منذ نحو اسبوعين وعقب إقالة رجل الاستخبارات الاشهر في حقبة الانقاذ ،الفريق أول صلاح عبد الله قوش، من منصبه ،كمستشار لرئيس الجمهورية للشؤون الامنية ،تصدرت صحف الخرطوم،شذرات أخبار وتسريبات تشير إلى أن الرجل سوف يغادرفي الايام القليلة القادمة منصبه الحزبي كأمين لامانة العاملين بالمؤتمر الوطني الحاكم،لكن سرعان ماتواترت أخبار أخرى ناسخة لماقبلها ونافية لها ،لتجعل من مستقبل أحد أبرز أعمدة النظام الامنية منذ إنقلاب يوليو تسعة وثمانين ،مثاراً للتكهنات ،وتحليلات المراقبين .بيد أن حالة التخمين لم تطل ،فقد أقيل قوش مرة أخرى ، للمرة الثانية خلال أسبوعين فقط،من على رأس أمانة العاملين التي كان يتولى أمرها في المؤتمر الوطني ،وذلك ضمن مجموعة من التنقلات والتغييرات التي أجراها الحزب مساء أمس الاول ضمن هيكلة أماناته التنظيمية، خرج بموجبها قوش ليحل مكانه البروفسير الأمين دفع الله، وتبعه القادم الجديد لردهات النادي الكاثوليكي ،والقيادي السابق بالحزب الاتحادي الديمقراطي فتح الرحمن شيلا الذي أقيل هو الاخر من أمانة الاعلام ،ليتولاها ابراهيم غندور،ليتم بالمقابل ترفيع قطبي المهدي أميناً للقطاع السياسي بديلاً لأحمد ابراهيم الطاهر الذي تفرغ لرئاسة المجلس الوطني والهيئة التشريعية القومية حسبما تقول بذلك التبريرات التي أعقبت إعلان القرارات الجديدة والتي نال بموجبها الوافد (الجديد القديم ) الحاج آدم يوسف الأمانة السياسية،لتفرغ أمانة المنظمات التي كان يشغلها قطبي المهدي لمطرف صديق وتأتي هذه التعديلات استباقاً لمؤتمر الحزب التنشيطي التداولي في سبتمبر القادم. إذاً هي تشكيلة جديدة ،بذات الوجوه القديمة دفع بها المؤتمر الوطني لتولي حقائبه القيادية لاماناته المختلفة،ولعل توقيت الاعلان الرسمي عن التعديلات التي كان مقرراً لها سبتمبر المقبل موعد المؤتمر التنشيطي التداولي للحزب ،قد أثار جملة من التساؤلات ،ربطت بين توقيت التعديلات والازمة الاخيرة التي شهدتها أروقة الحزب وقضت بإبعاد صلاح قوش،وهو الامر الذي حدا بمراقين إلى إعتبارها محاولة لاخراج قوش نهائياً من اللعبة ، بيد أن التعديلات تأتي في إطار مساعي الاصلاح التي يقوم بها الوطني ولايقصد منها إبعاد قوش حسبما مضى لذلك رئيس القطاع السياسي الجديد بالحزب قطبي المهدي ،مشيراً في تصريحات صحفية أمس الاول إلى أن قوش لن يحوز أي منصب حزبي بعد الان ،وهو التصريح الذي أتى من قطبي على طريقة النفي بما يشبه التأكيد ،لكونه لايربط بين توقيت التعديلات وأزمة قوش ،ويقطع في ذات الوقت بعدم خلو أي موقع للرجل ضمن كابينة القيادة في الحزب .وهو التناقض المربك الذي دفع الكثيرين إلى الحديث عن أن أزمة قوش الاخيرة قد أسهمت في خلق صراع تيارات ومراكز قوى داخل المؤتمر الوطني ،وهو الصراع الذي يصفه المحلل السياسي حاج حمد محمد خير ،بصراع الحمائم والصقور داخل المؤتمر الوطني ،ليمضي حاج حمد مبيناً أن التعديلات الاخيرة تعتبر الخطوة الاخيرة التي تشدد بها الصقور قبضتها على مفاصل العمل التنظيمي ،وهي لاتزال وفق حاج حمد ترتعد من علاقات قوش الدولية وجيوشه