كنت افكر دائما في الكتابة عن الراحل الفنان مصطفى سيد أحمد وقد كان صديقاً وأخاً للجميع عندما كان طالباً في معهد الموسيقى والمسرح كلية الموسيقى ، وكنا طلاباً في الدراما ومن خلال المعايشة والمشاهدات فإن الكتابة عن ذلك الفنان صعبة وهو المهموم بتطور الغناء وكنا لا نجده في أي يوم والا وهو يحمل كتابا جديدا في ضروب الفنون والثقافة.. وطالما انني اتحدث عن الغناء الرصين ولذلك لابد لي ان ادخل هذا البحر من الغناء لفنان يدندن بأعذب الكلمات، كان شغله الشاغل الاضافة والتجديد. كنا نجد في بيته في الديم وهو ومعه قاسم ابوزيد ويحيى فضل الله ويحمل العود يدندن بالكلام، وقد كان يولي المعرفة القيمة العلمية التي تستحقها في الغناء، في عيونك ضجة الشوق والهواجس ريحة الموج البنحلم فوقو بي جية النوارس وكانت صورته انه متعدد المواهب رسام وشاعر ومغني وملحن لذلك كان اختياره للكلمات صعبا من ناحية التدقيق والاضافة وقد اضاء سماء الغناء السوداني بالدرر ومنها : وضاحة للشاعر ازهري محمد علي : (الصباح الباهي لونك وضاحة يا فجر المشارق غابة الابنوس عيوك يا بنية من خيز الفنادك شيدتي في جواي صوامع للفرح وفتحتي في دنياي مسارح للمرح وبقيتي لي سكة وعيون لا قدرت اطولك شأن اجيك لا قدرت من غيرك أكون).. فقد ابدع الشاعر ازهري محمد علي، وفي هذه الاغنية اطرب مصطفى سيد أحمد بصورة متقدمة في الحداثة في الشعر او الالحان ومضى عميقا في مستقبل الاغنية السودانية وهو يرسم ذاكرة خطواته في طريق الغناء وهو صاحب احساس عالٍ في التعامل مع المفردة الغنائية.. وهو مدهش في الغناء ولو استمعنا جيدا للسمحة من كلمات أخيه المقبول سيد أحمد المقبول فهي تجذبك وتجعلك مع منجز فكري وجداني وعاطفى: (السمحه قالوا مرحله بعدك الفريق أصبح خلا جاني الخبر جاني البلا والسمحه قالوا مرحله قول يا لسان في الراحله صوغ المعاني وجملا نافر وما عارف العلى).. وما يدهش ايضا في غناء مصطفى سيد أحمد الترتيب لمنتوج شعري وغنائي يحمل مواصفات الجودة ويحمل روح الفنان بخطوط وتناسق فنان وشاعر أبحر مع عدد من الشعراء المجيدين ومنهم الشاعر ابوذر الغفاري : (في عيونك ضجة الشوق والهواجس ريحة الموج البنحلم فوقو بي جية النوارس يا ما شأن زفة خريفك كل عاشق ادى فرضو ما في شمسا طاعمه طلت الا تضحكي ليها برضو).. وفتح مصطفى سيد أحمد الفنان آفاقاً رحبة للتفكير في الغناء السوداني بدلالاته الكبيرة، وعند المقارنة بما يطرح من بعض مدعي الغناء والشعر في هذه الايام من شعر ركيك وكلمات يخجل الانسان عن ذكرها وتسري في عقول الشباب سريان النار في الهشيم، وبتصفحنا للغناء الجيد نجد ان مصطفى صاحب منجز كبير أسهم وما زال يسهم في تكوين وجدان الشخصية السودانية وهذا الاسهام جعله في صدارة المشهد الغنائي السوداني، وسيظل، لأنه تعامل مع عدد من الشعراء أصحاب رؤى وصور شعرية تحمل قيماً جمالية ومنها كلمات الرائع محمد الحسن سالم حميد: (كل ما تباعد بينا عوارض كل ما هواك يا طيبه مكني تلد الغربة القُرب الواحد وبيك اسمِي الشوق وأكنِي لما افوتك من دون خاطر او دون خاطر مني تفوتي)... فدراسة أغنيات مصطفى سيد أحمد محاولة لتقديم منجز فني يحمل أبعاداً جديدة للغناء السوداني بتدقيق وتفصيل وهو رصد