آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    مطار دنقلا.. مناشدة عاجلة إلى رئيس مجلس السيادة    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    تنويه هام من السفارة السودانية في القاهرة اليوم للمقيمين بمصر    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    بعد حريق.. هبوط اضطراري لطائرة ركاب متجهة إلى السعودية    نهضة بركان من صنع نجومية لفلوران!!؟؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    شاهد بالصورة والفيديو.. في مقطع مؤثر.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبكي بحرقة وتذرف الدموع حزناً على وفاة صديقها جوان الخطيب    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يلتقي اللجنة العليا للإستنفار والمقاومة الشعبية بولاية الخرطوم    شاهد بالصورة والفيديو.. في أول ظهور لها.. مطربة سودانية صاعدة تغني في أحد "الكافيهات" بالقاهرة وتصرخ أثناء وصلتها الغنائية (وب علي) وساخرون: (أربطوا الحزام قونة جديدة فاكة العرش)    قطر تستضيف بطولة كأس العرب للدورات الثلاثة القادمة    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني في أوروبا يهدي فتاة حسناء فائقة الجمال "وردة" كتب عليها عبارات غزل رومانسية والحسناء تتجاوب معه بلقطة "سيلفي" وساخرون: (الجنقو مسامير الأرض)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    سعر الدولار في السودان اليوم الأربعاء 14 مايو 2024 .. السوق الموازي    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    أموال المريخ متى يفك الحظر عنها؟؟    قطر والقروش مطر.. في ناس أكلو كترت عدس ما أكلو في حياتهم كلها في السودان    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ولايات دارفور... بين المزيد من الانشطار والدمج في إقليم واحد
نشر في الصحافة يوم 05 - 06 - 2011

لقد ظل إقليم دارفور مهملاً من المُستعمر الانجليزي في الجانب التنموي طوال فترة الحكم الثنائي منذ انضمام الإقليم بصورة نهائية في العام (1917م) إلى الدولة السودانية بشكلها الحالي ( تقريباً). فلم يحظ الإقليم بالتنمية والاعمار بل استمر مهمشاً من الحكومات المركزية الوطنية التي تعاقبت على سدة الحكم في السودان، سواءً كانت ديمقراطية أم عسكرية، وإن كان الإهمال والتهميش يتفاوت بين أقاليم السودان المختلفة في الجنوب والشرق وكردفان بل حتى الإقليم الشمالي في جزئه الأقصى. وعندما تمت سودنة ثمانمائة وظيفة قيادية قُبيل استقلال السودان كان نصيب الجنوبيين ست وظائف فقط، بينما تكاد تنعدم المشاركة من إقليم دارفور.
بعد تطبيق النظام الفدرالي في السودان كان من ضمن مقترحات اللجنة الفنية التي كونتها رئاسة الجمهورية في العام (1993م) أن يعاد تقسيم إقليم درافور إلى ولايتين شمال وجنوب دارفور، بينما قضى القرار السياسي بتقسيم الاقليم إلى ثلاث ولايات، ولم يكن يستند هذا القرار على مبررات كافية. ومنذ أن تفامت مشكلة درافور في العام ( 2003م) ، وتدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي لاحقاً بفعل الحرب اللعينة التي كانت وبالاًً وشراً مستطيراً على أهل دارفور، صار الوضع مأساوياً في معظم ولايات دارفور. وقد أدى تعنت الحركات الدارفورية المسلحة إلى تعقيد المشكلة خاصة بعد تدخل بعض دول الجوار الأفريقي ودول الغرب ومجلس الأمن الدولي، ولعل ذلك شجع قيادات هذه الحركات على التمترس في مواقف معينة غير آبهة بمراعاة عامل الزمن في حل المشكلة، وكان أن بذلت الحكومة الاتحادية جهوداً مقدرة ولكنها لم تفلح في إيجاد حل جذري للمشكلة التي تشابكت وتعمقت وتعقدت للغاية لأسباب عديدة. فالحركات الدارفورية المسلحة ذاتها تشظت وتباينت مطالبها واختلفت رؤاها للحل مما جعل الحكومة الاتحادية - رغم مساعدة العديد من الجهات كالاتحاد الأفريقي ودولة قطر كمثال - غير قادرة على جمع قيادات هذه الحركات حول طاولة واحدة للمفاوضات من أجل التوصل إلى تسوية سلمية شاملة وحلٍ مرضٍ لجميع أطراف النزاع، بل تتهم الحركات المسلحة الحكومة السودانية بعدم المرونة الكافية لإيجاد حل شامل. بينما تبدي الحكومة استعدادها للتفاوض السلمي لطي ملف دارفور وإنجاز السلام الشامل في الإقليم وبأسرع ما يمكن.
