يسوق الكثيرون واقع اليوم الذي يصفونه بالمؤلم الى الحنين للماضي واسترجاع شريط ذكرى أيامه الخوالي، التي يؤكدون أنها لا يمكن أن تعود بذات تفاصيلها الجميلة، ويرجعون توشح أيام الواقع بالسواد وتشابه مشاهدها الى رياح التغيير العاتية التي ضربت نسيج المجتمع السوداني في مقتل، واذهبت عنه الكثير من المعاني والقيم التي كانت تجمل الحياة وتجعل لمذاقها طعما مختلفا، فالبعض يتحسر على تلاشي العديد من العادات السودانية الأصيلة كالكرم والشجاعة وعمل الخير والتكافل والتعاضد والتسامح، ويؤكد أصحاب هذا الاعتقاد أن الإنسان السوداني لم يعد كما كان في الماضي شهما كريما متواضعا ومتسامحا، بيد أنه لكل قاعدة استثناء، فهكذا يقول المنطق، فأرض ما تبقى من سودان القيم لازالت بخير، وذات الإنسان السوداني المتهم بتأثره برياح التغيير السلوكي، مازال يحتفظ باشيائه الجميلة التي ميزته عن غيره، فرغم العتمة لازالت هناك إشراقات تستحق الاحتفاء، وذلك لأنها تؤكد صفوية هذا الشعب الذي تزيده نائبات الدهر لمعانا. الجنيد ينتج مصنعها السكر، ومجتمعها يشكل نسيجا قائما بذاته، سودان مصغر بكل تفاصيله الجميلة، إنسانها لم ينزلق الى مستنقع القبلية الآسن، الناس فيها مازالوا متمسكين بقيم الدين وإرث الجدود، فرهق الحياة وضغط العمل لم يحولا بينهم والتواصل في السراء والضراء، من هذا المجتمع المتماسك والمتفرد والاستثنائي، يقوم الجيلي علي محمد أحمد القادم من عزيبة الشموخ وصاحب المتجر الوسيع بسوق الجنيد، بأعمال خيرية غاية في الدهشة، لا يقدم عليها إلا من أحب عمل الخير، ففي الوقت الذي يسعى فيه البعض لحصد وجني الأموال من التجارة وهذا حق مشروع، يحمل الجيلي هما آخر وهو خدمة المجتمع، وذلك عبر مبادراته التي لا تتوقف المتمثلة في «ختان» الفتيان الذي أجبرتهم ظروف الحياة على العمل في السوق، فالجيلي ظل يوجه أموالا مقدرة من أرباحه الى هؤلاء الصغار الذين لم يختاروا قدرهم، ولكنهم وجدوا القلب الحنون الذي يرعاهم بالحب والاحترام، ويبغي الرجل من هذا الصنيع الذي يكلفه ملايين في العام رضاء الله في المقام الاول. ويقول عبد العظيم محمد الطيب التاجر بسوق الجنيد، إن ما يقوم به الجيلي عمل مقدر يجد صدى طيباً في نفوس الجميع. وقال إنه دوماً سباق لعمل الخير، واقترح عبد العظيم أن يتم تأسيس منظمة خيرية باسم الجيلي ود العزيبة لمثل هذه الأعمال، يشارك فيها كل الخيرين بالمنطقة لرعاية الأرامل والأيتام والفقراء.