لمسار الثقافة السودانية، ولنقرأ للقاص والشاعر بشرى الفاضل نفسي في داخلك أعاين ،وقد غناها مصطفى سيد أحمد بصورة مدهشة: (نفسي في داخلك اعاين اروي في عيني واشوف منابعك الصحراء في عيني تتواثب جناين ماخده صوتك من جداول وشايله صورتك من كهارب مولداً ميدانو حافل كل ما يصبح تجيهو الناس جحافل).. وفي هذه الاغنية روح القاص والشاعر بشرى ولمسات الرسام الملحن المغني مصطفى سيد أحمد وهي من الاشارات الغنائية الكبيرة التي قام بها الفنان مصطفى سيد أحمد، ونجد ايضا الكلمات التي تغنى بها مصطفى كيف انساك للشاعر محمد مريخا (كيف انساك وإنت الجرح النازف منو خريف العَّته خريف المحل الما بدارك ونجم الطالع شته وحته)... ومن اشعار الشاعر خطاب حسن أحمد تغنى بالبت الحديقة: (حتجي البت الحديقة فارده انسام في طريقها وشايله ألوان حتجي البحدث بريقها ضجة الضو في المكان حتجي المن بدري جات) وفي كيف انساك او البت الحديقة فقد ابدع مصطفى واجاد واعطى الاحرف اعماقاً وظلال حروف كما افصح وابان في الحزن النبيل مع صلاح حاج سيد : (وبقيت اغني عليك غناوي الحسره والأسف الطويل وعشان اجيب ليك الفرح رضيان مشيت للمستحيل).. وتنوعت مصادر التكون الغنائي لدى مصطفى سيد أحمد، وقد تغنى لقاسم ابوزيد عدداً من الاغاني منها خليت ونشوة ريد والقاك وين وعباد الشمش، ومشى قاسم ابوزيد مع مصطفى سيد أحمد مسيرة حافلة من الغناء المتميز: (عباد الشمش شافك مشاك تاجك قبيلة وجد تيار الظلام غطاك غياب البهجة ما هزاك هواك هد العهود بالصد)... وسار مصطفى في الضل مع الشاعر يحيى فضل الله: (يا ضلنا المرسوم على رمل المسافه وشاكي من طول الطريق قول للبنية الخايفه من نار الحروف تحرق بويتات الفريق قول ليها ما تتخوفي دي النسمه بتجيب الامل والامل بصبح رفيق).. وقد سعد الشعب السوداني برفقه يحيى فضل الله العوض ومصطفى سيد أحمد في مشوار الغناء السوداني وفي اسئلة ليست للإجابة التي خطها الشاعر يحيى وغناها مصطفى: (ما معنى ان نحيا ولا ندري بأن العشق قد يبقى سجينا في الخلايا ما معنى ان نشهد موات الاغنيات ما معنى هذا الصمت الذي لا ينتهي).. وان الصمت تجاه الهابط من الغناء السوداني ويسمى غناء يجب ان تتحرك كل الاقلام ضده حتى لا نعيش مع ثقافة حمل الفنانين على الكراسي والكرين، يجب ان نغني بالغناء الجميل الرصين ككلمات الشاعر أحمد الفرجوني التي شدا بها الفنان مصطفى سيد أحمد: (عمنا الحاج ودعجبنا في الفريق يا هو الركيزه هو البشيل حمل الرباعه وعندو كلمه على الجماعه وفي الفريق باقيلينا تايه وكل طيب ليهو غاية للضعيف تلقاهو ساند)... وأنت يا مصطفى الحزن النبيل كما كتب، صلاح الحاج سعيد وأنت الطرب الاصيل والغناء الرصين، وأنت تراقص عجاج البحر مع الشاعر حسن بيومي، و أنت مع مريم الاخرى مع شمو ، وأنت مع نجاة عثمان الشاعرة تمسح الحزن المعشعش في عيونا ، وأنت أيها المغني الصادح بالدرر جرح هوانا وغناك سيظل جوانا ، ونحن ان نقول إنك فردت مساراً جديداً للأغنية السودانية وجداً وطرباً نبلاً في الكلمات ودوزنت جيد الاغنية بالغناء الرائع يا رائع، وأنت غائب عنا ومعنا لأن صورتك ونبلك وعطاءك لا تفارقنا من زمن الدراسة في كلية الموسيقى والدراما فلك منا الود والتحايا والدعوات..