و....فجأة تحركت الهيئة الحكومية للتنمية ( ايقاد) نحو السودان و قبلها الاخوه الاشقاء «العرب» حطت ايقاد رحالها فى نيروبى للوقوف على»حال» نيفاشا و الاطمئنان على مسارها حسب الاتفاقيه التى كانت طرفا فيها قبل خمسة اعوام ..نشكرهم على هذا الاهتمام و لاسيما فانها كانت فى الاصل طرفا فى «المشكل» السودانى الذى شاركت و تشارك فيه كل الدنيا باجمعها لانه حين تتسرب «و تتدفق» مشاكل اهل البيت الى خارج الحوش فمن الطبيعى ان يهب الجيران لاطفائها قبل ان تصل شراراتها بيوتهم .. ومن المسلمات ان تأتى كل دوله او منظمه باجندتها ( أو بالوكاله ) «الدنيا اصلها كده» فيما يتعلق بالسياسه الدوليه فليس هناك شىء لله فيها و ليس هناك أحد يطالب احدا ان يلغى او حتى ان يجمد مصالحه وبالتالى فكل من ساهم او يساهم بأى جهد فله بالضروره برنامجه و استراتيجيته..الايقاد لم نسمع بها منذ احتفالات التوقيع على الاتفاقية فى يناير 2005 و فجأة فى الساعه الحاديه عشر - the 11th hour كما يقولون «هيلا هوب» نهضت و اجتمعت ليس فى مقرها بل حيث ابرمت الاتفاقيه - للتأكد من سير الاتفاقيه و بحضور الطرفين الموقعين - و من حسن الصدف - كان المبعوث الامريكى الخاص مستر أسكوت قراتشن و أعتقد ان الايقاد و غيرها فى مطبخ السياسه الدوليه قد بدأت تستشعر خطورة الشعارات التى ظهرت تنادى بالانفصال من الشريك الجنوبى بعد الرساله التى اطلقها السيد النائب الاول فى العام الماضى بالدعوه للانفصال و التى رد عليها السيد الرئيس بان الشمال سوف يحترم قرار الاخوه فى الجنوب - وهو الرد المناسب- ثم بدأ الحديث عن الانفصال السلس و الجاذب ( بالمناسبه كيف يكون الانفصال جاذبا فلغويا الجذب يعنى تقريب نقطتتين لبعضهما البعض ولا ارى سلاسة فى الانفصال مهما اجتهدنا)..لقد بدأ العد التنازلى للانتخابات العامه و..بعدها الاستفتاء الذى يرى السيد النائب الاول بانه أهم للجنوبيين من الانتخابات و بالطبع السيد النائب الاول يعرف ان الانتخابات تسبق الاستفتاء حسب نيفاشا و هى بالتالى من مطلوبات الاستفتاء يعنى (PRE-REQUISITE) و من المعروف بالضروره و المتفق عليها ان هذه الاتفافيه بشهودها و ضامنيها ملزمه للطرفين و بالتالى يجب ان تكون النظره للعمليتين بقدر من الاهميه طالما ان للانتخابات و مخرجاتها القول الفصل فى الاستفتاء...بدأنا نتكلم و نتكهن و نتحدث عن النتائج المتوقعه وهذا أمر طبيعى لانها تهم وتعنى كل فرد فى هذا الوطن فالنتيجه سوف تحدد شكل و نوع السودان الذى سنتركه للاجيال القادمه و سيحكم التاريخ لنا او علينا حسب المعطيات و المخرجات ..أما ماهو غير طبيعى هو ان الدنيا كلها تتحدث عن انتخابات السودان.. ليس عن ما يتمخض عنها و لكن للاسف عن قدرتنا و استعدادنا لممارستها ثم بدأت الوفود تترى للمراقبه و آخرها الموفد الروسى الذى أكد موفده الاسبوع الماضى « اشتراك روسيا فى المراقبة « والاتحاد الاوربى يراقب ب 135 فرد و من المتوقع ان يصل عدد المراقبين الى حوالى 200 ألف مراقب كما أفاد مسئول فى مفوضية الانتخابات حسبما و رد فى صحف الاسبوع الماضى.. تحركت المنظمات و المراكز و الدول و رصدت الدولارات بالملايين و سعى الكثير لنيل شرف المساهمه فى المراقبة بما فيها بعض الدول العربيه !!! و لا اعلم أى دوله عربيه تملك تجربة ممارسة العمليه الانتخابيه التى تؤهلها لمهمة المراقبه ... ربما و الشىء بالشىء يذكر نقول هنا و دون الالتزام بتقديم وثائق الاثبات بأنه و بناء على بعض التجارب بان المنظمات كلها ليست هكذا تعمل لوجه الله تعالى لخدمة البشريه وأهدافها ليست دائما تسير فى اتجاه واحد.. و لا ارى غضاضة فى ذلك ( اتذكر جدالا حميدا مع احد الاصدقاء الهولنديين قبل فتره فى موضوع مساهمات الغرب فى تنمية افريقيا و آسيا - وهذه حقيقه لاجدال فيها وقد عايشتها شخصيا فى بعض البلاد الناميه- قلت له شوف يا صديق العلاقه تبادليه ذات اتجاهين وو.. واتفقنا بان الامر كذلك .. فتبادل المنافع ركن من اركان اى علاقه مفيده مستدامه..