في مرةٍ سابقة وفي معرض تعليقي على واقعة إحتجاب صحيفتي أجراس الحرية والميدان عن منافذ التوزيع لعدة أيام بسبب مباشر هو حجز السلطات الأمنية لأعداد الصحيفتين بعد اكتمال عملية طباعتهما داخل المطبعة، وآخر غير مباشر بسبب الحيرة التي أربكت المحررين فآثروا بطوعهم واختيارهم وحالتهم المعتبرة شرعاً أن لا يصدروا ريثما يقفون على الأسباب التي دعت السلطات لايقاع هذه العقوبة المزدوجة «مادية ومعنوية» عليهم. كنت في معرض تعليقي على تلك الواقعة قد استنصرت بأبيات شهيرة لأمير الشعراء أحمد شوقي، وجعلت من أحدها عنواناً، وكان هو الذي يقرأ «ليت هاجري يشرح السبب» ثم أوردت في المتن الأبيات الخمسة الأولى التي تقرأ: مال واحتجب وادعى الغضب ليت هاجري يشرح السبب عتبه رضى ليته عتب علَّ بيننا واشياً كذب أو مفنداً يخلق الرّيب وضرورة هذه الأبيات كانت قد فرضها أنني كنت أبحث عن فرصة حوار تجمع بين الأمن والصحف قبل أن يوقع عقوباته الإيجازية عليها، خاصة وأن الجهاز لم يكن ينبس بحرف يبرر به ما فعله لا قبل المصادرة ولا بعدها.. ولكن يبدو أنني اليوم وفي مقام تعليقي على واقعة شبيهة الخالق الناطق وهي مصادرة سلطات الأمن لعدد الأحد من صحيفة التيار دون إبداء أية أسباب، سأضطر لاستدعاء الأبيات النقيضة لأبيات أحمد شوقي التي استنصرت بها في المرة الفائتة، وذلك لتكرار هذه السوابق دون جدوى واستمرار السلطات الأمنية في ممارسة عادتها القديمة دون تجديد في زمن «التجديدات»، والأبيات لشاعر النيل حافظ إبراهيم يعارض ويكايد بها أحمد شوقي يقول مطلعها: شال وإنخبط وادعى العبط ليت هاجري يبلع الزلط كلما مشى خطوة سقط عتبه شجى حبه غلط هذا من جهة الاحتجاب، أما الاحتجاج ففي الأنباء أن شباب الصحافيين سينظمون وقفة احتجاجية صباح اليوم باسم شبكة الصحافيين أمام مقر المجلس القومي للصحافة للتعبير عن احتجاجهم القوي على استمرار اعتقال زميلهم الصحافي جعفر السبكي، الذي سقطت أية دعوى أو حجة له بعد تجاوز مدة الاعتقال المدى الزمني الذي يسمح به القانون، والمطالبة بالافراج عنه هو وزميله الآخر سجين الرأي أبو ذر علي الامين الذي يقضي حكماً بالسجن بسبب مقال صحفي، وتجيء هذه الوقفة الصحافية للمفارقة في أيام احتفالات العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة، فبينما يحتفل العالم في هذا اليوم بنصب سرادقات الفرح، إذا بالصحافيين السودانيين ينتصبون وقوفاً للاحتجاج على بخس حريتهم باعتقال الصحافيين أو مصادرة الصحف، ولهذا سيكون هذا اليوم عندهم أجلب للتعاسة وليس مدعاة للاحتفال، فكلمة احتفال هنا لا حظ لها، وكذلك كلمة حرية، فالصحافيون السودانيون مازالوا في طور «تحرير الصحافة» من أية قبضة، وهذا هو العنوان الذي يناسبهم في يوم الاحتفال بحرية الصحافة..