منذ تقديم وثيقة هايدلبيرج الألمانية في العام (2009م) بشأن إيجاد تسوية سياسة لمشكلة دارفور، وبعد تصريح الحكومة السودانية أنّ منبر الدوحة هو المنبر الوحيد لبحث الحلول عبر التفاوض لمشكلة دارفور ظل إيقاع الحل بطيئاً، فقيادات الحركات لم تستجب لهذه الدعوة بقدرٍ كافٍ. فكيف إذن يمكن التوصل - قريباً - إلى حل نهائي وشامل لهذه المشكلة؟ وهل من الأفضل الإبقاء على ولايات دارفور الثلاث بوضعها الحالي؟ أم أن الحل يتمثل في تذويب جميع ولايات دارفور في إقليم واحدٍ؟ وهل صحيح أن الإقليم خطوه نحو الإنفصال مثلما حدث لجنوب السودان بموجب الاستفتاء الذي جرى مؤخراً، والذي كان آخر مستحقات إتفاقية السلام الشامل (2005م) ؟ أم أن الحكم الفدرالي يحتاج إلى إعادة هيكلة - بعد إنفصال جنوب السودان - بما فيه ولايات درافور ذاتها ؟
إن الإجابة على هذه التساؤلات تتم من خلال تناولنا لحالة ولايات دارفور الثلاث في هذا المقال. ولنرى ما هو الوضع الإداري الأفضل والأمثل لدارفور التي عانت كثيراً من جراء الحرب التي قارب عمرها العقد من الزمان. سوف نركز فقط على الجانب الإداري والسياسي، هادفين من ذلك السعي للمساهمة في التوصل إلى تسوية سياسية مرضية لجميع الأطراف لتحقيق المصلحة العامة بمعناها الأدق لشعب دارفور وللسودان عامة من خلال صنع السياسات العامة التي تجعل الوصول إلى الهدف أمراً ميسوراً، فهل ذلك يمكن أن يكون كذلك؟.
دارفور في عهد السلطان علي دينار.. الاستقلال والإنضمام النهائي للسودان
لقد كانت دارفور شبه مستقلة منذ عهد السلطان على دينار الذي منحه المستعمر الإنجليزي ذلك الوضع بشرط أن يرفع العلمين الإنجليزي والمصري وأن يدفع جزية سنوية قدرها خمسمائة جنيه. وبالرغم من موافقة علي دينار على هذا الشرط، إلا أن ذلك يعكس أيضاً عدم حماس الحكومة البريطانية المستعمرة للتواصل مع إقليم درافور النائي عن الخرطوم من جهه، وعدم قدرتها على تحمل أية أعباء مالية في دارفور من جهة أخرى ? التي صنفت بأنها فقيرة - طالما أن السلطان علي دينار أعلن ولاءه لبريطانيا. فمن الأفيد لها أن تتركه يحكم موالياً لها، وإذا حاول التمرد عليها في أية لحظة ستكون على إستعداد للقضاء عليه. وهذا ما حدث بالفعل عندما أعلن علي دينار ولاءه لتركيا في الحرب العالمية الأولى، فقد كان رد الإنجليز سريعاً فقد هزموا قواته وأحتمى السلطان علي دينار في جبل مرة لكنه حوصر وقتل في معركة غير متكافأة في نوفمبر (1916م)، وبعدها دانت درافور للحكم الثنائي وضمت بذلك للسودان الحالي في العام 1917(م).
