تلقيت عدة رسائل على البريد الالكتروني من قراء يتطلعون الى الاغتراب بحثا عن وضع أفضل، وهم يحَملون علينا تبنينا خطاً داعماً للعودة الى السودان، وفي سبيل ذلك نرسم صورة قاتمة عن واقع الاغتراب، أو كما يقولون. بداية نسعد بأن نُذكر أنفسنا ومعشر المغتربين بأن الغربة ومهما طال أمدها لا بد أن تنتهي بالعودة إلى الوطن، وألا أصبحت هجرة مفتوحة، ولتلك أسباب تختلف عن أسباب الاغتراب المدفوع بالاحتياجات الاقتصادية، كما أن مناشداتنا تستهدف في المقام الأول الذين امضوا عقودا طويلة في الاغتراب، حتى تفرقت أسرهم بين الداخل والخارج، ومنهم من أصبح هرما لا يقوى على العمل كما كان قبل ثلاثين أو عشرين عاما، وبطبيعة الحال أكرم له أن يستقر في وطنه. أما الشباب الذين تخرجوا حديثا في الجامعات ولم يجدوا غير الأبواب الموصدة في وجوههم، واضحى بعضهم يشعر بالإحباط نتيجة عدم توظيفه في أي من القطاعين العام أو الخاص، فحري به أن يطرق أبواب الاغتراب، ونحن ندعوه بكامل «قوانا العقلية ان يغترب».. فكيفما تحدثنا عن سوء واقع الغربة، يبقى هناك متسع من أمل في الغربة، ان ضاق الوطن بأبنائه، ولن أتراجع عن خط الدعوة الى الاستقرار في السودان أن قلت ان راعي الضأن في الخلاء في الخليج يتقاضى راتبا يفوق المليون جنيه بالقديم، رغم ما يلاقيه من مشقة وعناء، بل أزيد وأقول: الفقر في أوطاننا غربة.. والمالُ في الغربة أوطان. والأرض شيء كله واحد.. ويخلف الجيران جيرانُ، فالشاب الذي يشعر بأن وطنه لم يوفر له فرصة عمل، والخريج الذي يتشكك في جدوى العلوم التي تلقاها على مدى سنوات طويلة، يصبح أمرا طبيعيا ان يفكر في بدائل عمل خارج اسوار الوطن، وإلا عاش مستقبلا مضطربا، ومن بين الذين يتطلعون الى الاغتراب من هم على رأس العمل، بيد أنهم بمردود مادي أعلى، ويرون ان الاغتراب كفيل بتحقيقه، ويمكن لهم بالفعل أن يحققوا ذلك. ويبقى الأمر توفيقاً من عند الله تعالى، فمنطقة الخليج وعلى وجه التحديد المملكة العربية السعودية، رغم توسنامي الأزمة المالية العالمية التي «خنقت» العالم حتى خارت قواه، ومع موجة خفض الوظائف، تبقى قوية باقتصادها المنتعش وهي تستقبل العمالة الأجنبية في كل صباح يوم جديد، فالسعودية وحدها يعمل فيها أكثر من سبعة ملايين نسمة من مشارق الأرض ومغاربها، وما كان لها ان تصمد أمام هذه الهجمة الأجنبية لولا أن لها «مواعين» قادرة على استيعاب هذا العدد الهائل.. وطالما هذا هو الواقع يبقى الباب مفتوحا امام المتطلعين للاغتراب، وسيجدون فرصا أفضل طالما ضاقت مشاريع التنمية بالبلاد بمواهبهم وقدراتهم..!! وبقي القول إن خط دعم العودة الى الوطن لن يغلق، وسنظل ندعو الى ذلك خاصة للذين لم تصبح لهم من القدرة بما يعينهم على حمل كرسي ليجلسوا عليه ذات «عصرية» إن هم عادوا الى الوطن .. وندعو أن ترشد «الغربة» للقدامى والجدد، بأن نتعلم أن نضع سقفا وأهدافا محددة لغربتنا، لكي ننتفع بأيام شبابنا لتكون عوناً لنا في شيخوختنا. آخر الكلام : واذا الدِّيار تنكرت عن أهلها.. فدع الديار وأسرع التحويلا ليس المقامُ عليك حتماً وواجباً.. في بلدة تدعُ العزيز ذليلا