مثلت العملية التي وقعت في فبراير من عام 1994 أولى محاولات التخلص من بن لادن، منذ انطلاق نشاطه في مرحلته السودانية. حيث كان الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون كشف بعد أحداث 11 (سبتمبر ) أنه أمر بمحاولة اغتيال زعيم «القاعدة» في افغانستان بعد عمليتي تفجير سفارتي أميركا في نيروبي ودار السلام في (أغسطس )1998 .الا أن محاولة الاغتيال التي نفذت بالفعل فشلت في تحقيق هدفها .واكد معاصرون للأحداث كانوا يشغلون مناصب معنية بالقضية أن المسجد استهدف أصلا بسبب انتظام بن لادن في أداء صلاة الجمعة فيه في تلك الفترة .بينما شاع وقت وقوع الحادث أن منفذيه مهووسين استهدفوا جماعة «أنصار السنة المحمدية» التي يصلي عدد من ناشطيها في المسجد الى جانب سكان الحي . ويذكر أن امام المسجد الراتب هو الشيخ أبوزيد محمد حمزة الذي صادف غيابه عن إمامة المصلين في يوم وقوع الحادثة . ولف الغموض اهداف العملية وانشغل الناس وقتها بمجرياتها .ولم تقدم أوراق القضية مادة كافية في جانبها السياسي، واعتنت بتفاصيل الجريمة التي استنكرها السودانيون بسبب العدد الكبير من القتلى الابرياء وعلامات التطرف والهوس الديني على أعضاء التنظيم الصغير الذي لم يعرف له إسم ولم تقم له قائمة بعد مقتل منفذي الهجمات الثلاثة . اصرار على ملاحقة بن لادن ولعل اوضح القرائن على أن الهدف الاساسي للعملية كان بن لادن اصرار المنفذين على البحث عنه، اذ انهم نفذوا ثلاثة عمليات متتالية استهدفته، فقد هاجموا المسجد ثم توجهوا بعد ساعات الى مقر شركة كان يملكها في وسط الخرطوم ثم بعد ذلك الى منزله . وكانت العملية في حد ذاتها مثيرة واستمرت يوما كاملا، على رغم أن ما استخدم فيها من أسلحة كان محدودا ولم يشارك فيها أحد سوى الثلاثة .ووقعت في)فبراير )1994م عندما كان بن لادن مقيما في السودان، اذ هاجمه ثلاثة من المسلحين في منزله، في حي الرياض بشرق الخرطوم وأطلقوا عليه وابلا من الرصاص قبل أن يفروا. وأصابوا عددا من المقيمين معه لكنه نجا على رغم وجوده في منزله وقت الحادث . غير أن محاولة اغتيال بن لادن لم تبدأ في منزله وانما قبل ذلك بساعات عندما هاجم المسلحون أولا مسجد أنصار السنة لأنهم كانوا يعرفون بوجوده فيه، لكنه غاب ذلك اليوم على غير عادته .ونقلت المصادر عنه قوله وقتذاك انه انتظم في اداء صلاة الجمعة في المسجد بعدما كان يؤديها في مسجد قريب من منزله في ضاحية الرياض .وعزت المصادر تلك الخطوة إلى أسباب أمنية لدى الرجل الذي عرف عنه اتخاذ اجراءات احترازية كبيرة . وكشفت مصادر كانت قريبة من ملف العملية أشارت إلى خيوط برزت في التحقيق في شأن تورط أجهزة أمنية أجنبية . وقالت إن الليبي محمد عبد الله عبد الرحمن الخليفي، قائد المجموعة التي هاجمت مقر إقامة بن لادن، قام برحلات خارج السودان خلال عيشه فيه الذي استمر نحو سنتين . وبدت الروايات المتناقضة في شأن هوية الخليفي وتاريخه مثيرة للريبة .وتقول إحدى هذه الروايات إن الخليفي كان أصلا من «الأفغان العرب»، وعمل ضمن مجموعة بن لادن في أفغانستان خلال مرحلة الجهاد ضد الغزو السوفيتي، لكنه اختلف معه وتعقبه الى السودان لتصفية حسابات قديمة .وذهبت روايات عدة، بينها الرواية الرسمية لنتائج التحقيق، الى أن المجموعة منشقة عن «انصار السنة» وأن هجومها على مسجدهم هو هدفها الاول والاساسي .ولما كانت السلطات اعتبرت المنفذين الثلاثة من المهووسين فهي قبلت اعترافاتهم كما أدلوا بها .واكدت مصادر أخرى ان الخليفي وبن لادن لم يلتقيا أبدا مما يدحض مسألة الثأر والانتقام . وصار من الراجح ان هدف العملية الاساسي كان اغتيال أسامة بن لادن، وأن جرائم عدة ارتكبها المنفذون في سبيل ذلك وحوكم زعيمهم الليبي الجنسية محمد عبد الله عبد الرحمن الخليفي على أساسها .وأدى مقتل المنفذين الثلاثة وهم الخليفي وسودانيان اثنان جندهما، الى انتشار رواية واحدة هي رواية السلطات السودانية التي حكمت بالاعدام على قائد العملية من دون توجيه تهمة إليه بمحاولة اغتيال زعيم «القاعدة»، مكتفية بإدانته في جرائم أخرى شملت مقتل 16 مصليا في مسجد بالثورة في مدينة أمدرمان والاعتداء على رجال شرطة وسلب سلاحهم وقتل أحدهم . بتصرف عن صحيفة الحياة اللندنية العدد :14126