بعد انقطاع استمر لثلاثة أشهر بسبب وعكة صحية ألمت بشخصي الضعيف، أعود مجدداً الى عالم الكتابة والبحث عن الحقيقة في قضية سياسية واجتماعية واقتصادية وأمنية فى غاية الأهمية في تقديري الخاص وتشغل الآن الرأي الجنوبي في الشمال، وهي تتعلق بتسوية حقوق ومستحقات معاشات الجنوبيين بالخدمة العامة«عسكرية ومدنية» في الحكومة الاتحادية في القطاعين العام والخاص والذين يبلغ عددهم قرابة ال 30 ألف موظف وعامل وضابط وجندي، والذين أصبحوا أجانب بعد اختيار المواطن الجنوبي الأنفصال بنسبة أقرب الى 99%. علمت عبر وسائل الاعلام كغيري من الموظفين الجنوبيين الذين يهمهم الأمر، بأن هنالك لجانا تشكلت وتعمل لتسوية مستحقات هذه الفئة، الا أننا لم نر شيئاً ملموساً لهذه اللجان سوى بعض التصريحات المبهمة للمسؤولين عن سيرها، التى لاتثمن ولاتغنى من جوع، وخاصة في مجال الخدمة المدنية بالرغم من قرب انتهاء الفترة الانتقالية 9/7/2011م وفي سبيل ذلك أصبح العاملون الجنوبيون يبحثون عن معرفة ماذا يدور وراء الكواليس في هذه اللجان، ومتى تنتهى من عملها وهل تستطيع حكومة السودان دفع جميع المستحقات جملة واحدة دون الحاجة الى مساعدة دولية، وهل للسودان المقدرة المالية في الوقت الراهن على دفع المليارات وخاصة بعد ان ينال الجنوب حصته الكاملة من البترول، ومتى يستلم العامل الجنوبي حقه ليغادر الى الجنوب لتوفيق أوضاعه واوضاع اسرته، برغم ان الخريف قد بدأ والطرق أوشكت أن تقفل بفعل الأمطار وأسباب أخرى، والمدارس قد فتحت أبوابها في الجنوب. وبما أن الجرى ومطاردة مستحقات المعاش يكلف الشخص زمناً ليس بالقليل في المتابعة والاستلام، فاننا نرى أن هذه الفترة المتبقية ليست كافية لكل عامل، وأن تسريح ما يقارب ال 30 ألف عامل في فترة زمنية واحدة وتسوية حقوقهم المعاشية فيها استحالة ان لم تكن ضربا من الخيال في دولة تعيش ظروفا اقتصادية حادة مثل السودان. بما ان هذه المسألة سياسية في المقام الأول، توقعنا أن يكون هنالك تمثيل لأبناء الجنوب المعنيين بالأمر في هذه اللجان، وذلك لمعرفتهم التامة بأوضاع زملائهم وتصنيفاتهم الاجتماعية والوظيفية والعمل على تقريب وجهات النظر بين هذه اللجان والعاملين الجنوبيين وبما ان هذه المعاشات لا تخضع لشروط وقوانين الخدمة المدنية المعاشية من معاش اجباري لبلوغ السن أو اختياري لبلوغ 25 سنة خدمة، بل هي معاشات تعتبر اضطرارية واستثنائية اقتضتها انقسام الدولة بسبب الاستفتاء كاحد بنود اتفاقية السلام الشامل التى وقعت في العام 2005م، والذى ينص أن في حالة الانفصال يصبح الجنوب جنوبيا والشمال شماليا. عليه نتوقع صدور قرار سياسي رئاسي تحت أى لحظة باحالة كل العاملين الجنوبيين في الوظائف العامة والخاصة والتنفيذيةالى المعاش ثمناً لتحقيق السلام المستدام بين الجنوب والشمال دون مشاورتهم ودون ارادتهم. لتوضيح بعض الحقائق للرأى العام السوداني، نقول بأن هذه الاعداد الكبيرة من العاملين الجنوبيين يوجد من بينهم 40% ينتمون الى أصول شمالية هاجرت أسرهم الى الجنوب قبل مائة عام أو أكثر فاصبحوا جزءا لا يتجزأ من المجتمع الجنوبي تم استيعابهم في الوظائف القومية خصماً من حصة الجنوب في القوات النظامية وفي الخدمة المدنية، بالاضافة الى مجموعة أخرى تم استيعابهم اخيرا في اطار تنفيذ اتفاقية السلام الشامل التى تنص على تخصيص نسبة 30% من الوظائف القومية لأبناء الجنوب تحقيقاً للمشاركة وعلى هذا الاساس تم استيعاب حوالى ألف موظف يمثلون 20% من الاتفاقية في العام 2009م، الا ان أسر هؤلا الموظفين الذين ينتمون للشمال اختارت العودة الجبرية «القسرية» الى موطنهم الأصلي «شمال السودان» بسبب اختيار أبناء الجنوب للانفصال، عليه فقد انقطعت صلة هؤلا بالجنوب وأن هؤلاء سيفقدون وظائفهم ويصبحون مشردين مع أسرهم وأطفالهم في دولة الشمال لذلك نرى ان على دولة الشمال معالجة امر هؤلاء بالحكمة والعدل انطلاقا من مسؤوليتها التاريخية تجاه هؤلاء، بالاضافة الى مجموعة جنوبية لا ترغب في العودة الى الجنوب لأسباب خاصة وهى قليلة يمكن ان تشملهم الاستيعاب، اما البقية من أبناء الجنوب والذين يريدون العودة الطوعية الى وطنهم الأصلي «دولة الجنوب» للمشاركة في البناء والتعمير لايمانها بانهم جزء منها وتقع مسؤوليتهم على دولة الجنوب الوليدة، والمعروف لكل الشعب السودانى ان كل هذه المجموعات المذكورة سوف تفقد وظائفها تنفيذاً للاتفاقية ولربما لا يتم استيعابهم في الوظائف العامة في دولة الجنوب الجديدة، وذلك لأن حكومة الجنوب غير ملزمة باستيعاب هؤلاء في الخدمة العامة «عسكرية ومدنية» حسب بنود اتفاقية السلام الشامل، بالرغم أنهم يمثلون خبرات ادارية وفنية وتنظيمية وقيادات يمكن أن تساهم بفاعلية في تنمية وتطوير الجنوب اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. وبما أن هؤلاء العاملين قد خدموا هذه الدولة وبذلوا الغالي والنفيس بل قدموا أرواحهم في سبيل وحدة تراب هذا الوطن، ووفاءً لجهد هؤلاء الرجال فاننا نرى أن تتم تسوية حقوقهم المعاشية وفق معايير أخرى غير قوانين الخدمة المعاشية لجمهورية السودان وذلك لأن هنالك ضررا كبيرا يقع عليهم بفقدهم الوظائف ولربما لا يجدون وظائف أخرى في دولة الشمال والجنوب طيلة حياتهم والتى ستنتج عنها آثار سلبية اجتماعية واقتصادية لهم ولأسرهم ولذلك من باب العدالة ان تتم تسوية حقوقهم وفق معايير انسانية بمعاشات استثنائية كالذى يحدث للدستوريين والتنفيذيين أو وفقاً لتجارب دولية سابقة كما حدث عندما استقل السودان عن مصر في العام 1956م اذ ظل العاملون السودانيون في مصر يتقاضون رواتبهم ومعاشاتهم الوراثية ومن باب أولى ان تتم معاملة هؤلاء اسوةً بأولئك. والله ولى التوفيق