نسعد اليوم الاربعاء بزيارة السودان، وهي سعادة لن تكتمل طالما قلنا «زيارة» فالزيارة لها مدى زمني محدود وهو «للأسف» أسبوع واحد، لايُمكن حتى من السلام على الاهل والاحبة ناهيل عن «الفواتح» بالترحم على الاموات تقبلهم الله قبولاً حسناً.. ويبقى الأصل أن نقول إننا نعود الى الوطن، كون العودة تكون بغرض الاستقرار النهائي، وهو امر «يشتهيه» معظم المغتربين، في مختلف ارجاء الكرة الارضية، غير أن «ظروفهم» و «ظروف» الوطن المثخن بالجراح تحول دائماً دون ذلك!! وشعور العودة الى الوطن أو قل زيارته أمر يجلب السعادة، حيث تجد المغترب العائد الى الوطن في اجازة تتملكه السعادة، وهو في هذه اللحظات الجميلة يسقط كل أمر من شأنه تعكير صفو روعة لقاء الأهل والأحبة، والمرور على ديار الصبا ومراتع الشباب.. وأذكر حينما اغتربنا قبل عقد من الزمان حسبنا أن غربتنا لن تمتد إلى اكثر من عام، ولكنها امتدت طويلاً.. وقد كنا نردد قول الحق «وآخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله» لكي نمنح أنفسنا حصانة بأن امر الاغتراب والسفر له اصل في القرآن الكريم.. وكذلك رددنا شعراً: فسر في بلاد الله والتمس الغنى تعش ذا يسار أو تموت فتعذرا ولا ترض من عيش بدين ولا تنم وكيف ينام الليل من كان معسرا وكذلك اطلنا ترديد: واذا الديار تنكرت عن أهلها فدع الديار واسرع التحويلا ليس المقام عليك حتماً واجباً في بلدة تدع العزيز ذليلا فسهرنا الليالي الطوال حتى لا نكون معسرين، غير ان الضغط النفسي كان اشد قساوة من حال المعسرين، لذلك بتنا نتحدث لغة ثانية لعلها تكون صالحة وتدفع بنا الى حيث الاستقرار بالوطن: أرى وطني كعش لي ولكن أسافر عنه في طلب المعاش ولولا أن كسب القوت فرض لما برحت الفراخ من العشاش وأتمنى أن تكون الزيارة الى الوطن بمثابة «المقبلات» لفتح الشهية من اجل وضع عصا الترحال.. فالغربة مهما كان عائدها من المال، تبقى رحلة موقتة تنتهي بانتهاء دوافع الهجرة، اقتصادية او اجتماعية او سياسية.. ويبقى الوطن الفسيح حاضنا كل ابنائه بمختلف الوانهم وثقافاتهم ومعتقداتهم. وعبر هذا المنبر أبعث بالسلام لكل الاصدقاء والزملاء الذين قد لا تجود اللحظات بمقابلتهم، على أمل ان تتجدد لقاءاتنا في قادم المرات، ونحن نتسربل بروعة الوطن الذي نتمنى من الله تعالى ان يمن عليه بالخير والاستقرار، حتى تنتهي رحلة الشقاء الطويلة التي ظل يتكبدها اهل السودان، عبر تاريخ جميع الحكومات المتعاقبة منذ 1956م، وأنشدنا في حبور «اليوم نرفع راية استقلالنا».. ولأننا اكثر الناس لهفة على الاستقرار بالسودان أصبحنا نحسب «براميل» البترول المنتجة من الحقول السودانية حتى بلغت «140» الف برميل يومياً.. ونكاد نرتب حقائب الوفد المفاوض في أديس أبابا.. ونتطلع الى يوم تصمت فيه البندقية بجبال النوبة والنيل الأزرق.. ولأننا نخشى أن يقول احدهم «إنت بتحلم» !! نضع القلم لنقول وداعاً.