( طبعا هولندا من اكثر الدول جدية فى دعم البلاد الناميه حيث تخصص نسبه من دخلها القومى سنويا لهذا الغرض و كان السودان حتى منتصف العقد الماضى ضمن احدى عشر دوله فى العالم تتمتع بالميزه التفضيليه فى برامج و زارة التعاون الدولى الهولنديه ) ..وهناك انطباع فى البلاد المانحه بان هناك فى الدول الناميه عصابات «و تماسيح» لابتلاع هذه الاموال و تحويلها الى غبر ماخطط لها خاصة فى افريقيا كانوا يقولون.. ولكن الانسان هو الانسان فى اى مكان و زمان من ايام ذلك الذى وردت قصته فى القرآن الكريم عن الاخ الذى طمع فى نعجة اخيه الوحيده و حاول ان يضيفها الى نعاجه التسع و تسعين فاذا كان هناك من يحاول الاستفاده من هذه الميزانيات فسوف يجد من يشاركه من بعض ضعاف النفوس فى البلاد الفقيره فمن السهل ان يجد المفسد فاسدا.. هناك خبر طازج يدور هذه الايام عن مصير الاموال المرصوده لمساعدة الصومال و هو ان 80% من المواد تذهب للسوق عديل» بحبكه» بين بعض العاملين الدوليين و ثلاثه فقط من رجال الاعمال الصوماليين ( و حقيقه لابد من ذكرها رغم مرارتها هى ان الغالبية العظمى من هؤلاء الموظفين من العالم الثالث او فقراء اوربا )...و مثال آخر : ظهرت انتقادات عنيفه فى الولاياتالمتحده كعادة حميده و مفيده هناك خلال 2006- 2008 تستفسر عن مصير الاموال التى ترصد ضمن برامج المعونه الامريكيه و تطالب بضرورة التزام الشفافيه و المراقبه و المحاسبه لضمان و صول المعونات لمستحقيها فى العالم الثالث ( تأتى الميزانيات من الشعب عن طريق دافع الضرائب الحريص على مصير ماله).......لا أشك لحظه بأننا فى هذا البلد نمتلك ذخيره طيبه فى كل مناحى الحياة و لا أرى دوله عربيه أو أفريقيه تتفوق علينا فى كثير من الامور.. مارسنا التجربه الديمقراطيه قبل اكثر من نصف قرن ..نظام تعليم اعترفت به من سبقونا فى هذا المضمار فى اوربا و امريكا..خدمه مدنيه كانت مضرب الامثال .. حتى الكوره.. كنا و كنا و ...ٍساهمنا مع مصر و أثيوبيا فى انشاء الاتحاد الافريقى.. هذه فقط خواطر و عصف ذهنى لجيل اليوم و قادة المستقبل.. انكم سوف تحملون الرايه لقيادة شعب يتمتع بوعى سياسى رفيع..شعب و قف ممثلوه «مؤتمر الخريجين» بجانب الحلفاء فى الحرب العالميه الثانيه من منطلق مبدئى و أساسى ( نحن و حتى و ان كانت بريطانيا تستعمر بلادنا فلا يمكن ان نقف بجانب الديكتاتوريات ).. شعب أنجب المهدى ، على عبد اللطيف، عبد الفضيل الماظ، سيد فرح ، الى الازهرى و جيله .. نعم نتحدث عن أبطالنا و لم لا؟..اليس هذا من مكونات التربيه الوطنيه التى تخلو برامجنا التربويه و التعليميه منها..... لقد أرسلنا - للاسف- اشارات سالبه منذ الاستقلال حتى تدخل فى شئوننا كل من هب و دب بما فيها دول لم تكن على الارض حين كنا نصول و نجول فى الساحه الافريقيه و العربيه ..لقد كان لنا - مع لبنان( الدوله الديمقراطيه الوحيده فى المنطقه العربيه آنذاك - القول الفصل فى الجامعه العربيه ( التى نلنا شرف الانتماء اليها بعد كثير جهد) لما تميز به اهله و قادته بالمنطق و الحجه و بالتالى القدره على جمع الفرقاء . كان المحجوب الناطق باسم العرب فى الاممالمتحده فى فتره ما بعد» النكسه» و كانت الخرطوم هى التى اعادت الروح للامه العربيه بعد هزيمة 1967 و يقف استاد الخرطوم شاهدا على ذلك حيث خاطب عبد الناصر الحشود الضخمه هناك ، و كتبت الصحف العالميه عن الحدث « الخرطوم تستقبل الرئيس المهزوم بالهتاف...كان العنوان الرئيسى لمجلة النيوز ويك ..لقد كانت حقيقة عودة حياة بعد مرارات الهزيمه...