلك المنابر التي تدعي احتكار الحقيقة ،حيث تم تكفير واهدار دم مجموعة من الصحفيين في مايو 2003 وتم تكفير د.الترابي في 2006 ، و تكفير الامام الصادق المهدي عددا من المرات منها ما تم في مايو 2003 لامضائه اعلان القاهرة مع الدكتور الراحل جون قرنق والسيد محمد عثمان، ثم كفر بعض أئمة المساجد الامام الصادق المهدي في منابر الجمعة ثورة على بعض ما جاء بكلمته التي وجهها لمؤتمر قطاع المرأة في 25/فبرابر/ 2009م بسبب قضايا أرادها للنقاش في معرض مجهوداته المشهودة لعرض الاسلام في ثوب قشيب تحريرا له من التعصب والانكفاء وقد كفر بسبب رأيه عن النقاب« وهو ليس من موجبات الدين الذي اشترط الحشمة في اللباس أما النقاب فهو عادة تخص بعض المجتمعات تحولت الى عبادة دون مسوغ».كذلك تم تكفير الأستاذ ياسر عرمان واهدار دمه في يونيو 2009، ثم كفروا الحزب الشيوعي السوداني وطالبوا بحظر نشاطه في سبتمبر2009 ، الآن كفروا في 16 مارس 2011 اللواء عمر حسب الله الأمين العام لمستشارية الأمن القومي اثر تصريحات صحفية له في برنامج اذاعي حول سقف مبادرة المستشارية للحوار مع الأحزاب قال فيها «لو أجمعت الأحزاب على الغاء الشريعة فلتذهب الشريعة» ثم نجحوا في اقالته من منصبه في 22 مارس 2011 «وان كان الأستاذ بابكر فيصل بابكر في مقال له بسودا نيل عنوانه«حسبو في المصيدة» مع تخطيئته لظاهرة التكفير من حيث المبدأ و مؤازرته لحسب الله في محنته ، لكنه لا يبرئ ساحته من المسؤولية كونه يجني حصاد غرس يده، بحسبه مسؤولا عن هذا الغرس الفاسد وأحد رعاته فهو من القيادات الأمنية الرفيعة، وقد ثبتت لكاتب المقال تلك الرعاية ،حين جمعه مع اللواء حسب الله، برنامج «حتى تكتمل الصورة» الذي يعده ويقدمه أستاذ الطاهر التوم حين ادعى الرجل في ذلك البرنامج « أن لا خطر من التكفيريين فهم تحت السيطرة تماما! » وهذا ما تنفيه الوقائع وقد نال حسب الله نفسه من سهامهم.
تاريخ التكفير حديثا:
يروى أن أول ظهور لظاهرة التكفيريين الجدد برزت نتاجا لما تعرض له الاخوان المسلمون في مصر من تعذيب وسوء معاملة ووحشية في سجون عبدالناصر في الستينات فخرج قوم يقولون من فعل بنا هذا ليس بمسلم لا بل هو كافر. ثم انتظمت تلك الجماعات فيما بعد ،متبلورة في جماعتين:جماعة تكفر الحكام وأخرى تكفر المجتمع.والجماعتان تعدان ورثة لنهج الخوارج في العهد الاسلامي الأول من الذين كفروا الامام علي كرم الله وجهه، لوماً له على قبوله خدعة التحكيم.
في حرب أفغانستان ضد السوفيت احتضن الأمريكان جماعة الطالبان تدريبا وتسليحا وتمويلا لتحقيق هدف مشترك هو اجلاء الروس عن أفغانستان في 1988 ثم بعد انتهاء المهمة ما لبث أن انقلب السحر على الساحر حيث تحالف الطالبان مع منظمة القاعدة بقيادة أسامة بن لادن المنظمة التي تحملها الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولية القيام بالعديد من الحوادث الارهابية أكبرها عملية تفجير الطائرات التي استهدفت برجي التجارة العالمية في منهاتن ومبنى البنتاغون في 11 سبتمبر2001 وهي الحوادث التي راح ضحيتها 2973 شخصا وفقد 24 وقد قادت بعدها الولايات المتحدة تحالفا عالميا شن حربا مستعرة الأوار على ما سمي بالارهاب «حيث أدخل في مفهومه حتى حركات التحرير والمقاومة المشروعة».الظلم والعنف الشديد الذي واجهت به أمريكا وحلفاؤها تلك الجماعات ولدّت لديهم غبائن ضافية ومن ناحية أخرى أدى اعتماد امريكا على حكومات المنطقة من الاستبداديين الى تعاون بينهما أدى الى تثبيت أنظمة الحكم المغتصبة التي استمرت على مدى سنوات الألفية الثالثة«بعد اعلان الحرب على الارهاب» فقط بموجب ذلك التحالف على التعاون اللا محدود في محاربة الارهاب مستمدة منه شرعيتها.
