«إنتزاع الديمقراطية لاستعادة الوطن «، بهذه العبارة الجاذبة إتشحت جدران المنزل «القديم» بضاحية الخرطوم (2) الفارهة ،الذي إتخذته حركة القوى الجديدة الديمقراطية «حق» كمقر لإحد الروافد «المتعددة» لحركة «حق» الأم ، التي برزت إلى الساحة السياسية في السودان، على يد المفكر السوداني الراحل الخاتم عدلان ،غداة العام خمسة وتسعين وتسعمائة وألف ، إثر إندماج عدد من التنظيمات الصغيرة، التي تواثقت على وحدة قوى النهضة والحداثة.ولم تكن إستعادة الوطن المتشظي الأمنية الوحيدة ،التي إحتلت زوايا الدار ،فقد رافقتها شعارات أخرى كثيرة ،لاتقل عنها جاذبية وتشويقاً ،تناثرت جميعها على جدران مقر «حق» ،الذي شهد بالامس آخر فعاليات المؤتمر العام الرابع للحركة ،التي بدأت منذ الثاني عشر من الشهر الجاري ،وسط أجواء مشوبة بالتوتر والخلافات وتقاذف الاتهامات بين فرقاء حق الجديدة «الجدد».فحتى لحظة قيام مجموعة من الحركة بإصدار تعميم صحفي مزيل باسم « المجلس القيادى لحركة القوى الجديدة» ،في الرابع عشر من أبريل الماضي ،أعفى رئيسة الحركة هالة محمد عبد الحليم من منصبها ،وكلف بدلاً عنها أخرى هي نعمات أبوبكر ،لم يكن هنالك من يراهن على أن المؤتمر العام الرابع ل»حق» سيتم بهذه السرعة ،فالمؤتمر الرابع، سيتم تأجيله لأجل غير مسمى وفقاً لذات البيان، الذي لم ينس حينها أن يسجل صوت شكر وإشادة للرئيسة المقالة ،هالة عبد الحليم ، بيد أن ثمة خلافات عاصفة ،كانت تختبئ خلف ذلك الشكر وتلك الاشادة ،التي تبين السطور التي تلتها من البيان المباغت ،أن جميع القرارات التي تصدرته ،قد تم إتخاذها بغرض تهيئة المناخ وعقد مؤتمر عام ناجح للحركة ، وأنها تأتى فى خضم ثقافة سياسية شديدة العداء ،لمبدأ التجديد القيادى على مستوى الممارسة السياسية الفعلية فى السودان ،وأن مجرد التداول فى الأمر قد خلف قدراً لا يستهان به من الاستقطاب والمرارات الشخصية.إلا أن الامر لم يتوقف عند بيان واحد،لتترى البيانات وتتواتر الملاسنات ،التي ضجت بها صحف الخرطوم ،في الايام التي تلت الاقالة، غير المعترف بها من قبل هالة عبد الحليم ومجموعتها ،والتي سارعت هي الأخرى، إلى رد التحية بأحسن منها ،فقررت إنعقاد المؤتمر الرابع للحركة ،والذي إستمر زهاء الأربعة أيام ،شهدت خمس جلسات من التداول بين المؤتمرين ،حول قضايا الشأن السياسي والتنظيمي وبناء الحركة ،التي يبدو أنها ستفقد الكثيرين بعد عرسها الرابع .وبينما كان المؤتمرون ،يقلبون أوراق الوضع السياسي الراهن ،وورقيات أخرى حول بناء الحركة وقضايا التنظيم ،وبعض التعديلات على نظامه الأساسي ،مطوفين على أوضاعه المالية وقيادته الجديدة ،كانت أروقة «الحقانيين» ممن لم تشملهم الدعوة لحضور المؤتمر العام ،تضج هي الاخرى ،بنقاش مواز حول الخلافات وكيفية تجاوزها بالاضافة لشرعية المؤتمر وقانونيته وإنعدامها ،ولعنة الانقسام التي أضحت ماركة مسجلة باسمهم في سوق السياسة السودانية ،المحتشد هو الاخر بآفة الخلافات، ليستمر الوضع على هذه الوتيرة أربعة أيام حسوماً ،إلى أن خرجت عليهم هالة عبد الحليم ،نهار أمس أمام حشد من الصحفيين وقيادات القوى السياسية و»الأصدقاء»،لتلقي بنتاج ما دار داخل غرف المؤتمر المغلقة .