سكان إقليم درافور... الماضي والحاضر
جاءت تسمية إقليم دارفور من اسم قبيلة الفور التي أنشأت سلطنة الفور الاسلامية منذ عهد السلطان سليمان صولون، ويُعد الكيرا أكبر وأهم فروع الفور، وبمعاونة الفرع الثاني في الفور وهم الكنجارة إستطاع الكيرا توحيد قبائل الفور والقبائل المتداخلة معهم منذ القرن السادس عشر الميلادي.
إن القبائل الكبرى التي توجد في إقليم دارفور هي: الفور، المساليت الزغاوة وغيرها من القبائل التي تنحدر من أصول زنجية بجانب القبائل التى يعود أصلها إلى العنصر العربي مثل الرزيقات والتعايشه والهبانية وغيرهم. وتقدر القبائل التي تسكن دارفور نحو أربع وثمانون مجموعة قبليه، في الوقت الذي لا يوجد فيه نقاء عرقي عربي في دارفور فجميع القبائل التي تنحدر من أصول عربية تزاوجت مع بعضها البعض ومع القبائل ذات الأصول الزنجية وأنتجت هجيناً يمكن أن يوصف بأنه «أفرو أراب» ، وبالتالي فليس هنالك توصيفات تسمى الزرقة أو العرب للسكان في دارفور كما يزعم البعض، فالكل في دارفور خليط وإن تفاوتت نسبة التمازج من قبيلة لأخرى.
وخلال التاريخ الطويل تميزت قبائل دارفور بالتسامح والطيبة في التعامل فيما بينها بل وحتى مع القادمين للعيش وسطها من مختلف مناطق السودان، وكذلك العناصر المهاجرة من الدول الأفريقية المجاورة للإقليم. ولقد أثّر الجفاف والتصحر الذي أصاب المنطقة منذ بدايات الثمانينيات من القرن المنصرم أثر ذلك بشكل كبير على البيئة في دارفور وولد إحتكاكات كثيرة بين الرعاة والمزارعين- إذ أن دارفور غنية جداً بالثروة الحيوانية- تطورت إلى نزاعات مسلحة بسبب توفر السلاح الذي دخل الإقليم من دولة تشاد وليبيا. وقد أخفقت الحكومة الديمقراطية الثالثة في عهد السيد الصادق المهدي ? رئيس الوزراء حينذاك - في معالجة مشكلات دارفور، رغم أن حزبه نال في إنتخابات 1986م )34) دائرة جغرافية من أصل (38) دائرة في كل الإقليم، حيث كان نصيب الحزب الاتحادي والجبهة الاسلامية دائرتين لكلٍ. وفي عهد حكومة الإنقاذ إزدادت المطالب التنموية من أبناء دارفور، ورغم تقسيم الإقليم إلى ثلاث ولايات وهي: ولاية جنوب دارفور وعاصمتها نيالا، وولاية شمال دارفور وعاصمتها الفاشر، وولاية غرب دارفور وعاصمتها الجنينة، رغم ذلك كله إلا أن تقصير الظل الإداري ظل محل نظر من أهل دارفور، بل صار تحقيق التوازن التنموي عصياً على الحكومة الاتحادية والحكومات الولائية في دارفور بعد تطبيق النظام الفدرالي في وطن ظل يعاني من مشكلات عديدة في جميع أجزائه ? أهمها التنمية الاقتصادية - وإن تفاوتت المشكلات من جزءٍ لآخر.
