عندما زينت السفيرة الامريكية في بغداد في اوائل التسعينات من القرن الماضي الى الرئيس العراقي وقتها صدام حسين فكرة دخول الكويت وضمها الى العراق واعتبارها واحدة من محافظاته، كانت السفيرة تهدف الى الوصول الى نتائج معينة في اطار خطة مستقبلية بعيدة المدى وقريبه، وكان الرئيس صدام حسين ايضا يفكر في الحصول على نتائج ومكاسب تحقق له المزيد في اطار سعيه لتعزيز موقفه ودعم افكاره التي من اجلها حصل على السلطة وبدأ في نشر افكاره على المستوى المحلي والمستوى الاقليمي. واعتبر صدام حسين ان الفكرة الامريكية لدخوله الكويت وضمه الى دولة العراق هو اولا بمثابة ضوء اخضر لتنفيذ هذه الفكرة، الامر الثاني ان فكرة دخول الكويت واعتبارها واحدة من محافظات العراق ، هي بمثابة حافز من الادارة الامريكية له على حربه الطويلة ضد ايران والتي اصبحت عدوا للولايات المتحدة بعد سقوط حكم (الشاه) وصعود آية الله الخميني بعد نجاح الثورة الاسلامية في ايران من الوصول الى سدة الحكم في عام 1979م، حيث استمرت هذه الحرب قرابة العشر سنوات اراد صدام منها ان يحقق منهجه في دعم القومية العربية والحد من نفوذ اي قومية اخرى وان كانت (الفارسية) التي تجد امتدادا عبر طائفة الشيعة التي تعتبر من اكبر الطوائف في العراق. تعددت حسابات صدام حسين الاقتصادية والسياسية من فكرة دخوله الى الكويت وضمها الى العراق واخذ يجرح في تلك الفوائد التي يمكن ان تعود اليه من ذلك الفعل خاصة وانه تلقي ضوءا اخضر من الادارة الامريكية ممثلة في سفيرتها في بغداد. ومن تلك الفوائد التي عددها الرئيس صدام حسين هي ان فكرة دخول الكويت ستجعل (النفط) الكويتي بين يديه وهذا سوف يعوضه تلك التكاليف الباهظة التي تكبدها العراق من جراء حربه مع ايران.. الامر الثاني ان ضم الكويت يمكنه من الاحاطة بعدد لا بأس به من دول الخليج العربي وهذا ما يمكنه من تنفيذ سياسته في نشر فكرة القومية العربية والتي اخذت مكانتها في بعض الدول العربية في شكل حزب سياسي (حزب البعث العربي).. كما كان في السودان، حيث كان في كل قطر عربي قيادة ويجتمع هؤلاء القادة في مؤتمرات ببغداد تحت ضيافة الرئيس صدام حسين. ففي الوقت الذي كان يفكر فيه الرئيس صدام حسين في كل الفوائد السياسية الاقتصادية التي ستعود اليه من ضم الكويت الى دولة عراقية ، كانت الولاياتالمتحدة ايضا تفكر في تلك الفوائد التي ستعود اليها من اقدام الرئيس صدام حسين من دخول الكويت... وبالتأكيد لم يكن هدف السفيرة الامريكية في بغداد من اقتراحها لصدام من دخول الكويت هو عبارة عن مكافأة له على ما انجزه في حرب ايران..! كانت الولاياتالمتحدة تفكر في فوائد اكبر من تلك التي تخيلها صدام حسين من جراء اقدامه علي تنفيذ الفكرة الامريكية كانت الولاياتالمتحدة تفكر في هذا الامر من زاوية مختلفة تماما لم يفطن اليها الرئيس صدام حسين ولا حكومته ولا مستشاريه .. فقد كانت تفكر الولاياتالمتحدة في عملية تحرير الكويت من قوات صدام وهذا الامر يتيح للولايات المتحدة الاستيلاء على كثير من الاموال الكويتية المودعة في البنوك الامريكية مقابل عملية التحرير التي لا تكلف الولاياتالمتحدة (ربع) الاموال التي تأخذها من الكويت ، الامر الثاني هو تجهيز عملية للقضاء على القوة العسكرية العراقية التي تعتبر الاولى في ذلك الوقت في الوطن العربي... حيث كانت مصادره الاولى من الاتحاد السوفيتي ومصادره الثانية من الولاياتالمتحدة نفسها التي دعمته من اجل محاربة ايران...! ويبدو ان الولاياتالمتحدة رأت تقسيم المهمة على مرحلتين الاولى كانت تحرير الكويت في بداية التسعينيات واجلت الثانية قرابة العشر سنوات لتدخل الى العراق في عام 2003م، بحجة امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل وذلك بهدف تدمير القوة العسكرية العراقية حتى لا تصبح