المشهد السوداني:
مع دخول الأفغان العرب الى السودان تزامنا مع ايواء السودان لأمثال أسامة بن لادن زعيم القاعدة وكارلوس الارهابي المعروف شهدت فترة التسعينات في السودان كذلك انعقاد المؤتمر الشعبي العربي الاسلامي الذي جمع كل متنطعي العالم والتكفيريين.هذا الاحتضان المتعطف من الدولة للارهاب العالمي أنبت زرعه حصادا مرا، فازدهرت في التسعينات أنشطة الجماعات التكفيرية والحوادث الدامية فشهدنا:
مقتل الفنان خوجلي عثمان في النصف الأول من التسعينات بسكين أحد التكفيريين «وان تسرب أن موضوع مقتل خوجلي عثمان به ملابسات أخرى» وفي 1994 قامت مجموعة من الأفغان العرب بقيادة محمد الخليفي بشن هجوم على مسجد في حي الثورة الحارة الأولى أثناء صلاة الجمعة وأسفر الهجوم عن مقتل 20 شخصا وجرح العشرات،وقد أعدم الخليفي شنقا حتى الموت.وشهد عام 2000 هجوم عباس الباقر على مسجد «الجرافة» أثناء صلاة التراويح، وحصد ببندقية كلاشينكوف أرواح 20 من المصلين وأصيب في الحادثة 33 مصليا، وقتل منفذ الهجوم في مكان الحادثة.و في النصف الأخير من التسعينات جرت اشتباكات بين مجموعتين تكفيريتين في «ود مدني» في اشتباك بالأيدي والأسلحة البيضاء، لم تخلف قتلى، ولكنها خلفت جرحى من الطرفين .
بعد اعلان أمريكا الحرب على الارهاب في 2001 وغزوها العراق وضربها أفغانستان وقصف ليبيا بالطائرات اتضح لجميع الاستبداديين في المنطقة مدى خطورة التعامل في الملف الارهابي وأن أمريكا «لا تهذر» فأسرعت حكومة السودان في طرد أسامة بن لادن وتسليم كارلوس وسلمت ما بيديها من ملفات الارهابيين وحتى المتعاونين معها من حركات التحرير المشروعة لم تتوان عن كشف ظهورهم «فيا روح ما بعدك روح» .
لكن طبعا مثل تلك الملفات لا يمكن غسل اليد منها نهائيا وستظل الجيوب المختبئة التي وجدت الرعاية اللصيقة يوما ما، تتكاثر وتتفلت طالما غابت الحريات وامتلك المنحرفون الأدوات«المال والسلاح والفكر المنحرف» بل ربما استمرت بعض الجهات الحكومية في رعاية سرية لهؤلاء التكفيريين بالرغم من سياسة الدولة المعلنة بأنها تحارب الارهاب ففي مثل تلك الأنظمة التي لا تعمل ضمن مؤسسية مفهومة دائما ما يوجد من يعتقد بنفسه ذكاء أكثر من بقية العالمين ويستمر في رعاية العقارب لاستخدامها في «اليوم الأسود»، «ألا تذكر عزيزي القارئ أن هناك من هددنا باخراج العقارب ان خرجنا للشارع؟» .وربما كانت واقعة اغتيال الدبلوماسي الأميركي مايكل غرانفيل وسائقه في شوارع الخرطوم في ليلة رأس السنة عام 2008 من ضمن تلك التفسيرات التي سيأتي اليوم الذي تكشف فيه خباياها باذن الله.