ولايات دارفور .. التحديات والمشكلات
تواجه ولايات دارفور تحديات كثيرة خاصة بعد إندلاع الحرب في العام 2003م، فقد أثرت هذ الحرب على الاستقرار السياسي وجعلت العديد من أهل دارفور يعيشون حالة نزوح كبيرة، بل وتوجد في خارج السودان وبخاصة في دولة تشاد المجاورة للسودان عشرات الآلاف من الأُسر الدارفورية التي هربت من الحرب وفقدت كل شيء فهي تعيش مأساة إنسانية حقيقية. وقد بُذلت مجهودات من الحكومة الاتحادية لتقديم مساعدات لهؤلاء النازحين واللاجئين لكيما يعودوا إلى ديارهم غير أن الوضع الذي يعيشه هؤلاء النازحون واللاجئون معقد للغاية، فالمنظمات الدولية والاقليمية تدخلت بشكل مباشر لحل هذه القضية هذا ما يبدو في الظاهر، لكن في حقيقة الأمر فإن معظم هذه المنظمات لا سيما الغربية منها تحمل أجندة خاصة ولا تريد أن تعمل على حل القضية، إنما تسعى لتعقيدها أكثر وأكثر بهدف إنهاك الحكومة المركزية في الخرطوم وفي الولايات حتى يصبح أمر التوصل إلى تسوية سياسية أمر ذو عسر وصعوبة، نقول هذا وندلل عليه بالتقارير التي قدمتها بعض المنظمات الدولية « كهيومن رايت ووتش» وغيرها والتي صوّرت فيها المشكلة ليست كما هي في الواقع، وإنما عملت على تضخيمها بشكل مفزع للغاية وحملت الحكومة السودانية أكثر مما ينبغي. وهكذا تتزرع المنظمات الدولية بحجة تقديم المساعدات الإنسانية ومن جهة أخرى تتدخل من أجل حقوق الانسان، لكنها في حقيقة الأمر ترمي للوصول إلى أهداف خفية غير معلنة ومن هنا يتم استهداف السودان. ومما لا شك فيه أنّ الذي جري في السودان وبالتحديد في إقليم دارفور قد أدى إلى فداحة المشكلة وأحدث جروح غائرة لم تندمل بعد. ومما يأسف له المرء حقاً أن الكثيرين لا يعرفون هذه الحقائق والأهداف المستترة، التي تضمرها المنظمات الأجنبية.
وفي واقع الأمر، وفي إطار تحليل السياسات العامة عطفاً على نظرية النظم السياسة يصعب أن نحمل الحكومة وحدها مسؤولية ما جرى في الإقليم، فالحركات المسلحة أيضاً مسؤولة عن ما آل إليه الوضع في دارفور، وهنالك جهات إقليمية ودولية - بالإضافة لبعض المنظمات التي ذكرناها - أزكت نار الصراع الذي جرى في دارفور وأوصلته إلى ماهو عليه الآن، وبالتالي تتفاوت نسب تحمل مسؤولية مأساة دارفور بين أطراف النزاع المتعددة، لكن من المؤكد أن العنصر الخارجي له الدور الأكبر، فقد غرس سهاماً مسمومة حدباء وعمل على تأجيج الصراع بشكل كبير ومؤثر للغاية. وللأسف الشديد الذي تحمل النتائج السالبة لما جرى هو مواطن دارفور البسيط، فقد إكتوى بنار حرب ضروس وذاق ُمرّ الحياة وحنظلها على مضض، حيث فقد الأهل والمأوى والزرع والضرع وما إلى ذلك.
الحلول المطروحة للمشكلة ... ما هو الأمثل؟
لقد مرت مشكلة درافور بمحطات سلام عديدة كان أبرزها أبوجا التي أخفقت في تحقيق الكثير من الأهداف المرسومة منها على سبيل المثال إيقاف الحرب بشكل نهائي، ولكننا لا نود أن نعدد هذه المحطات مفصلين ما قدم فيها من رؤى مختلفة للحل، بل ينصب تركيزنا في هذا المقال على الحلول المطروحة الآن على المسرح السياسي. فهل ستُنهي المشكلة قريباً كما طرحنا السؤال من قبل، أم أن هنالك حلول أخرى بالنسبة للوضع الإداري والهيكلي لولايات دارفور الثلاث؟.
