شهدت المؤسسات والهيئات العامة خلال العقدين الماضيين تغييرات في اتجاه واحد، مكن أهل الولاء وبعض رموز الإسلاميين من تسنم ذروتها وواكب ذلك تصفية كفاءات وإبعاد شخصيات بعض من أهل الشوكة، لكن كل ذنبهم رفضهم ممارسات خاطئة وتجاوزات مالية وإدارية فتحولت بعض المؤسسات إلى «ضيع» خاصة وملك عضود بسبب استمرار قيادات في مواقعها فترة طويلة، وغياب الشفافية والمحاسبة والمراجعة حتى ظن بعضهم أنها مؤسسات خاصة بهم يفعلون ما يشاءون دون أن يسألوا أو يساءلوا،وما رفض أكثر من 70 شركة ومؤسسة عامة دخول فرق المراجع العام إلى مكاتبها سنوات إلا دليل على ذلك. ويبدو أن نشاط بعض المؤسسات والشركات العامة في الظلام وتجنب قياداتها للأضواء صرف عنهم الصحف التي صوبت سهامها نحو الدستوريين وحملتهم مسؤولية الإسراف في إنفاق المال العام دون سواهم،ولكن ما يجري في تلك المؤسسات يشيب له الولدان ،فثمة مخصصات عالية وامتيازات تفوق ما يناله الوزراء الاتحاديون، على الرغم من أن غالبية مديري المؤسسات والهيئات يتم التعاقد معهم من قبل الرئاسة ووزارة المالية، حيث يصنفون باعتبارهم خبراء وطنيين، ويحظون بمرتبات ضخمة ومخصصات أخرى كالسكن والسيارة والهاتف والعلاج وتذاكر السفر لهم ولأسرهم لقضاء عطلهم في الدول التي يختارونها، بجانب الحوافز الشهرية والسنوية ومكافآت ضخمة في نهاية العقد. كما يتمتع المديرون بصلاحيات كبيرة في التعيين والترقية إلى درجات عليا، ومعظم مؤسساتهم تتمتع باستقلالية تامة في ما يختص بالفصل الأول والحوافز، ولديها مجالس إدارات يتقاضى أعضاؤها مخصصات كبيرة مما يجعلها «أبقارا حلوب» يكتنز منها قادتها المال حتى تجف ضروعها أو يتحولون إلى مواقع أخرى فيواصلون هوايتهم المفضلة. في الفترة الأخيرة انتبهت قيادة الدولة إلى ما يجري في مؤسسات وشركات عامة وخصوصا تلك التي ظل مديروها في سدتها سنوات طويلة وصبغوها بشخصياتهم وكيفوها بطرائقهم وتجسدت في ذواتهم ، حتى أن بعض تلك المؤسسات تتعطل حين يغيب مديرها لأي سبب وتتجمد الدماء في عروقها إذا مرض، وتنام حين ينام،لذا لم يتطور أداؤها ولم تنمُ مواردها وأصولها، فمصاصو الدماء لم يتركوا لها شيئا رغم الحماية والاحتكار والامتيازات التي تحظى بها. خلال الأسابيع الماضية بدأت حركة تغييرات في إدارة بعض المؤسسات رافق بعضها جدل مثلما جرى في صندوق التأمين الاجتماعي،ثم صندوق المعاشات وأخيرا شركة شيكان للتأمين،نأمل أن يكون ذلك بداية مرحلة إصلاح وتجديد ومراجعة شاملة ومستمرة ، وليس تغيير شخوص لتوازنات داخل لحزب الحاكم أو معالجات جزئية وخطوات محدودة. ونتوقع أن يشهد الجهاز الاستثماري للضمان الاجتماعي تغييرا كذلك بعد أن ظل نشاطه وممارساته تثير تساؤلات حائرة وغبارا كثيفا، فالعمارات التي تطل برؤوسها في أركان العاصمة والمخططات السكنية والشراكات الغامضة والتمويلات المجهولة لا يجد أصحاب المصلحة « المعاشيون» من ورائها سوى الحسرة. وهمسة في أذن المدير الجديد لشركة شيكان بعد التهنئة، فالشركة تعاني من ترهل وغياب النظام وضعف وبطء الخطوات المحاسبية، وتحتاج إلى مراجعة شاملة لاستعادة الثقة في أدائها وتطويرها ورفع كفاءتها ، بعدما تراجعت وفشلت في الوفاء ببعض التزاماتها وخيبت آمال من يتعاملون معها.