ثم مؤتمر اللاءات الاربع و الصلح بين عبد الناصر و الملك فيصل بقيادة و جهد الازهرى و المحجوب وفى التاريخ القريب كان دور الرئيس النميرى فى عمان خلال ايلول الاسود... عليهم الرحمه جميعا... المهم نجتهد لنؤكد لاجيال اليوم بان هذا السودان يستحق ان يفتخروا و يفاخروا به و يقولوا للعالم اجمع .. أهو ده السودان بتاريخه و دوره المستقبلى بين الامم و قد يكون هناك سبب آخر للتحرك نحو السودان و هو ان مهندسى السياسه العالميه قد ادركوا بعد الفحص و التمحيص بان المسأله اكبر من ان ينظر اليها من زاويه ضيقه «السودان انتخابات واستفتاء قد تنتج دولتين و خلاص كل واحد يروح لحاله» فالمسأله اكبر و بتأثير اخطر على افريقيا و العالم العربى و أرى ان ننظر نحن ايضا من هذه الزاويه غض النظر عن الرؤيا الشخصيه و الحزبيه و التى قد تكون نتيجة «الملل» والضيق الذى قد اصاب الكثيرين منا بسبب «اللت و العجن» المستمر من قبل الاستقلال و الذى اراه السبب الاساس فى كل مشاكلنا و على رأسها التأثير السلبى على التنميه فلا يمكن لاى دوله فى العالم ان تتجه الى التنميه فى ظل الظروف التى احاطت بنا حيث ان الامن و السلام و الاستقرارمن المطلوبات الاساسيه للتنميه.. ولكى لا نقسوا على الدول و المنظمات التى « دقت صدرها «و جاءت لمراقبتنا فى هذا الامتحان الاهم فى تاريخ و حاضر و مستقبل السودان..فهواهم و اخطر من 1956 ففى ذلك الوقت كنا دوله مستعمره والاستقلال كان اتٍ طال الزمن او قصر و الدنيا بأجمعها كانت فى مخاض التحرر الوطنى.. أما الآن فنحن نتحدث عن دولتين ( وقد تكون اكثر لا قدر الله حسب ما يقال عن سودان يخطط له فى بعض الدوائر)........... . نحن امة يجب ان تعتز بنفسها و تتفاءل بمستقبلها...يجب ان نؤمن (و بلاش الزهج و اليأس) بأن لنا دورا اساسيا فى العالم بما حبانا الله من مصادر تسيل لها اللعاب فى باطن الارض و ظاهرها .. فنحن نملك من المصادر ما نشاء و فوق هذا نحن شعب اذا تصافت نفوسنا و تحررنا من الدوافع و النظرات االحزبيه و القبليه الضيقه الاقدر لعلاج امورنا بما نملك من الذخيره.. ارث و قدرات سياسيه .. تراكمت خلال عهود سحيقه فى التاريخ الذى اهملناه فالتاريخ هو الاب الشرعى للحاضر و الدافع لعجلة الزمن للمستقبل... نبنى دوله متناغمه مع تنوعها .. متجانسه مع اختلافاتها ...غنيه بمصادرها ثم.....نختلف و نتنافس بعد ذلك لنلحق بركب العالم المستقر و المنطلق للامام... واخيرا أرجو ان نقبل بالمراقبين «بالفيهم» و نعتبرهم ضيوفنا حيث انهم اتوا الينا مستجيبين لدعوتنا لمراقبة الإنتخابات( لكونها حسب ما ورد فى صحف الاسبوع الماضى جاءت بموافقة المفوضيه القوميه للانتخابات وتلبية لدعوتها و تؤكد وجود مراقبين دوليين من بداية التسجيل و انها اى المفوضيه تحترم اى ملاحظه و تعمل بها لخطورة هذه المرحله التاريخيه لهذا البلد و ان الاعتراف بهذه الانتخابات يتطلب اعتراف المجتمع الدولى بها.......) ..نتمنى ان يمارس الشعب حقه فى الانتخابات بالحرص و الدقه و الامانه و ان تتعاون الاحزاب و المفوضيه كل فى حدود برامجها و صلاحيتها و مهامها.. متفادين التلاوم المتبادل بين الطرفين كما شهدته الايام الماضيه .. و ان نخرج و نتحرر من الدوائر التى ظللنا نتحرك من خلالها خلال العقود الماضيه و ما حصدنا سوى الازمات و الخلاف فى الجوهر و ليس الاختلاف فى الوسائل.......فالخطأ فى طريق الاصلاح امر لابد منه و كلنا خطاءون و خيرنا الذين يدركون الخطأ و يجتهدون للاصلاح فان وفقهم الله فليهنأوا بالاجرين و الا فلهم اجر الاجتهاد.. المهم اللعب النضيف و القبول بالنتيجه و العمل بمقتضاها حتى الموسم التالى و المباراة الجديده......و أصلو الديمقراطيه لعبتها كده فلنلعبها بقوانينها....و نتفق هنا مع الفريق برمته عن حزب الامه فى قوله فى التلفزيون القومى « بأيدينا ..لا بأيدى الاجانب-- و نضيف « بأنفسنا .. لا بغيرنا» و نجبر الجماعه ضيوفنا ديل ان يكتبوا عن عظمة هذا الشعب بدلا من تقارير المراقبه التى فى رأيى لا تقدم و لا تؤخر.....