إن الحكومة الإتحادية طرحت استراتيجية جديدة للحل وهي التعويل على الداخل وإشراك شعب دارفور في الحل، وهذه لعمري هي الطريقة المثلى لإنهاء المشكلة، فالنازحون واللاجئون هم أحق بأن يشركوا في عملية التسوية السياسية التي تتطلب قرارات سياسية شُجاعة من رئاسة الجمهورية. كما أن هنالك ثغرات من الأفضل أن تدرك وتُسد حتى لا تتزايد فتوق الثوب السوداني أكثر مما يجب، ويتآكل النسيج الاجتماعي، وأهم تلك الثغرات، التغييب الكبير للشباب السوداني، حيث لم تُتح الفرصة الكافية للقيادات الشبابية للإنخرط في البحث عن حلول مرضية لكافة الأطراف مع نظرائهم من الذين يحملون السلاح ويمثلون نسبة كبيرة من القيادات الدارفورية. فهلاّ تنبهت الحكومة لهذا الأمر وعملت على إتاحة الفرصة للشباب للتحاور والتفاوض مع من يحملون السلاح لإنهاء هذه الحرب التي خربت الديار وتركت غبن إجتماعي ومرارات قد تحتاج لوقت ليس بالقصير لكي تنمحي من قلوب و ذاكرة أهل دارفور من خلال عملية التصالح الاجتماعي، وتحقيق السلام الدائم .
إن الحل لهذه المشكلة ? حسب تقديرنا - هو في جوهره سياسي، ويتطلب كذلك أن تراعى فيه عملية إعادة البناء لما دمرته الحرب وأن تدفع التعويضات لأُسر ضحايا الحرب. صحيح أن هنالك مجهودات كبيرة من جانب الحكومة الاتحادية لتحقيق ذلك، ولكن ما أُنجز غير كافٍ لأهل دارفور الذين يحتاجون للمزيد من إشاعة التوازن التنموي بين جميع مناطقهم التي دمرتها الحرب، وإعادة النظر في هيكل الحكم في ولايات دارفور الثلاث، لأن ذلك هو المدخل الجيد لمعالجة جذور المشكلة. إن المسكنات ونظرية إطفاء الحرائق غير مجدية في حالة دارفور التي تعقدت نتيجة لأخطاء فادحة وقع فيها جميع أطراف النزاع، ومن أهمها إعتماد استخدام السلاح كوسيلة لحسم المشكلة، إذن الحل الأمثل والوحيد هو التفاوض السلمي مع توفر الإرادة السياسية للجميع وبخاصة القيادات العليا في الدولة لإنهاء المشكلة بشكل نهائي والتوصل إلى سلام دائم وأمن مستتب.
الوضع الأفضل لدارفور.... الإقيلم الواحد أم مزيداً من الولايات؟
كما ذكرنا سالفاً إن دارفور كانت شبه مستقله منذ فترة ليست بالقصيرة، وضُمت نهائياً للسودان منذ العام (1917م)، وخلال التجارب الادارية المختلفة، التي كان أهمها النظام المركزي الذي استمر لفترة طويلة في السودان منذ عهد الاستعمار مروراً بالعهود الوطنية، ظلت دارفور تقبع في دائرة التخلف والاهمال المتزايد من جميع الحكومات التي مرت على السودان. ومنذ صدور قانون الحكم الإقليمي في (1980م) حيث قسم شمال السودان إلى خمسة أقاليم كانت على النحو التالي: الشمالي، الأوسط، الشرقي، كردفان، دارفور، بالإضافة إلى معتمدية العاصمة القومية في الخرطوم، منذ ذلك التقسيم الذي تم، ظلت دارفور ترزح تحت ظروف إقتصادية قاسية - فلم تكن توجد بها أية بنيات أساسية تذكركالطرق المعبدة - وكانت أن سعت (جبهة نهضة دارفور) أيضاً كتكتل إقليمي لتحقيق مطالب شعب درافور ومن أهمها التنمية،ٍ لكنها لم تجد أُذناً صاغية من الحكومة المركزية بل أُتهمت تلك الجبهة بالعنصرية. ونتيجة لهذا الوضع وغيره من الأسباب الأخرى فشلت الحكومة المركزية في استقطاب موارد مالية كافية للإقليم ، وبالتالي لم يكن يكفي الدعم المالي الذي قُدم لمقابلة نفقات الفصل الأول ( الأجور والمرتبات) والأجهزة الأمنية فضلاً عن عجزه في إحداث أي نوع من الحراك التنموي في دارفور.