مهددا خطيرا على حليفة امريكا في منطقة اسرائيل.. اذا كانت الفكرة الامريكية لصدام دخول الكويت استدراجا منها لتحقيق تلك الاهداف وقد نجحت..! وعلى ذات الطريقة تحاول الولاياتالمتحدة استدراج السودان الى نفس (الفخ) ولكن بسيناريو مختلف تماما من سيناريوهات الرئيس العراقي صدام حسين.. وكما اشارت بعض التحليلات الصحفية من ان دخول جيش الحركة الشعبية لمدينة أبيي المتنازع عليها بين الشمال والجنوب، ما هي إلا لبداية هذا المخطط.. حيث تزامن دخول جيش الحركة لأبيي واعتدائها على القوات المسلحة والقوات الدولية الموجودة في المدينة متزامنا مع زيارة لوفد مجلس الامن والذي ضم ممثلة الولاياتالمتحدة في الاممالمتحدة سوزان رايس، إلا ان الحكومة السودانية وفق تقديراتها العسكرية والسياسية (رأت) ان تدخل أبيي وتعيد الامن والسلام لها بعد ان ضربتها فوضى بعد تلك العملية التي نفذتها الحركة الشعبية ضد القوات المسلحة والقوات الدولية في مدينة أبيي.. وتعالت الاصوات الدولية مطالبة القوات المسلحة بالخروج من مدينة (أبيي) ، والغريبة ان تلك (الاصوات) لم ترتفع حينما دخلت قوات الحركة الشعبية، واعتدت على القوات المسلحة والقوات الدولية..!! ولكن من غير حياء بادٍ على وجهها طلبت الاممالمتحدة من الخرطوم سحب قواتها من أبيي رغم ان أبيي شمالية بكل الوثائق وان الخيار لأهلها بعد الاستفتاء الخاص بها ان ارادوا الشمال ذهبوا اليه، وان اختاروا الجنوب ، فالخير فيما اختاروا... ولكن يبدو ان الاممالمتحدة والتي غابت تماما وغضت الطرف عن دخول القوات الامريكية الى العراق جاءت ومن غير ماء وجه تطلب سحب القوات المسلحة من (أبيي) رغم ان أبيي شمالية وعلى القوات المسلحة اعادة الامن والاستقرار لها من أي اعتداء.. ولكن حكمة الحكومة السودانية في هذا الامر لم تترك ثغرة واحدة تنفذ منها المخططات الامريكية، عبر (أبيي) وها هي اليوم تفتح الحركة الشعبية نافذة جديدة في جنوب كردفان تجر الحكومة ومن خلفها القوات المسلحة الى (فخ) جديد يمكن (اليد) الدولية للوصول الى منطقة جديدة في السودان وهي جنوب كردفان ، خاصة وان الملف السوداني في نظر الولاياتالمتحدة والدول الغربية ملئ بالتهم الكبيرة مثل الارهاب والابادة الجماعية وتهجير المواطنين وغيرها من التهم التي دبج بها السيد (اوكامبو) عريضته لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي ومن خلال هذه النافذة تريد الولاياتالمتحدة ان تجعل من السودان (عراقا جديدا) لتضمن سلامة الدولة الجديدة في جنوب السودان وتحاول ان تضع كل الحواجز من اجل تلاقٍ جديد بين الشمال والجنوب..!! وتحاول من خلال الاحداث الاخيرة في (أبيي) وجنوب كردفان بالاضافة الى الاتهامات السابقة، تريد الولاياتالمتحدة وبموافقة الاممالمتحدة هذه المرة ان تجعل من الرئيس السوداني عمر البشير (صدام) افريقيا.. حتى تحقق اهدافا مثل تلك التي حققتها في العراق بأن تضمن ان النفط في الجنوب سيكون (خالصا) سائغا شرابه للامريكان دون اهل الجنوب الذين يعانون من (المرض، الفقر، الجهل)، اعداء الانسانية... وتضمن لاسرائيل تحقيق حلمها في ان تمتد دولتها من (الفرات) الى (النيل) ، وبالتالي فان ازاحة البشير باسباب قانونية دولية وبموافقة الاممالمتحدة هو المخطط، خاصة وان الامين العام للامم المتحدة (بان كي مون) يبحث عن ولاية ثانية، وقد لا يتحقق له هذا الامر إلا بانجاز كبير يحقق للولايات المتحدة هدفا كبيرا وبالتالي تدعم رغبته في الولاية الثانية.. ولهذا السبب طالبت الاممالمتحدة بسحب القوات المسلحة من أبيي ،ولهذا السبب ستواصل اصدار المزيد من التصريحات والقرارات الى ان تصل الى تنفيذ الفصل السابع مستلهمة الاتهامات (القديمة) والتطورات (الحديثة) حتى يجد السودان نفسه محاطا بالقوات الدولية من كل جانب بحجة حماية المدنيين..!!!