بقدر ما أحزنني الرحيل المفاجئ والموت الدرامي للاعب المريخ ايداهور ،الا أنني حزنت أكثر عندما أقدم طفل بعمر الورود على اطفاء شعلة الحياة في جسده الغض حزناً على رحيل لاعبه المفضل.أحمد آدم عجبنا طفل في الحادية عشر من عمره يدرس بالصف الرابع بمدرسة حسن الجعلي الأساسية ويسكن مع أسرته الصغيرة بضاحية أم القرى شمال الخرطوم بحري... أحمد هذا كان (يموت) في تشجيع المريخ حسب قول والدته واستبد به الحزن ليلة وفاة لاعبه المفضل ، ودخل في نوبة بكاء طويلة حتى استقبل خيوط الصباح الأولى بوجه متورم وعين أكثر حمرة من شعار المريخ(صحيفة حكايات) . مضيت أسائل نفسى ما الذي يدفع هذا الصغير أحمد ليخلو بنفسه في الحمام المتواضع ويشنق نفسه وهو يرتدي زي المريخ وشعاره ويضع قبعة النجمة الحمراء على رأسه؟ لماذا ينحصر اشباع الانتماء العاطفي لهذا الطفل في كرة القدم وفي فريقه المفضل ولاعبه المفضل دون سواه بحيث ترتبط حياته وموته في هذه الدنيا بهذا الانتماء ؟ هل فشل المجتمع في تنويع وتوزيع هذا الانتماء العاطفي لدى الطفل في حزمة متفرقة من المناشط الترويحية والاهتمامات الأخرى؟ في منتصف الستينيات كنا أطفالاً في مثل عمر أحمد وكان نجوم الكرة وقتها أمثال جكسا وأمين زكي وماجد و أبراهومة الكبير هم أبطال طفولتنا وصبانا، ولكنا ما بلغنا هذه الدرجة من الارتباط العاطفي بالكرة ونجومها كما فعل أحمد وأقرانه . كانت طاقات الانتماء لدينا موزعة في عدة أنشطة من بينها الجمعية الأدبية وليالي السمر المدرسية والمنازل الرياضية والكشافة والرحلات المدرسية والسفر بالقطار لزيارة مدن السودان المختلفة الى جانب الرياضة وكرة القدم . كل هذه الأنشطة المختلفة كانت تمتص طاقة الانتماء لدينا وتبعثرها على مختلف المناحي المفيدة التي لم يجدها أحمد ورفاقه . لم يجدوا سوى الكرة ونجومها ليفرغوا فيها شحنات الانتماء العاطفي والترويحي فأصبحت عصب حياتهم في هذه الدنيا. ولعل رقة الحال التي عاشها أحمد وأسرته هي السبب في أن يرهن كل عواطفه وحياته الى هذا الانتماء الذي لم يجد سواه.. رقة حال أكدتها محاولة أحمد قبل انتحاره أن يبدد حزنه الغامر بالانشغال في (بياض) جدران منزل أسرته المتواضع ب( الزبالة) واستعانته بحبل (الغنماية) في شنق نفسه داخل حمام يقوم فيه ( جوال من الخيش) مقام الباب. إن ما أقدم عليه الطفل أحمد هو حتماً ليس موضع مساءلة فقهية لأنه طفل صغير دون سن التكليف دفع حياته قرباناً للانتماء الوحيد المتاح ، في مجتمع ضنّ عليه بكل مباهج الطفولة واسباب الترويح الأخرى التي تستوعب وتشبع غريزة الانتماء لديه ، لكن الأوجب بالمساءلة هو المجتمع الذي عليه أن يقدم مرافعة دفاع عن هذا الجرم الفادح.