كثير من العرب والمسلمين لا يتمنون يوما يقفون فيه في صف تلتزمه أمريكا ومن يدور في فلكها، فأمريكا مهما تبدي من مشاعر متناغمة مع الحراك العربي الذي ينتظم كثيرا من العواصم، لن تنسي الناس ما فعلته وما تفعله الآن ومستقبلا، في أفغانستان والعراق والصومال، وما تقوم به ربيبتها الدولة العبرية في فلسطين من تدمير وتخريب وتنكيل بالعرب والمسلمين.. ورغم أن كثيراً من الشعوب تعيش فرحة ثوراتها على الطغاة الذين يظنون ظن السوء بأن كراسي الحكم الفخيمة صنعت لهم خصيصا، ولهم ان يجلسوا عليها ماداموا إحياء يرزقون، وفي سبيل ذلك لا تتورع البطانة من البطش بالشعب، وإجباره على رؤية النجوم في عز النهار.. فالذي يحدث في ليبيا من ثورة شعبية أمر مفرح لكثير من العرب والمسلمين، فإزاحة العقيد معمر القذافي تعني أن في الشعب الليبي من هو جدير بقيادة بلاده رغم أنه غيب بالقوة على مدى «42» سنة عجاف، ولكن عندما ترى طائرات النيتو تحرق الأخضر واليابس، وتدمر السفن وتحرق المدن، بينما يسابق ساركوزي الزمن لتوجيه المزيد من الضربات، تشعر بأن هذه طبخة «نتنة»، فإزاحة العقيد يمكن أن تتم بثمن أقلَّ من الذي يدور حاليا.. وربما يدفع الثوار يوما الثمن باهظا، فمهما تكون لحظات الفرح بازاحة القذافي تبقى في النفس دهشة على الفرح الغربي بذلك، خاصة ان هذا الغرب ظل يتعامل مع عقيد ليبيا على مدى اربعة عقود من الزمان، فلا يعقل أن ينتبه فجأة لحقوق الشعب الليبي وغيره من الشعوب..!! وذات الأمر ينطبق على سوريا واليمن وغيرها، فمهما تبلغ رغبة الشعوب في التخلص من حكامها لن يسعد «أحرارها» الحماس الغربي منقطع النظير، لإزاحة هؤلاء الحكام وهم من ظلوا يتعاملون معهم لسنوات طويلة، فما الجديد الذي يجعلهم فجأة يديرون طهروهم لمن ظلوا يحمون عروشهم .. أهي المصالح ام ان هناك رغبة في تغيير الخارطة السياسية بلاعبين جدد ربما يستوعبون الدرس بصورة أفضل من كبار السن..!! وفي شأننا الداخلي كان لافتا الموقف الغربي، فالذي يحدث في أبيي يبين نية الغرب السيئة، فعندما غدرت قوات الحركة الشعبية بقوة من الجيش السوداني في كمين قبل الخروج من المدينة، اكتفت أمريكا بطلب توضيحات، فجاء الإيضاح من الجيش السوداني بأن أعاد الأمور لنصابها، ودخل المدينة، بقوة السلاح، وان لم يفعل ذلك، فربما دخلت قوات الحركة الشعبية إلى مدن النيل الأزرق وكردفان، طالما لا يوجد رادع.. وحينها سارعت أمريكا وفرنسا وبريطانيا بالتنديد وطالبت بسحب القوات المسلحة، وتناست مسببات دخول أبيي بهذه الكيفية.. ويبقى الغرب يكيل بمكيالين، وعلى العرب والمسلمين أن يدركوا هذه الحقائق جيداً، وألا يفرحوا أبداً بتأييد الغرب للثورات العربية، فالذي يضمرونه من سوء سيتضح غداً، وإن غداً لناظره قريب.