بالرغم من تعدد تلك الحوادث الدامية لكن جماعة التكفيريين في السودان تظل محدودة الأثر بمعنى أن الفكر التكفيري المتشدد لا يجد رواجا في المزاج السوداني. فالسودان بلد يتميز نسيجه الاجتماعي بالتماسك ومزاجه العام بالتسامح ويجد كل من يعاشر سودانيين فروقا واضحة تميز السودانيين عمن سواهم وقد شهد بتلك الشهادة رجلان يمثل كل منهما أحد مكوناتنا العرقية ، كما أخبر الأمير الحسن بن طلال أخاه الامام الصادق المهدي بأنه لا حظ أن السودانيين يختلفون عن بقية العرب بما أسماه الأمير الحسن «السودانيات» وهي التي عرّفها الامام الصادق بأخلاق السمتة«الاقدام، الكرم، الكرامة، الستر،المروءة،الغزل العفيف، التسامح..» ، وقد صرح الجنرال سيمبويا الذي يمثل الجزء الآخر من مكوناتنا وهو العنصر الافريقي « أن السودانيين يختلفون عن بقية الأفارقة». تلك الميزات السودانوية الخالصة والتي يهمنا منها الآن التسامح كانت نتاجا لأسباب عدة، عددها الامام الصادق في عدة مناسبات لا يتسع المجال لذكرها هنا و منها طريقة دخول الاسلام فقد تسرب تسربا الى ثقافة الناس ووجدانهم في تصالح معها فاستوعبته كمكون لا يتنافر مع قيمها السائدة لذلك تبنى الناس الاسلام ضمن منظومة سلوكهم اليومي.
اذن يحدد أثر تلك الجماعات، بالمزاج السوداني المعتدل، وبمناخ الحريات، وبالبناء الاسلامي نفسه فالاسلام دين الفطرة كما قال الرسول «صلى الله عليه وسلم» والفطرة الانسانية تجفل من التشدد والغلو وتنفر منهما فتجد المؤمن حقا في سلام ومحبة مع نفسه ومع الآخرين يتبع دينه في سلاسة طبيعية دون تكلف أو عنت أو شد وجذب.
كما يحارب النشاط التكفيري بالفهم الصحيح للاسلام :فرغم أن الله خلقنا لنعبده لكنه لم يجبرنا على الايمان به فنحن أحرار نؤمن ان شئنا أو نكفر ان أبينا. وهذا هو الفرق بين الانسان الذي كرمه خالقه لمجرد انسانيته وسخر له الكون، وبين الحيوان الذي يفعل ما يفعل جبرا بالغريزة اتباعا لمعلومات مكتوبة في جيناته الوراثية ليس له الخيار سوى تطبيقها.يقول ربنا سبحانه وتعالى «لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم »البقرة 256 ويقول «وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر انا اعتدنا للظالمين نارا احاط بهم سرادقها وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا »الكهف 29 ويخاطب رسوله الكريم «فَذَكِّرْ اِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ ، لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ »الغاشية آيات: 21و22 .
وعلى هدى القول الرباني والقول النبوي وما فعله الرسول «صلى الله عليه وسلم» مما سجلته كتب علم الحديث التي تجدها في مظانها ، مضى على الدرب من يعتد برأيهم من علماء وكان حكمهم : الذي بنوا عليه الأحكام : أن الانسان مخير بين الكفر وهو الجحود بأنعم الله، والايمان فان لم يكن الانسان مخيرا فما فائدة الثواب والعقاب وما هي القاعدة الأخلاقية التي بها نحاسب؟ كما يتساءل الامام الصادق المهدي وكيف نجرؤ على التشكك بعدالة الخالق اذ نجبر على الكفر «دون اختيار منا» ثم نجرم على ذلك-تعالى الله عن ذلك علوا عظيما. وبينما يستوجب الكفر بالله وهو من أكبر المعاصي حتى يقال «ليس بعد الكفر ذنب» أشد الغضب الالهي لكن الثواب والعقاب هي من أعمال الرب وحده فهو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ولسنا مكلفين مهما بلغ علمنا بالحكم على انسان بالكفر مهما صورت لنا أنفسنا صواب ما نرى.
ويقول الامام محمد عبده : «انه اذا صدر قول من قائل، يحتمل الكفر من مئة وجه، ويحتمل الايمان من وجه واحد، حمل قوله على الايمان، ولا يجوز حمله على الكفر».
مما تقدم يتضح أننا لا نستطيع الحكم بتكفير الناس وعقابهم أو شن الحرب عليهم لاجبارهم على رؤية ما مهما اعتقدنا في صوابها وصلاحها. وجل ما نستطيعه ازاء الآخرين هو الدعوة الى سبيل الله بالحكمة و بالموعظة الحسنة .