الموازية التي خلقها إبان سطوته ،التي دفعته إلى تمثيل النظام بالخارج عبر طرائق لم يقم بإجازتها ،فرفع الرجل حسب حاج حمد تأسياً بالاثر الامريكي(رفعه لتقلل من صلاحياته)،إلا أنه فأجأهم بتوسيع صلاحياته وتكوين مستشارية ضخمة تمكنت من ملء الفراغ السياسي بأجندة ليست ذات علاقة بالامن القومي مثل الحوار الاستراتيجي الوطني ،وهو الامر الذي أثار حفيظة صقور المؤتمر الوطني حسب حاج حمد الذي يرى ان صقور المؤتمر الوطني يعملون على تفتيت الاحزاب المعارضة ،وعلى تقديم التنازلات لامريكا وفقاً لاجندتهم ،على عكس ما كان يقوم به قوش الذي تمدد في علاقاته الخارجية ونفوذه الداخلي ، إلا أن قوش ليس بهذه الخطورة ،ولايعتبر ضمن قيادات المؤتمر الوطني ،بل كان قائداً لجهاز الامن فقط ،حسب الوصف الجديد للمؤتمر الوطني الذي أرسله للصحفيين أمس عضو المكتب القيادي بالوطني ونائب رئيس البرلمان هجو قسم السيد،مشككاً في ان تكون للفريق صلاح قوش اغلبية من القيادات بالحزب،تؤهله لاحداث إنشقاق جديد في صفوف الاسلاميين ،مبيناً أن عضوية قوش في المؤتمر الوطني لم تسقط وإنما أخذت منه أمانة العاملين فقط ،فيما لازال الرجل حسب قسم السيد عضواً في المؤتمر الوطني مالم يتقدم باستقالته من صفوفه. تغيرات الوطني التي أعلنت مساء أمس الاول وجدت طريقها للتنفيذ في اليوم التالي مباشرة ،حيث باشر الحاج آدم مهمته الجديدة ليخاطب الصحفيين بوصفه الامين السياسي للمؤتمر الوطني ،وهو الذي لم يمكث في النادي الكاثوليكي سوى عدة أشهر فقط ، بيد أن سرعة تنفيذ التعديلات الجديدة وإيلاء موقع الحاج آدم بالتحديد هذه الاهمية ،مرده لكون الرجل يمثل ضابط الارتباط بين الوطني والمؤتمر الشعبي الذي أتى منه قريباً ،وذلك وفقاً لقراءة الدكتور حاج حمد محمد خير الذي يشير إلى أن الرجل يكتسب أهميته على الرغم من حداثة إنتمائه من كونه وسيط (المناولة ) السياسية مع الشيخ الترابي ،ليمضي حاج حمد والذي تحدث ل(الصحافة) أمس مشيراً إلى أن إقالة فتح الرحمن شيلا تمثل قاصمة ظهر بالنسبة للرجل الذي باع قومه الاتحاديين ،وفارق أيدولوجيته الطائفية ليصبح ناطقاً رسمياً باسم حزب بلا أيدولوجية معينة ،مبيناً أن وضع شيلا الان أصبح صعباً داخل المؤتمر الوطني وإن أظهر الرجل عكس ذلك.ومابين الاسبوعين الماضيين ووقائع أمس الاول ثمة تشابه يشئ بأن الامور في المؤتمر الوطني تسير بهدوء لصالح مناوئي قوش ،إلا أن حالة الهدوء هذه لن تستمر طويلاً ،حسب حاج حمد إذا لم تجد تغييرات المؤتمر الوطني الاخيرة ،مباركة ثلة المبعوثين الخاصين ،لانه إذا لم يتفق معهم المؤتمر الوطني على إبعاد قوش فستشهد الايام القادمات حسب حاج حمد ردود أفعال قاسية حسب رأيه ،ليؤكد على أنه إذا ما وجدت الخطوات الاخيرة مباركة المبعوثين فإن سينايرو الدبلوماسية الهادئة هو الذي سيمضي بالامور ، لصالح الصقور، و تعاملها بأساليبها الخاصة ،وضيق أفقها بشأن الاقتصاد يضاعف من تدهوره مع صباح كل يوم جديد ،وهوالتدهور الذي يرى حاج حمد بأنه سيلف حبل المشنقة على رقاب أصحابه الذين يفتقرون للحلول الاقتصادية السليمة . [email protected]