وعندما جاءت حكومة الانقاذ في يونيو (1989م) وعملت على تقسيم إقليم دارفور إلى ثلاث ولايات في العام (1994م)، ضمن إعادة لتقسيم جميع ولايات السودان في ظل نظام فدرالي، كان الغرض من هذا التقسيم تحقيق التوازن التنموي والمشاركة الواسعة في السلطة على المستوى المحلي والتعبير عن التنوع الثقافي، والهوية وعلاقة الدين بالدولة. وكان من الأهداف الكلية لتطبيق الفيدرالية بناء أمة سودانية متمساكة البنيان والوحدات. وخلال العشرة أعوام الأولى من التطبيق الفعلي للفدرالية منذ العام( 1994م) وحتى إندلاع الحرب في دارفور في العام (2003م) واجهت التجربة الفدرالية في دارفور مشكلات عديدة أهما النقص الحاد في الموارد المالية، ورغم إنشاء صندوق قومي لدعم الولايات الفقيرة ? أو المحتاجة - في السودان والتي حدد عددها بسبعة عشر ولاية إثنان منها في دارفور إلا أن الدعم التنموي كان ضعيفاً للغاية رغم النجاح المعقول من الصندوق في تقديم الدعم الجاري. وكانت الحرب في دارفور بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث أدت إلى تعقيد الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وظلت الولايات تعمل في ظل وضع غير طبيعي وكان بديهياً أن تعجز في ظل عدم الاستقرار هذا عن إنفاذ المشروعات الاقتصادية الكبرى وتحقيق الأهداف التنموية.
ونتيجة لهذه الظروف فإن المطالبة من بعض قيادات وربما أهل دافور بإنشاء المزيد من الولايات هو حق مشروع من أجل تقصير الظل الإداري والتوصل إلى إدارة تنمية خلاقة على المستويات المحلية، ولكن عملية الإنشاء ذاتها تتطلب إجراءات محددة وفقاً للدستور، فإذا كان هنالك دستور دائم في السودان ? يوجد في السودان دستور إنتقالي لسنة 2005م ? فإن مسألة زيادة الولايات تتطلب تعديل الدستور لأن للنظام الفيدرالي وحسب المعايير العالمية شروط من ضمنها الدستور الدائم والمحكمة الدستورية، بالإضافة إلى أن يكون النظام ديمقراطي لأن الفدرالية لا تتعايش مع الشمولية ودوننا تجربتين فيدراليتين هما يوغسلافيا والاتحاد السوفيتي؛ فقد فشلتا في نهاية المطاف . وهنالك ضرورة في حالة إنشاء أية ولاية جديدة أن يتم استفتاء شعب الولاية المعنية، لقد حدث ذلك في أنظمة فدرالية متقدمة كما في سويسرا، ولهذا فإن القرارت السياسية فقط لإنشاء الولايات تعتبر غير كافية. ومن جانب آخر فإن وثيقة هايدلبيرج - حيث أعدها معهد ماكس بلانك الألماني- والتي تحدثنا عنها سابقاً هي في الواقع تتفق مع آراء بعض قيادات حركات دارفور المسلحة، إنما كذلك تمثل ? برأينا - « نيفاشا تو» وإن دعت إلى تقسيم السودان إلى خمسة أقاليم، فهذا في ظننا تكتيك سياسي يهدف بالأساس لفصل دارفور لاحقاً بعد الوصول إلى مرحلة الإقليم الواحد. وبالتالي فإن الوضع الأمثل لدارفور هو أن يتم استفتاء شعب دارفور حول مسألة الإقليم مع تبيان مخاطر ذلك بوضوح تام، والتنبيه إلى أن عملية الاستفتاء لها محاذيرها إذا لم تتم بشكل سليم، ومن جانب آخر فإن عملية