كذلك أخبرنا ربنا في محكم تنزيله أن التباين سنة كونية والاختلاف من نواميس الكون «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين »هود 118 مما يتضح في الآية المذكورة وفي أخريات.
فتلك الأربعة التي عددتها كفيلة بمعالجة ظاهرة التكفير رغم خطورته وهم يحتاجون المجتمع لاخراجهم من ضيق الأفق بتيسير سبل العلاج النفسي والبحث الاجتماعي ،لكن الذي يجب أن ننهض لمقاومته فورا هو «التكفير المنظم المؤسسي» الذي يتم باشراف الدولة عن طريق مؤسسات تمت اليها بصلات، بادية للعيان ومفضوحة رغما عن الانكار.
وبينما قد يبدو أن حوادث التكفير واتباعها بهدر الدماء متداخلة لكننا نزعم أن هناك خطا رفيعا يفرق بينها ، فبينما نلحظ أن ضحايا التكفيريين دعنا نسمهم«الأصليين»، كانوا اما نتاجا لتصفيات داخلية بين العناصر المتشددة فيما عرف بحرب المساجد «كانت المساجد المستهدفة هي مساجد أنصار السنة الذين يعتبرهم التكفيريون عرفوا الحق ثم أنكروه »لذلك يكفرونهم ويهدرون دمهم ،أو هجوم عام على قبيلة الفنانين اذ يصنفونهم فعلة منكر «لم يكن خوجلي عثمان مستهدفا لذاته» أو ضد الامريكان«حادثة غرانفيل» واستهدافهم للامريكان مفهوم منذ الحرب المعلنة بينهما.
لكن تحديد أسماء بعينها أو أحزاب تستهدف لذاتها عمدا بفتاوى التكفير فذلك هو الشغل السياسي الذي يفضح بوضوح تورط بعض الأجهزة الرسمية وجهات حكومية في ذلك الكيد الذي يستغل العواطف الدينية الغوغائية لحجر الرأي والتنكيل بالأعداء.وهي فتاوى تنطلق كذلك بين فينة وأخرى لتصب حصريا في خانة نصرة السلطان فتكره ما يكرهه وتحب ما يحبه ففي الانتخابات «التي يحرمونها» يدعون لنصرة البشير بل يجعلون بيعته وطاعة أولي الأمر دليل صلاح المسلم!واذ يخافون على الحاكم من «الهواء الطائر» ويفتون بوجوب امتناعه من السفر شفقة عليه من العواقب تعمى تلك الهيئات والروابط عن مصالح المظلومين. وبينما كان الادعاء الأساس تبريرا للانقلاب «ان الله يذع بالسلطان ما لا يذعه بالقرآن»وبرغم هذه الأهمية المسندة للسلطان في نظرهم لدرجة الانقلاب على سلطة شرعية، تتغاضى فتاوى تلك المنشآت الحكومية عن فساد الحاكم وتتركهم يغوصون في وحل مال الشعب دون أن تحرك ساكنا بينما الفهم السائد أن نظائر هذه الهيئات والروابط انما الأصل في انشائها هو مناصحة الحكام وردهم عن ظلم الرعية ولكنهم يتركون فضل أفضل الجهاد وهو قول الحق في وجه سلطان ظالم ليستأسدوا على المواطنين العزل بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان .
تلك «الروابط الفتوية» التي ترهن الدين للدنيا ولخدمة الحكام هي الأشد خطرا على النسيج الاجتماعي السوداني وعلى أمن المجتمع ذلك أنها تعمل على تعبئة الشباب وتستغل فورة حماستهم وقلة علمهم فتحولهم الى قنابل موقوتة قد يبدو «أنها تحت السيطرة» لكن الفئات التي تستهدفها بالتعبئة تتفاعل بعيدا عن النور خارج أي سيطرة ومتى ما شبوا عن الطوق يستهدفون اليد التي امتدت اليهم بالاحسان قبل الآخرين ومثلما يحدث مرارا وتكرارا ينقلب السحر على الساحر، وهنا نسمع صوت زعيم القاعدة أسامة بن لادن «الذي لدغ من جحرهم» يحذرنا «كما يقال» من هذه الحكومة التي تخلط بين الدين والجريمة المنظمة .
وسلمتم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.