٭ الدكتور حسن هاشم فاشر من اوائل الملتحقين بالحركات المسلحة الدارفورية في عام 2003م، واحد مهندسي مؤتمر حسكنيتة الشهير لتصحيح اوضاع حركة تحرير السودان، ومن المساهمين الفاعلين في مفاوضات أبوجا لمدة عام ونصف العام، وله جهود مذكورة في إقناع رئيس الحركة مناوي بمفارقة الحرب والإقبال على السلام... عاد الى الخرطوم في وفد المقدمة في يوليو 2006م، وباشر مهامه مستشاراً في الهيئة الاستشارية لرئيس السلطة الانتقالية للشؤون الهندسية على خلفية رئاسته لقسم الهندسة المساحية بجامعة الخرطوم وجامعة ماليزيا التكنولوجية، ويكتسب الحوار معه أهميته من واقع أنه ظل لصيق الصلة بحركات التحرير الدارفورية على الدوام، ومن واقع إسهامه الذي يقدم طرفاً منه هنا في تقديم مقترحات لتجاوز الراهن الدارفوري المأزوم، وأيضا لمعايشته لتجربة السلطة الانتقالية منذ إنشائها وإلى ما بعد فصله منها: ٭ كيف ترى الأجواء الحالية التي اعقبت خروج مني مناوي في ما يتعلق بحركة التحرير والعلاقة مع الحكومة؟ ما يدور الآن لا يشجع على فعل ايجابي، فمن جانب تشظت الحركة واصبحت فروعا اشبه بالملتحقين بالسلام «الدي او سي سي» تجد كل شخصين يتشاوران مع المؤتمر الوطني وفي اعتقادهم انهم سيكونون البديل لمناوي، ومن الجانب الآخر تمضي الحكومة قدما في ما اعتزمته من خطوات متجاهلة التأثيرات التي قد تنجم عن الخط الذي تسير فيه، واذا لم تنظم حركة التحرير الموقعة على ابوجا بطريقة جيدة وما لم تدفع الحكومة مستحقات السلام بطريقة واضحة، لن نمضي للإمام، مع التأكيد على ان اتفاق ابوجا ما زال مرجعية لنا. ٭ فقط مناوي ادار ظهره للعملية برمتها ولا يمكن انتظاره للابد؟ على الحكومة ألا تغلق باب الحوار مع مناوي حتى يعود من اجل بناء السلام من الداخل، اما اذا تركت الامور على ما هي عليه ستعود الحرب اشرس مما كانت، وطالما ان السلام هو خيار الجميع فالافضل ان يكون منذ الآن، حتى لا يرتفع مهره ويصبح تحقيقه عسيراً. ٭ هل عودة مناوي ممكنة؟ الحكومة الآن تحاور خليل وعبد الواحد، وفي اعتقادي ان مناوي اقرب للحكومة من هؤلاء، واذا عزمت الحكومة على محاورته لا توجد استحالة في التفاهم معه، وعليها بذل جهود جبارة من اجل إلحاق مناوي على الاقل بمنبر الدوحة الحالي لكي يصبح جزءاً من اتفاق سلام الدوحة. ٭ في تقديرك ما هي الجهود التي يمكن أن تبذل لالحاق مناوي بالدوحة؟ ان تطبق ابوجا حرفيا، وان تدفع مستحقات السلام كاملة خصوصا في ما يتعلق بحقوق المقاتلين، فإذا كان مناوي حيا او ميتاً هناك قضية لدى المحاربين، وتسويتها هي المدخل الرئيسي لمعالجة المشكلة، والنظر السليم يستوجب ألا يعامل مناوي بوصفه شخصاً وانما هو قائد خلفه اناس لديهم قضية يؤمنون بها وحاربوا وماتوا من اجلها، وبعد معالجة قضية هؤلاء الناس اذا لم يحضر مناوي شخصيا فهذا شأن يخصه. ٭ دعنا ايضا نتحدث عن السياسيين، فكما تقول فإن هؤلاء المتخلفين عن مناوي تشتتوا واصبحوا متفرقين وجزرا معزولة.. كيف يمكن معالجة اوضاعهم في تصورك؟ الموجودون في الداخل ويتبعون لجناح مناوي من المفروض ان يكونوا على قلب رجل واحد طالما ان قضيتهم الاساسية دارفور، ولا داعي لوجودهم في كانتونات صغيرة، والمطلوب جلوسهم مع بعضهم وعقد مؤتمر استثنائي يتفقون فيه على تجميع انفسهم استنادا إلى المشاركين في مؤتمر حسكنيتة سواء أكانوا في الداخل او الخارج الذين هم مع السلام، ويمكن اضافة آخرين للمؤتمر بمعايير متفق عليها، والمؤتمر ينتخب هيئة قيادية تجلس مع الحكومة للاتفاق على ان تكون ابوجا هي المرجعية ويجب تنفيذها، وعلينا الاعتراف بأن ما يعوق ويقيد تنفيذ الاتفاقية سببان، الاول ان الحكومة غير جادة في تطبيق الاتفاق، والسبب الثاني ان المتبقين من حركة تحرير السودان في الداخل صارت لديهم مطامع شخصية في وظائف ومخصصات ونسوا قضيتهم الاساسية. ٭ وهل سيعالج تكوين هيئة قيادية عن طريق المؤتمر الذي تقترحه المشكلة، ام ان الهوة اتسعت بين المتخلفين عن مناوي؟ لا بد أن يعالج، ويجب ان تكون المعالجة هي اولوية المشاركين في المؤتمر عبر تكوين هيئة قيادية مجمع حولها، ليصبح الناس ملزمين بنتائج مفاوضاتهم مع الحكومة في ما يتعلق بتطبيق ما تبقى من ابوجا، وكذلك على المؤتمرين الاتفاق على كيفية التحول الى حزب سياسي وتسجيله حتى يتم الاندراج في منظومة العمل السياسي وعقد الشراكات السياسية المطلوبة مع الحكومة والاحزاب السياسية، والأهم حتى يشعر اهل دارفور بوجود كيان يمثلهم وقلبه على المهمشين والنازحين واللاجئين، ويرعى قضاياهم المتعلقة بالعودة الطوعية بمستحقاتها والمصالحات وازالة المرارات من نفوس الناس. ٭ كيف ستتعاملون مع قناعة الحكومة بأن أبوجا نفذت وتنفذ حالياً؟ بحسب الاتفاق الذي شهدته وكنت مشاركاً فيه بصورة يومية، المفروض من بعد التوقيع أن تنشأ مفوضية للخدمة المدنية تحصر ابناء دارفور في كل مفاصل الدولة، وتحدد الشواغر ويتم التوظيف فيها حسب الكفاءة. وكانت هذه ستستوعب كل السياسيين «الحايمين ديل والجارين وراء الوظائف ولقمة العيش»، ويصبح الواحد منهم عضوا فاعلا في الدولة، ومن ثم سيسهم في حل مشكلة دارفور. ولكن حتى اليوم لم تنشأ هذه المفوضية. ثانيا وبحسب الاتفاق المفروض أن ينشأ جسم يشرف على استيعاب ابناء دارفور بالتعليم العالي دون مصاريف دراسية، مع منحهم تمييزا ايجابيا في نسب القبول «12% في الشهادة السودانية» لمدة خمس سنوات تبدأ من 2007م، وهذه لم تحدث، واذا حدثت ستجدها في جامعة او جامعتين اعتمادا على رؤية ادارة الجامعة المعينة، ولكن لا يوجد قانون ملزم لمؤسسات التعليم العالي بتنفيذ ما ورد في الاتفاقية. ثالثا وعلى سبيل المثال ايضا نجد صندوق إعمار دارفور لم يحصل على الاموال المقررة «700 مليون» التي كان يجب ان تدفعها الحكومة، «300 مليون دولار في العام الاول 2007 و 200 مليون دولار كل عام حتى 2009م» لمشاريع التنمية والاعمار، ولكن بحسب التفاصيل التي اخذناها من الصندوق فإنه لم يتم تسليم ولا 3% من المبالغ المحددة، اي ما يعادل 21 مليون دولار، وهذه كلها من مستحقات السلام، فإذا لم يتم سدادها فكيف تكون ابوجا نفذت وتنفذ. ٭ فقط ابوجا لديها مواقيت زمنية أوشكت على النفاد.. فإلى متى ستستمر المطالبة بتنفيذها؟ اذا كانت الامور سارت بصورة سليمة ودفعت مستحقات السلام، لكنا رأينا الناس عادوا الى قراهم عودة طوعية بعد أن توفرت لهم المعينات.. والسقف الزمني لابوجا ينتهي بأن يكون رئيس السلطة حاكما لدارفور بعد الاستفتاء الاداري اذا كانت النتيجة اقليميا واحدا، او بأن تذوب صلاحيات السلطة الانتقالية في الولايات إذا كانت النتيجة ولايات ثلاث، ولكن الحكومة تنسى ان رئيس السلطة الذي وقع الاتفاق نفسه غير موجود. ٭ هل يعني غياب مناوي أن الاستفتاء بلا معنى؟ ليس غياب مناوي وحده، ولكن حتى الحركات التي لم توقع وتفاوض في الدوحة الآن تعتقد ان الاستفتاء يجب ألا يعقد في غير وقته، ورأيي الشخصي ان جزءا كبيرا من اهل دارفور خارج ديارهم، اضافة الى ان الامن غير مستتب ولا يتيح اجراء استفتاء في دارفور بالطريقة المثلى، وبالتالي فإن الاستفتاء لن يخدم الغرض الذي يجرى من اجله، وربما كانت الحكومة تعتزم فقط طي ملف ابوجا لتقول إنها نفذتها ولم تعد هناك ابوجا، ولكن هذا لا يعالج الامور. ٭ ماذا تتوقع من نتائج مباشرة نتيجة طي أبوجا على هذا النحو؟ هناك نتيجتان مباشرتان لهما ما بعدهما، اولا المحاربون ونتيجة طبيعية لعدم الاستجابة لطلباتهم العادلة في ما يتعلق بدارفور وسداد استحقاقاتهم، سيلتحقون بأية حركة موجودة او ستنشأ في المستقبل، ثانيا السياسيون سيلتحقون بالحركات المعارضة، وان كان بعضهم ربما سيلتحق بالمؤتمر الوطني، والمشكلة ستتأزم بأكثر مما هي عليه الآن. ٭ هل من الأفضل الحاق ابوجا بالدوحة، وهل سيمثل هذا حلا لتجاوز تنفيذ وعدم تنفيذ أبوجا؟ مفاوضات الدوحة تشتمل على وثيقة مفتوحة بامكان كل الحركات التوقيع عليها، ولكن السؤال هو: كيف يمكن تطبيق اتفاق مفتوح للتوقيع؟ وما هي آليات تنفيذه؟ وكيف يمكن الاتفاق عليها؟ ولو كنت مكان الحكومة لحاولت اقناع الذين جاءوا للسلام قبل خمسة اعوام وجلسوا معي في مكان واحد، واقناعهم بالعودة. وهناك امثلة سابقة في هذا الصدد، مثل الذين وقعوا على اتفاق السلام من الداخل «رياك مشار وكاربينو كوانين» وعادوا من جديد عبر اتفاق السلام الشامل. ٭ هل ترى أن نموذج مشار ينطبق على مناوي؟ يمكن ان تتم دعوة للموقعين على ابوجا للالتحاق بالدوحة لأنها مفتوحة للجميع، فالمهم الوصول لسلام بمستحقاته، ومناوي وفقا للمعطيات ولمعرفته للحكومة ومعرفتها له من خلال معايشة واحتكاك لخمس سنوات، هو الاقرب للسلام. ٭ كمدخل لتناول أمر السلطة الانتقالية لنتعرف على ملابسات إقالتك من السلطة الانتقالية؟ اول عمل قام به رئيس السلطة المكلف جعفر عبد الحكم بعد توليه امر السلطة الانتقالية، انه قام بفصلنا من مواقعنا، رغم اننا دعاة سلام قبل توقيع اتفاق السلام نفسه، وما تم انه فصلنا ولم يعد بامكاننا حتى دخول مكاتب السلطة، ورفضوا تسليمنا حتى حقوق ما بعد الخدمة.. الحقوق التي توجبها عملية إنهاء الخدمة، وجرت معنا اشياء مؤسفة، ولاحقا علمنا ان هناك قائمة من «350» اسما تم طردهم من السلطة بطريقة إثنية، باعتبار ان كل من ينتمي لإثنية مني مناوي عليه أن يذهب بذهابه، والطريقة التي يتبعها جعفر عبد الحكم الآن ستخلق مشكلات تصعب معالجتها. ٭ لماذا لم تستلموا فوائد ما بعد الخدمة؟ من الاسباب التي تذكر لنا أن ملفاتنا غير موجودة، وأنه تم أخذها بواسطة الذين هربوا، ويقال لنا أيضا حديث آخر غير مفهوم مما جعل السلطة الانتقالية اشبه بسوق الطماطم. ومن أغرب ما سمعته عبر وكيلي أن الأمين العام السابق للسلطة الانتقالية آدم اسماعيل قال لهم إن قرار الحكومة ألا يُعطى أي من المستشارين مستحقاته، لأن هؤلاء متمردون هربوا مع مناوي، إلى أن يأتي الواحد منهم بنفسه ليتسلم حقوقه، وحين عدت الآن من بريطانيا حيث تقيم أسرتي، وجدت أمينا عاما آخر ليست لديه خلفية عن الأمر، وكنت اعتقد واستنادا إلى حديث الأمين العام السابق أن استحقاقاتي جاهزة وموجودة في الأمانات، طالما أنني لست هاربا مع مني مناوي، والآن صاروا يقولون لي إن الملفات غير موجودة لنعرف ما صرفته وما لم تصرفه أيام توليك المنصب، بالرغم من أن فوائد ما بعد الخدمة تحكمها لائحة، ولا يمكن لمناوي أن يأخذ لوائح دولة ويذهب بها، وما يحدث بالضبط خرمجة وأشبه بسوق الطماطم. وعلى سبيل المثال قام عبد الحكم بتعيين أمين عام جديد لمفوضية التعويضات في ظل وجود أمين عام سابق مازال في موقعه دون أن يعزله ودون أن يراعي أن هذه المواقع تتبع في الأساس لحركة التحرير الموقعة على أبوجا، وإذا لم تعد السلطة الانتقالية لأصحابها لن تستقيم الأمور ولن تعود إلى نصابها.