معلنة أنها مازالت الرئيسة الشرعية ل»حق» الجديدة ،وفقاً لمقررات المؤتمر العام ،الذي جدد ثقته فيها ، برفقة سبعة أخرين هم ،»منى التجاني ،الشاتي النجيب ،الحبيب العبيد ،محمد محجوب ،محمود خضر وعز الدين محمد زين «،كأعضاء منتخبين للجنة التنفيذية ،بجانب أخرين كأعضاء إحتياط هم «كمال قسم الله وخالد محمد بحر» . ولم يكتف البيان الختامي للمؤتمر الرابع ، الذي تلته على الصحفيين، هالة عبد الحليم أمس بهذه الهيكلة ،فقد أبان كذلك أن المؤتمر،قد قرر بالاجماع، فصل كل من «الباقر العفيف مختار وبشير بكار « من عضوية الحركة ،متهمهم بالسعي لضرب وتعطيل دور الحركة السياسي ،واصفاً ماحدث من قبلهما ،في الرابع عشر من أبريل الماضي ،بالتخريب والمؤامرة ،التي إفتقرت حسب البيان إلى الذرائع الفكرية والسياسية والتنظيمية، وأنه لم يلم شعث أطرافها المتنافرة ،إلا السقوط الأخلاقي المذري والضغائن الشخصية والفساد ،الذي عبرت الحركة في ذات مضابط بيانها الختامي عن أسفها له ،و لما أسمته بالسقوط المدوي للباقر العفيف ،الذي ألحق العار بالحركة ،ودنس إسمها وسمعتها وذكرى مؤسسها الخاتم عدلان ،ولم يتوقف عند حدود الفساد الإداري والمالي المفضوح في مركز الخاتم عدلان وإنما إمتد وفق البيان، ليشمل ممارسة التجسس وتسجيل المحادثات خلسة ووصف ذلك بأنه «عمل رجولي نبيل» في إفساد وصفه البيان بأنه غير مسبوق لأخلاق شباب الحركة .ولم يسلم كذلك بشير بكار،أحد قادة الحركة البارزين ، من غضبة المؤتمرين من «الحقانيين «،الذين دمغوه في بيانهم الختامي بالتآمر وشق صف الحركة وإهدار كل القنوات ،مع تجاوزه لجميع الهيئات التنظيمية بنشره للوثائق الداخلية والمراسلات الخاصة بالحركة ،في إنتهاك سافر للحد الأدنى مما وصفه البيان بالقيم الأخلاقية والخصوصية ،التي تقوم عليها العلاقات بين الناس سواء في المجتمع أو أي تنظيم سياسي.لكن جميع هذه القرارات ،تعتبر غير ملزمة ولاتساوي الحبر الذي كتبت به ،وفقاً ل»جماعة الرابع عشر من أبريل» في حركة حق ،التي تذهب إلى عدم شرعية وقانونية المؤتمر الرابع للحركة ،مبينة على لسان رئيستها المكلفة ،نعمات أبوبكر ،أن جميع ماتم في هذا المؤتمر ،غير شرعي ولا قانوني ،وأن مجلس شؤون الأحزاب السياسية،قد أبلغ هالة عبد الحليم بذلك قبيل إنعقاد المؤتمر ،حسب نعمات أبوبكر ،التي أشارت في حديثها ل(الصحافة) أمس ،إلى أن المؤتمر الحقيقي لحركة «حق « سوف ينعقد في غضون الأيام القادمة ،قبل أن تصف مؤتمر مجموعة هالة ،بمؤتمر «الضيوف»، وأنه لم يحظ بحضور كبير من قبل أعضاء الحركة.