صادق مجلس الوزراء أخيراً على إقامة خمس ولايات في دارفور من بينها ولاية شرق دارفور وعاصمتها مدينة الضعين. وبحسب القانون فإن الغاء وقيام ولايات بالاقليم جاء تلبية لرغبات اهل دارفور وتنفيذاً لتوصيات ملتقى أهل دارفور في عام 8002م، واتساقاً مع مقتضيات استراتيجية سلام دارفور. ومما يسوغ قيام ولايات جديدة، إعطاء مزيد من الحكم اللا مركزي وإتاحة فرص أوسع في التنمية والازدهار، وتقصير الظل الاداري، بجانب أسباب أخرى يضيق المجال عن ذكرها. وقد أسعدتني إقامة ولاية لشرق دارفور لتشرق عليها شمس التطور والتنمية، وتمد أشعتها الى هذه المنطقة التي طالما أقعدها الاهمال والظلم وظلت قابعة ردحاً من الزمن في ظل مطر الخدمات رغم خيراتها الكثيرة. ويمكن القول إن تطلعات أهل المنطقة التي تمتد من شعيرية الى شارف ومن تخوم ولاية شمال دارفور الى سماحة في بحر العرب، قد تحققت، وان احلامهم بجعل اراضيهم الغنية الواعدة الواسعة ولاية تلحق بركب التطور والتنمية قد أصبحت ماثلة للعيان. إن هذا الجزء من الوطن الغالي قد حباه الله بأرض غنية بالموارد ظاهراً وباطناً، تحمل على سطحها ثروة حيوانية ضخمة من أنواع الانعام كافة. ولا تخطئ العين ثرواتها الغابية الغنية واراضيها الزراعية الشاسعة التي تنتج المحصولات الغذائية النقدية، ولا سبيل لتجاهل مواردها المائية الجوفية الوفيرة والمعدنية الكامنة في باطن الارض، فضلاً عن كونها مركزا تجاريا واقتصاديا كبيرا. والمنطقة أيضاً حلقة بين ارجاء دارفور ومناطق السودان المختلفة، نبذت العنصرية والقبلية واحتضنت كل الاعراق، وغدت بفضل الله أنموذجاً للتعايش السلمي، وهي تسير على هدى الإسلام، فلا تمايز ولا تفاضل بين الناس إلا بميزان التقوى والعمل الصالح، ولذا أضحت ملاذاً لكثير من أهل السودان ليعيشوا في إطار اجتماعي فريد، فصدت بذلك كل التيارات العنصرية والقبلية والجهوية التي هبت على السودان لتجزئته وتفتيته. وبما أن مطلب الجماهير قد تحقق فإن المرحلة القادمة في الولاية الجديدة تتطلب نهجاً وأسلوباً وادارة تختلف عما عهدناه في ولايات دارفور سابقاً، وذلك حتى تنهض هذه المنطقة من الوطن الحبيب الى مرافئ المنعة والقوة والازدهار بحول الله وقوته. وبما أن الكرة قد ألقيت في ملعبنا فعلينا أن نقوم بواجبنا خير قيام، وفاءً لمطالب وطموحات أهلنا المتمثلة في إحداث التنمية وترقية الخدمات، ونكون على قدر التحدي ونحن نواجه شحاً وغياباً وانعداماً تاما في البنيات الأساسية الضرورية. إن تحقيق التنمية يتطلب بجانب المال والمعينات الاخرى، جهداً وتضحية ونكران ذات من رجال نأمل أن يتم تعيينهم على أساس العلم والخبرة والكفاءة والتأهيل وطهر اليد وعفة اللسان، لا على اساس الترضيات الجهوية والقبلية، نريد لإدارة هذه الولاية رجالاً أقوياء يخافون الله واثقين بأنفسهم غير متناقضين معها، لهم القدرة على الخلق والابداع والابتكار والرصد والتنبوء. رجالاً عركتهم التجربة في داخل السودان وخارجه. لا نريد استنساخاً للحرس القديم الذي ادى