يثيرالواقع المحبط الذى تعيشه الدراما السودانية وتقطع العروض المسرحية العديد من الاستفاهمات من قبل الجمهور والمهتمين والمعنيين بالامر.. ويدفعنا دائما الى البحث والحوار مع أهل الدراما والنقد والمسرح فى سياق البحث المستمر عن الاسباب والمعوقات التى تكبل النشاط الدرامى والمسرحى ومحاولة سبر اغوار هذا الجمود والسكون المستمر، للمرة الثانية التقينا الدكتور شمس الدين يونس الاستاذ بكلية الموسيقى والدراما المتخصص فى مجال النقد ومدير المسرح القومى، وكانت هذه المقابلة التى شخصت جوانب مختلفة من الاسباب التى تقف خلف كواليس الأزمة وانتهت الى جملة من الاجابات المفيدة التى تستحق الانتباه .. - أسباب موسمية الدراما ؟ هذا الامر يقودنا مباشرة الى الدراما التلفزيونية وهو ناتج عن مشكلات الانتاج الدرامي التلفزيوني، وكما هو معروف الان الدراما لم تعد تمارس كهواية واصبحت على مستوى العالم صناعة من الصناعات الثقيلة التي تحتاج الى رأس مال كبير والغرب الان يتحدث عن التكتلات الاقتصادية في مجال انتاج الفنون والمؤسسات الضخمة التي تنتج الدراما باشكالها المختلفة من السينما والمسرح والدراما التلفزيونية بمختلف اشكالها من مسلسلات وافلام ، فاذا اخذنا في الاعتبار ان الفنون اصبحت جزءاً من عجلة الاقتصاد العالمي بعد تفعيل قوانين حقوق المؤلف و الحقوق المجاورة والادارة الجماعية تصبح الدراما السودانية بما تجده من فتات اموال لا تكفي لانتاج فلم او فلمين بالتالي سندخل مباشرة في اطار الموسمية و حتى الموسمية نفسها تظهر حينا وتختفي احيانا اخرى ، فالدراما في السودان لا تكون كل عام او في وقت محدد انما كيفما اتفق فاذا كان هناك مسؤول في وزارة المالية او في التلفزيون او المسرح او في وزارة الثقافة مقتنع بالعمل المسرحي تكون هناك اموال و عمل فاذا اختفت الاموال يختفي العمل المسرحي ولا تزول هذه الاشكالية الا بايجاد اشكال تمويلية ثابتة وايجاد مؤسسات ضخمة تعمل على ادخال الفنون بكافة اشكالها في عجلة التنمية والاقتصاد السوداني والانتاج المحلي ، خاصة وان السودان موقع على كافة الاتفاقيات الدولية التي تحفظ الحقوق و الحقوق المجاورة التي تحفظ هوية البلد وإرثه وتاريخه فبدون ادراج الفنون في عجلة الاقتصاد واعتبارها واحدة الصناعات و من الصادرات فبدون ذلك لن تتقدم الدراما السودانية، و الانتاج الدرامي في العديد من الدول مثل امريكا ومصر اصبح من الصادرات. - ماذا انجزت كمدير للمسرح ؟ انا وغيري من سبقني و من سيأتي بعدي دون ان تكون هناك ميزانيات محترمة للمسرح القومي لا تسألونا عماذا قدمنا او تسألونا عن جهودنا لانها ستصبح جهودا ينطبق عليها القول «تسمع جعجعة ولا ترى طحنا» ولا نريد ان نقول اننا سنفعل كذا وكذا ودعونا كثيرا منذ قدومنا ادارة المسرح ان تهيئ البيئة للعمل المسرحي وان يكون هناك انتاج مسرحي ولكن دائما ماتخذلنا الميزانيات وظروف الانتاج المختلفة . - غياب المواسم المسرحية؟ يرجع غياب المواسم المسرحية الى ماذكرته سابقا حول موسمية الدراما السودانية ففي فترة السبعينات عندما كانت المواسم منتظمة كان هناك دعم كبير من الدولة للمسرح و كان هناك مال للانتاج المسرحي بالتالي كان هناك استقرار في المواسم المسرحية التي تبدأ في اوقات محددة و بدخول فصل الخريف تبدأ صيانة المسرح وتجديده ومن ثم تعود المواسم المسرحية مرة اخرى، الان نتحدث عن مؤسسة اسمها المسرح القومي ليس من اختصاصاتها الانتاج المسرحي باعتبار انه ليس في ميزانياتها ما يعرف بالانتاج المسرحي انما نتحدث عن مؤسسة اصبحت مهامها كالمؤسسات الاتحادية كالتدريب والعلاقات الخارجية و التخطيط و التنسيق ، واصبح العمل المسرحي التنفيذي شأنا ولائيا، واصبحت الولايات بما تعانيه من شح في الموارد والدخل لا تستطيع ان تفعل شيئا ملموسي، وقد تحدث معي مدير الثقافة و الاعلام في البحر الاحمر بان ميزانيتهم لا تتعدى 600 جنيه وهذا المبلغ لا يكفي لاحضار علبة مكياج لمسرحية واحدة ونحن نتحدث عن انتاج مسرحي ومواسم مسرحية وهذا كله يصبح هراءً ولا طائل من ورائه في غياب المال والتمويل والاهتمام بالبنيات التحتية، والان المسرح القومي تنقصه الكثير من الاشياء و ماذا يعني مسرح قومي بلا صالة تدريب، وماذا يفيد ان نتحدث عن مسرح قومي يتوقف عن العرض في فترة الخريف لانه مكشوف حيث لا تستطيع ان تقيم عرضا مسرحيا خلال اربعة او خمسة اشهر من العام. - اتحاد الدراميين بين واقع الحال والآمال ؟ بصفتي عضوا في الاتحاد فان الاتحاد له جهود كبيرة جدا في النهوض بالحركة المسرحية ويتمثل ذلك في اتصالاته القوية مع التلفزيون واسترداد مديونية الدراميين لدى الاجهزة الاعلامية و لديه جهود خارج السودان حيث ارسل عملا مسرحيا الى الجزائر وسوف يشارك في مهرجان المسرح المحترف، الان الاتحاد يعمل على لم شمل العضوية ويجمع الاشتراكات ويعمل على استخراج بطاقة هوية للدراميين كما يقيم «كورسات» واصبح له دار ، هناك عمل ضخمة يقوم به الاخوة في الاتحاد للنهوض بالحركة المسرحية . - كلية الدراما والموسيقى لا تخرج ممثلين موهوبين ؟ هذا حديث مردود لا يدخل كلية الموسيقى والدراما الا من هو موهوب وهناك لجان للمعاينات وهذا يعني انه لايتم قبول كل من يأتي من مكتب القبول في الكلية وهناك لجان معاينات صارمة جدا تقبل الطلاب الموهوبين ولايجب ان نتحدث عن ان الكلية لم تخرج ممثلين موهوبين خرجت جيوشا و لكن اين يعملون لم توفر لهم الدولة البنيات التحتية لتوظيف طاقاتهم بل يتخرجون ويذهبون الى الطرقات حيث لا توجد مسارح ولا انتاج مسرحي. - ما سبب غياب النقد الدرامي المتخصص ؟ لا يوجد نقد حيث لا توجد دراما وهناك سبب اخر لغياب النقد فعلى الرغم من قلة الدراما الموجودة لا توجد المجلات المتخصصة و مواعين النشر فاما ان تلجأ للصحف والتي قد تنشر لك او لا تنشر كما ان الصحف لا تدفع للناقد الذي يبذل جهدا في كتابة المادة ثم يدفع بها الى الصحيفة هنا اقول «يا اصحاب الصحف ادفعوا اموالا للنقاد سيكتبون ولن تسألوا عن غياب النقد»، باعتبار ان النقد الآن اصبح مهنة وليس ترفا يمارسه اصحاب المزاج « الرايق» فهذه قضية شائكة جدا، وانا شخصيا ناقد لكنني احجمت عن الكتابة في الصحف لانها لاتدفع ومن الافضل لي ان امارس أية مهنة اتكسب منها بدلا عن ممارسة النقد الذي تخصصت فيه. - المسرح قاصر على و لاية الخرطوم فقط ؟ كما ذكرت من قبل العمل التنفيذي المسرحي اصبح شانا ولائيا و الولايات لا تدفع للعمل المسرحي فاذا لم تفرد الولايات ميزانيات للمسرح لن يكون هناك مسرح والخرطوم اكثر حظا لوجود اجهزة الاعلام والمؤسسات الاقتصادية الضخمة وبعض الشركات الكبيرة تمول العمل المسرحي من وقت الى اخر و هذا غير موجود في الولايات بالتالي لا ننتظر منها ان تقدم شيئا اذا ظل الوضع كما هو الآن وانا لا اتفاءل ان يتغير الوضع في القريب العاجل. - هل يعاني المسرح أزمة نصوص ؟ لا توجد أزمة نصوص و المسرح منذ حوالى سبعة آلاف سنة الى يومنا هذا لم يعاني من أزمة نصوص سواء كانت سودانية او عربية او غربية و النصوص « على قفا من يشيل » لكن اين المال الذي اخرج به هذه النصوص على خشبة المسرح و انا لا أؤمن ان هناك أزمة في عناصر الانتاج المسرحي باي شكل من الاشكال سواء كانت في الكوادر او الاخراج او التمثيل لكن الأزمة في الانتاج حيث لدينا المواد الخام لكن اين الصناعات التحويلية ونحن نملك النص و الممثل والمخرج و فني الاضاءة وفني الصوت و مصمم الازياء و المسوؤل عن المكياج وكلهم على درجة من التأهيل لكن حتى احول كل هذه الاشياء الى منتج كما يقول اصحاب الصناعة نحتاج الى مال « ادونا القروش و اذا ما حولناها الى منتج لومونا » او وجهوا لنا الاتهامات. - هل سحبت القنوات الفضائية بساط الاهتمام من المسرح؟ اين هو المسرح حتى يقبل الناس عليه انا لا اتحدث عن اثر الفضائيات على المسرح اذا لم يكن هناك مسرح الان المسرح القومي منذ حوالي ثلاثة اشهر لم يقدم عملا مسرحيا لذلك لا استطيع ان اعزو هذا الامر الى تأثير الفضائيات دعونا نعرض اعمالا لمدة سنة كاملة ثم نتحدث عن تأثير الفضائيات ! - ماهو رأيك في ظاهرة الفرق الفكاهية المنتشرة الان ؟ هذا شكل فني معروف و معترف به في الخارطة الفنية بشكل عام لكن هو كظاهرة منتشرة بصورة كبيرة باعتبار انه اسهل في عمليات الانتاج لا يكلف كثيرا لكن اذا اردت عمل مسرحية انتاجها لا يقل عن 40 او 80 ألف جنيه و تحتاج الى «بروفات» ووقت و دعاية و اعلان لكن الان اصبح السهل في العمل الفني عمل الفرق الفكاهية. - الدراما المنتجة لا تحظى بنسبة مشاهدة عالية؟ الناس لا تشاهدها لانها متقطعة الان هناك ضخ للدراما المصرية و السورية والتركية لكن من الممكن افتح التلفزيون السوداني لمدة سنة كاملة ولا اجد دراما سودانية فاين سيشاهدها ويتعرف عليها العرب و الافارقة نحن ندعو الى اطلاق قناة خاصة بالدراما السودانية بعد سنة بالتأكيد العالم سيعرف ان هناك دراما سودانية وسيتابعها لكن اذا انتجت فيلما ثم غبت عاما او عامين كيف يستطيع المشاهد التعرف في ظل بثه فى اوقات المشاهدة فيها تختلف عن السودان. - غياب الافلام عن شاشة التلفزيون ؟ توجد عشرات الافلام لم تبث في التلفزيون مثلا هناك سلسلة «جبرة الصعبة» التي قام بالاداء فيها فرقة الاصدقاء المسرحية والتي تتكون من 15 حلقة و كان من المفترض ان تبث قبل ثلاث سنوات في شهر رمضان. - عمل مسرحي أحدث نقطة تحول ؟ في ذهني لا استطيع ان استحضر عملا بعينه يمكن ان اقول انه احدث تحولا لانها تجارب متقطعة و لانه عندما اتحدث عن تحول هذا يعني ان العمل كان يسير بصورة معينة ثم حدث تحول وهذا غير موجود الان ونحن منذ سبعينات القرن الماضي نسير على وتيرة واحدة من الاعمال المسرحية و مازلنا نجتر الماضي ونتحدث عن مسرحيات تركت اثرا مثل :«خطوبة سهير» و« سفر الجفا» و « المهرج». - نسمع عن انشاء مسرح جديد ؟ الدولة تتحدث باستمرار لكن لم نر شيئا عمليا و قد تحدثت قبل عامين عن صيانة المسرح القومي ولم يحدث شئ . - أثرغياب النشاط المسرحي عن المدارس ؟ بالفعل اثر على التذوق وعلى الجمهور لان ابناءنا في المدارس اصبحوا لايشاهدون مسرحا فقط منكبين على التحصيل الاكاديمي بنظرية « الزير الفارغ » تملأه ثم يفرغ في الامتحان ثم تملأه مرة اخرى وهكذا، وغياب الانشطة بشكل عام في المدارس له تأثيرات سالبة. - أجمل مسرحية سودانية خلال العقد الماضى ؟ بلا شك مسرحية المهرج التي قدمتها فرقة الاصدقاء المسرحية .