إلا أن المؤتمر قد حُظي بحضور كبير ،حسبما مضت لذلك هالة عبد الحليم ،مشيرة إلى أن حركتها ،قد تجاوزت الخلافات ،لتقفر إلى عمق القضايا الوطنية الإستراتيجية ،مؤكدة تمسكهم بالتحول الديمقرطي وتفكيك نظام الانقاذ كضرورة لاخراج البلاد من النفق المظلم ،موجهة دعوة «حق» لقوى الاجماع الوطني ،بالتوحد وأن تشرع فوراً في تأسيس تحالفها الديمقراطي في شكل جبهة عريضة .كما لم تنس كذلك ،أن تحمل المؤتمر الوطني مسؤولية إنفصال الجنوب ،مشيرة إلى أنه الثغرة التي نفذ منها ،لكونه جعل من التحول الديمقراطي شأناً شمالياً وتقرير المصير قضية جنوبية . «حق» والتي دخلت مؤتمرها الرابع هذه المرة ،على قلوب شتى ،وتحت أزيز الملاسنات والخلافات ،لم تختلف مع قوى المعارضة الاخرى ،وربما من كانوا خارج قاعات المؤتمر من «الحقانيين» أنفسهم ، في قائمة مطلوبات التغيير الشامل ،التي أجملتها في إلغاء أو تعديل جميع القوانين المقيدة للحريات وموأمتها مع الدستور الانتقالي ،مع التحقيق في جرائم التعدي على حقوق الانسان والتعذيب وجرائم دارفور ،وتقديم المتهمين لمحاكمة عادلة وضمان إستقلالية القضاء وحرية التعبير،وحيدة وقومية أجهزة الاعلام ،بالاضافة إلى تحقيق سلام دارفور وفق إتفاقية عادلة تتضمن المطالب الاساسية لمواطني الاقليم ،بجانب إبعاد شبح الحرب في شأن القضايا العالقة بعد إستفتاء إنفصال الجنوب ،والنهوض بالاقتصاد الوطني ،والفصل التام بين الدولة والحزب وما إلى ذلك من برامج الحد الأدنى التي تواثقت عليها قوى الأجماع الوطني المعارضة ،في مؤتمرها الموسوم ب»مؤتمر جوبا» في الخامس والعشرين من سبتمبر عام تسعة وألفين . ومابين برامج الحد الأدنى ،التي إحتشد بها بيان المؤتمر الختامي والتعديلات، التي أعلنت الحركة أنها قد أجرتها في نظامها الأساسي ،ثمة هوة كبيرة ،لم تكف أسطر «النظام الأساسي للحركة» الاثنتين في تجسيرها ،فالمؤتمر وفق التوضيح المغتضب ،قام بإجازة «مجموعة» من التعديلات على النظام الاساسي ،مع التقرير المالي للحركة في الاعوام الاربعة الماضية ،إلا أن تفاصيل هذه التعديلات ،ظلت طي الكتمان وقامت بإلغاء الجسم التشريعي للحركة ،وفق نعمات أبوبكر ،التي عبرت عن سخريتها من جملة مادار في المؤتمر ،مشيرة إلى أنه يعتبر فريداً من نوعه ،لأن المؤتمرات العامة حسب رؤيتها ،تعقد لرسم رؤى سياسية للحزب وإعادة ترتيب أوراقه التنظيمية ،لا لتصفية الحسابات الشخصية وفصل الأعضاء ،واللتات تعتبران ،حسب نعمات من تخصص هياكل تنظيمية أخرى ،ولايتم مناقشتها ضمن مقررات المؤتمرات العامة.إذاً إنتهى المؤتمر الرابع ولم تنته المناوشات ،بين «الحقانيين «،الذين إستجابوا لنداء الخاتم عدلان في خمسة وتسعين أن «آن أوان التغيير» ،باعتبار أن الفكر الماركسي ،لم يعد قادرا على تحليل الحالة السودانية وتقديم الحلول اللازمة للخروج من الأزمة الوطنية الشاملة، التي دخلت فيها البلاد منذ استقلالها بسبب سياسات النخب، التي يرون «انها أدمنت الفشل»،وهاهم يدمنون التشاكس والخلاف ،ليظل التغيير حبيساً ،لأجندة خلافاتهم المتطاولة والتي تستدعي البحث عن حقيقتها أنى كانت . [email protected]