لاحظت مع تعدد القنوات الفضائية وتنافسها في تقديم برامج مشوقة وجاذبة للجماهير، تعمد المذيعات السودانيات الحديث بأيديهن بصورة لافته تظهر حليهن الجميلة ونقشات «الحنة» المبتكرة التي تضفي على المذيعة طابعاً فريداً من الزينة يجمع بين التراث السوداني ومظاهر العولمة، خاصة وأن الكثير من السودانيات لديهن قدر من الاستلاب تجاه أنماط الجمال المستورد الذي شكل عقدة اللون الأسمر والشعر الناعم المسترسل . ثم جاء برنامج «سيدة الموقف» على قناة الشروق الفضائية ليزيح هذا القالب التقليدي الذي حصرت فيه المرأة السودانية من المبالغة في التزين بالحلي والنقوش «بالحنة السوداء» على الأيدي والأذرع والأرجل ، حيث استضافت المذيعة اللامعة رانيا هارون الأستاذة/ كوثر أحمد رئيسة شعبة مراكز التجميل باتحاد أصحاب العمل والأستاذة/ إيمان الخواض القانونية الناشطة في حقوق المرأة في حلقة تناولت موضوع الجمال والزينة لدى المرأة والمحاذير الصحية والاجتماعية في سبيل الرقي بمفهوم الجمال والوصول إلى قدر من التصالح مع الذات والرضا الاجتماعي الذي تنشده المرأة سواء في مراكز التجميل أو في مخدعها ومجتمعها الخاص . وذهبت الأستاذة/ كوثر أحمد لتبرئة مراكز التجميل مما تُتهم به من أخذ المرأة نحو تقليد النماذج المستوردة للجمال، مؤكدة ما تتمتع به مراكز التجميل من خبرات طويلة في تزيين المرأة السودانية بما يتماشى مع شخصيتها ولونها ويناسب بيئتها ومجتمعها. في حين طرحت الأستاذة/ إيمان الخواض الرؤية الفكرية والنظرة الفلسفية لمفاهيم الجمال في المجتمعات بأبعادها التاريخية والدينية التي شكلت الأعراف الاجتماعية والعادات والتقاليد الجمالية السائدة، منوهة إلى النظرة الدونية للمرأة السائدة في العالم باعتبارها سلعة تجارية ووسيلة عرض مثير ووعاء للمتعة الجنسية، حيث أسهمت العولمة وانتشار وسائل الاتصال وأجهزة الإعلام في الترويج للمرأة كجسد خال من الروح والعقل أو الوجدان في تجاهل لكيانها الإنساني الحامل للقيم السامية في المجتمع . لقد قدم برنامج «سيدة الموقف» نماذج للمرأة السودانية غاية في الجمال والاحتشام بلا بهرجة من الظلال والماكياج وأصباغ ألوان الطيف المرسومة على الوجوه . . وكان الحوار شيقاً ومسترسلاً بلا تكلف وفيه قدر عال من التسامح تجاه وجهات النظر المختلفة حول موضوع الجمال بخلاف ما تتميز به البرامج النسائية من منافسات استعراضية بين ضيفات البرامج ، كما فتحت «سيدة الموقف» آفاقاً واسعة للحوار والنقاش خاصة في مسألة المضار الصحية لكريمات التجميل ومدى مطابقتها للمواصفات والمقاييس، خاصة وأن الكثير منها يدخل بالتهريب من دول الجوار أو عبر المطارات والموانئ كمقتنيات شخصية للسيدات دون الحصول على ترخيص بالاستخدام والترويج في الأسواق . . فما أتعس المرأة التي تُعرّض نفسها للهلاك والإصابة بالأمراض الخبيثة سعياً لإرضاء مجتمعها وبحثاً عن خطاب الجمال أو في سبيل الحفاظ على «ظل راجل مهما تضاءل ظله وتهاوت حيطته» .