٭ عند خروجه من القرية الزاكية، والملل قد بلغ مبلغه من قلّة الطّل، ومبيت المطر في غير منازل الاهل من ديار الزاكي وقلت الخُضرة، وبانت الحسرة، وزادت الندرة في المأكل ، والمشرب. قال الزاكي لرفيقه جمعه: يأسف الناس على ضيق الحال وجور المال ولا يضربون في الارض. وذلك الضرب من عظائم الافعال وتأتي الاسباب التي تتحسن بها الاحوال. ولن يصعب علينا قطع ذلك القردد من الارض حتى نصل اللفة التي فيها نعمل ونعبئ القفة. ٭ قال جمعة مفندا قول الزاكي لقد لخصت الامر وكنت قديما أرى فيك انسانا فطنا تحسب لكل الامور حسابها، وذلك موافقة لاسمك الزاكي، ولكن لا يفرق الناس كثيرا في حريتنا، حوران، بين الذكاء والزكاء. ردّ الذكي نيابة عن الزاكي الذي كان بمثابة ضابط الايقاع للمجموعة المتوجهة الى منطقة اللفة، وهو، سامر، مفحما الجواب، (الذكاء بالذال هو الانقشاع والانتشار ويطلق على العقل وروائح الازهار والأنوار، والذُّكاء الشمس .. قال الشاعر العباسي ابو الطيب المتنبي: وذكيّ رائحة الرياض كلامها ٭٭ تبغي الثناء على الحيا فتفوح اما الزكاء بوزن السماء هي النمو والتنمية ويقال زكيُّ الفهم لمن له نبوغ في تفسير الاشياء. الحيا هو المطر وعندما تفوح رائحة الازهار نشكر المطر الذي يساهم في نشرها .. نحن في انتظاره. ٭ قاطعهم اناس في القردد الذي هو الارض الغليظة، وهم يسألون عن تلك اللغة فوصفوها لهم وقالوا لو لم تعرفواما تفعلون فاتبعونا سنعينكم بقدر استطاعتنا، قال النفر، ولكن لا مال لنا، قال الزاكي ورفاقه ، لا بأس سنقتسم معكم اموالنا، قال النفر، اقسموا اموالكم لنا الآن ولا حاجة لنا ببلوغ اللفة ما دام ذلك من كرمكم. ففكروا واعطوهم نسبة من مالهم، اخذوا المال وتوجهوا يبحثون عن غيرهم في ذلك القردد، حتى فوجئوا بالنفر وهم يصولون ويجولون باللغة. ٭ قال ابو الطيب المتنبي: ندٍ أبي غرٍّ وافٍ أخي ثقة ٭٭ جعدٍ سري ندبٍ رضٍ ندس - كل ذلك مدح لشخص غر وواف وموضع ثقة ويحرص على ارضاء الآخرين، وفي ذلك فهو ندس، اي هو زكي الفهم، وفي معاني كلمة، الاروع، الشخص الشهم الذكي .. وزكي الفهم بالزاي.. ٭ باللفة تكثر حركة الناس القادمين من المناطق القريبة والبعيدة راجلين او بدوابهم، وبهائمهم، وهناك سوق النسوان اللائي يفترشن الارض ببضائعن من الطواقي والثياب، والريحة، واللائي يصنعن الطعام. يطبخنه ويضعنه بالشمارات مطبهجا امام الجائلين باللفة، ولكن جمعة تحدث بملء من ضيق بنفسه وهو يطرد الذباب من امام عينيه - ويوشك ان يضربه بنعليه.. ٭ ما يزعجني ويضايقني في اللفة كثرة الضبان، وضوضاء الشبان الذين لا يأتون إلا للفلهمة (فصحى) مع العمى واغلبهم يأتي بلا فائدة.. سمعه احدهم وهو يرمقه ويرشف فنجان قهوة ، فناداه : ( يا هناي.. يا هناي.. يا اباشنب) ولم يكمل مأربه حينما انصرف سامر حائلا وجائلا بخواطره مفكرا في قول امرئ القيس وكيف انه ذكر ذلك، «الضبان».. ٭ أرانا موضعين لأمر عيب ٭٭ ونسحر بالطعام وبالشراب عصافير وذبان ودود ٭٭ واجرأ من مجلّحة الذئاب - هناك طرائق مختلفة قليلا في نطق بعض الحروف، فبعض السعوديين ينطقون الضاد ظاء، فيقولون للرياض، الرياظ، وبقرية الزاكي ، الحلّة (فصحي) حوران ينطقون الذال ضادا، ومنها (الضنب) للذنب، والكضب للكذب، والذي ضايق الجميع الضبان. ٭ ترك الرّجل القهوة مندفقة ارضا على البرش ، وهرول مع سامر وجمعة حينما لاحظوا مع غيرهم، امرأة من سوق النسوان منطلقة كالفرس لمطاردة شاب وقبضت عليه معهم وقد صاحت في وجهه مثيرة الغبار، وتدافع معها نساء السوق وقالت رفيدة التي اسمها مؤنث من «رفيد» وهو تصغير للرفد، الذي هو العطاء وهي بكسر الراء ، وتعني ايضا الصلة، ويطلق على نهري دجلة والفرات (الرافدين) ويقال رفد رفدا ورفادا- اما : (عاتكة) صديقة رفيدة فيعني اسمها الكثيرة الطيب والعطر، وفيها عاتك المذكر الشخص الكريم.... ٭ قالت رفيدة، لا تضربه يا هناي ولكن لا تدعه يفلت حتى يدفع قيمة فتايل (فصحى) الريحة، قيل ما الخبر؟! قالوا، كم مرة يحصل منها على مجموعة من العطور البلدية لبيعها في جانب اللفة عند قدوم الدواب ولا يدفع قيمتها، وأخيرا ألقى لها بالقفة، وفي تلك اللمة قالت «عاتكة» صديقة رفيدة للرجل الذي يمسك بالشاب، هذه المرة الألف، يكررها ولا يدفع - لا تدعه يا هناي، ابدا ولو كان أخي - أبو فلقة - موجودا لما فعل ذلك معنا - قال الرجل للشاب: (لماذا تضحك على النساء؟ حرك رأسه وقال - ساي -قالت - ساي في عينك، تذهب لناس حسناء، الفارشة مع زحل وتدفع نقدا لا تدعي انك عبيط او طرشان أو ساه، أنت أحمق. ٭ لفظا هناي وساي من صميم الفصحى وقد نطقت الهاء الاخيرة للتخفيف ياء، ونحن باللغة نقول شاي واخوتنا باليمن يقولون شاهي -اما فأصلها هناه، (أي هناي) وتعنى ياهذا - وساي تعنى ساه - أي سهوا -. ٭ قال الشاعر حندج بن حجر «امرؤ القيس»: ولم يرنا كالح كاشح ولم يفش منا لدى البيت سر، وقد رابني قولها - يا هناه - ويحك ألحقت شراً بشر ٭ أما زول كلمة من ابلغ كلام العرب، قال طرفة بن العبد البكري: وجامل خوع من نيبه جزر المعلا اصلا والسفيح موضوعها زول مرفوعها كمرّ لجب صوب تحت ريح - أرح يا زول نشيل قفتنا دي ونرجع قبل ما يدلهم ليل فيه الحديث يطول.