دوره حسب ما يراه الناس، لأن المرحلة القادمة تتطلب صنفاً آخر اوسع أفقاً وأكثر دراية، تتجاوز مفاهيمه المحلية الضيقة، وله القدرة على فك شفرة طلاسم المشكلات التي تعانيها المنطقة. على ضوء ما ذكرناه فإننا نرجو من قادتنا ان يولوا علينا خيارنا من أهل الورع والتقوى ممن يخافون الله فينا، وممن يمتلكون تلك المؤهلات التي تسندها خبرات ثرة داخل السودان أو خارجه، قادرين على الامساك بالخيوط التي تؤدي الى رتق النسيج الاجتماعي الحقيقي والسلام المستدام والتنمية المتوازنة. ومن أجل انجاز هذه الاهداف فإنه من الضروري قيام مجلس استشاري مرحلي للولاية «او سمه ما شئت» يضم المختصين من أبناء الولاية من ذوي المؤهلات العالية والخبرات الواسعة، وهم كثر، في مجال التخطيط والهندسة بفروعها المختلفة، وتخطيط المدن والتربية والتعليم والمياه والمعادن والطب والبيطرة والزراعة والادارة والموارد البشرية والاعلام وخبراء القوات النظامية والارصاد والانذار المبكر... وغيرها من العلوم والمعارف التي لا مناص لمن يريد التقدم والرقي من الأخذ بنصيب منها. ويناط بهذا المجلس وضع الخطط والاستراتيجيات قصيرة وطويلة المدى للمشروعات والانشطة كافة.. وينبغي ألا تنحصر مهام هذا المجلس في وضع الخطط فحسب، بل يهتدى ويُؤخذ برأيه في الأمور كافة. ولا يكون دوره صورياً أو شكلياً، بل يكون فاعلاً وناجعاً مؤثراً يتاح له ترشيح من يراه صاحب كفاءة ومناسباً لشغل أي منصب في الولاية. إن فعلنا ذلك نكون قد سلكنا نهج القرار الجماعي السليم Appropriate collective decision الذي يوصلنا الى بر الامان، وتأتي ادارتنا ومعالجتنا لقضايانا متسقة مع تطلعاتنا وآمالنا. وما دام الامر شورى بيننا لا نريد أن يكون مصير ولايتنا بيد رجل واحد One man show لا يجرؤ أحد أن يقول له أخطأت، وحوله طائفة من المنتفعين والهتيفة الذين لا يجيدون إلا قول: «نعم لقد أصبت يا سيدي» وإثارة الفتن والمشكلات. وأرجو ألا يفهم أن دور هذا المجلس الاستشاري سوف يلغى أو يغيب دور أعضاء المجلس التشريعي وأعضاء مجلس الولايات والمجلس التشريعي الولائي. فمن أجل بناء تنمية حقيقية فإننا نقترح تكوين مجلس هندسي للتخطيط في مدن الضعين وشعيرية وعديلة، وغيرها من المدن الريفية من ذوي الصلة بتخطيط المدن الحديثة، الذين خبروا هذه الاعمال وشاهدوها واشرفوا على تطبيقها، لوضع أحدث المخططات التي تستوعب آخر التقنيات، فضلاً عن تأمين قوات نظامية قوية لحراسة الإنجازات وقطع دابر التفلت الأمني، والقضاء على الظواهر الدخيلة على مجتمعنا المسالم. ومجمل القول إننا نريد لولايتنا الوليدة حكماً راشداً قائماً على النزاهة والعدل والشفافية والمساءلة، تتكامل وتتواصل فيه الأدوار كافة. إن مطلبنا هو السلام والتنمية والخدمات، ولذلك نريد لحكومة ولايتنا إن تشكلت أن يغلب عليها الجانب الكتنوقراطي «Technocracy»، وأن تضم الاختصاصيين الذين يعملون أكثر مما يتكلمون. والله من وراء القصد. * مترجم وزارة الشؤون الإنسانية وخبير إدارة موارد بشرية