إنشاء ولايات جديدة تستوجب أن يراعي فيها التنوع الإثني، أي أن التقسيم يجب أن يستصحب التنوع الإثني بجانب شروط أخرى مهمة. إذن إذا توافرت البيئة الملائمة والشروط القبلية؛ فإن تقسيم دارفور لأكثر من ثلاث ولايات ربما أربع أو خمس ولايات من الأفضل أن يجرى بسلاسة، وأن يتم ذلك ضمن إعادة هيكلة الولايات في السودان الشمالي مع مراعاة المعايير العالمية لتقسيم الولايات بما يضبط النظام الفدرالي بأكمله ويجعله مشابهاً ومقارباً في معاييره للأنظمة الفدرالية في العالم، فهل نحن في السودان نحتاج لنظام فدرالي حقيقي مكون من خمس عشرة ولاية في الشمال أم أقل أو أكثر؟ وكيف يمكن التوصل إلى الوضع الأمثل لعددية الولايات بل والمحليات في ظل نظام فدرالى معافى من العلل الفدرالية السابقة في السودان بعد إكتمال إنفصال الجنوب؟ سوف نتناول هذا الموضوع في مقال قادم إن شاء الله. ونود هنا في هذا المقال التأكيد على أن زيادة ولايات دارفور عددياً يستدعي تكوين لجنة فنية لإعداد دراسة علمية شامله وأن تعمل وفق موجهات محددة ومن ثم ترفع توصياتها إلى جهات الإختصاص العليا للنظر فيها وإتخاذ قرارات بشأنها، من دون ذالك يصبح التقسيم لأسباب سياسية بحته بمثابة ذر الرماد في العيون.
خاتمة وتوصيات
وهكذا فإن مسألة الخيار ما بين زيادة عدد ولايات دارفور لأكثر من ثلاث والدمج في إقليم واحد أمر ليس بالسهل الشروع فيه. ومن هنا فإن عملية التوازن التنموي والتركيز على إشاعة الأمن في ولايات دارفور على مستوى كافة المحليات يجب أن يكون الهدف الجوهري من التفكير في عملية زيادة الولايات في دارفور، وفي ذات الخصوص فإن عملية دمج ولايات دارفور في إقليم واحد لها خطورتها على مستقبل السودان وبقائه بمساحتة الحالية بعد أن نقصت الثلث تقريباً بإنفصال الجنوب. ولهذا فإننا ندعو إلى قيام المزيد من الولايات في دارفور بغرض تحقيق الأهداف التي ذكرناها سابقاً بشرط أن يتم ذلك بعد إعداد دراسات علمية كافية حول هذا الأمر. ونرى أن تأخذ الحكومة والحركات المسلحة بالتوصيات الآتية:
* يجب على أطراف النزاع عدم استخدام الاساليب التكتيكية في إطار التفكير بشأن إعادة تقسيم ولايات دارفور أو دمجها في إقليم واحد.
* ضرورة اشراك القيادات الشبابية بأعداد مقدرة للمساهمة في عملية البحث عن الحل الدائم لمشكلة درافور ونظام الحكم الإداري فيها.
* على الحركات المسلحة توفيق أوضاعها ما أمكن لإنهاء حالة التشظي والتشرزم التي أصابتها وأن تندمج في فصيلين على الأكثر لتسهيل عملية التفاوض بينها والحكومة لحل المشكلة بصورة مرضية للجميع، والتوافق على زيادة عدد ولايات دارفور وليس الإقليم الواحد.
* أهمية أن يشرك شعب دارفور في أى تصور بشأن إعادة تقسيم الولايات في دارفور وزيادة عددها، لقطف ثمار الفدرالية الجديدة من خلال الاستفتاء.
* أستاذ العلوم السياسية المتخصص في الدراسات الفدرالية المقارنة
جامعة الخرطوم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.