قضينا ساعات أمس في ولاية القضارف بلا غبار وأتربة، حيث غادرنا الخرطوم صباحا برفقة وزير الدولة بوزارة الكهرباء والسدود محمد الحسن الحضري لتدشين مطار الشوك الجديد الذي غطى الجدل حول غابة الفيل بعد قرار رئاسي بتخصيص 428 فداناً لتشييده على تقييم جدواه الاقتصادية والأمنية والاجتماعية،وهبطت الطائرة التي يقودها الكابتن اللواء صلاح عبد الخالق بسلام وسط فرحة مواطني المنطقة ومسؤولي ولايتي القضارف وكسلا. وعندما شاهدت غابة الفيل التي تبلغ مساحتها 124 ألف فدان وأشجارها الشاحبة المتناثرة جالت بخاطري تساؤلات حول دوافع «الضجة» التي رافقت تخصيص مساحة أقل من واحد في المائة لمدرج المطار،ومعروف أن الغابة كانت مساحتها 154 ألف فدان، ولكن في الثمانينات استقطع منها 30 ألف فدان لمشروعات إعاشة اللاجئين،وظلت تزرع بمحصول السمسم ،وصارت الغابة محمية قومية لا يتم التصرف فيها إلا بقرار رئاسي ، وتقع ثلثا مساحة المدرج خارج الغابة وما قطع من أشجار 70 فدانا،وسيخدم المطار بجانب نقل الركاب تصدير منتجات الولاية الزراعية والحيوانية وتشجيع السياحة بعد اكتمال سدي أعالي نهر عطبرة وستيت. وقد فارقنا احباطات الخرطوم وهمهمات مجالسها السياسية لدى زيارتنا لشباب سودانيين ينهمكون في الأعمال التحضيرية لسدي أعالي نهر عطبرة وستيت اللذين يفصل بينهما أقل من كيلومترين، وأصدقاء صينيين يعملون على مدار اليوم لانجاز مهامهم،ومواطنين يتقافزون فرحا لقرب اكتمال جسرين على النهرين، كان عبور المنطقتين يكلفهما رهقا ووقتا ومغامرة بحياتهم خلال الخريف والفيضان،وتقترب أعمال السدين من حجم سد مروي إذ تنفذهما شركتان مما يزيد من المنافسة في انجازهما خلال الفترة المحددة، خصوصا ان نحو 80 في المائة من تمويلهما الذي يكلف أكثر من 800 مليون دولار يكاد يكون متوفرا من مؤسسات التمويل والصناديق،واعتقد أن الإسراع بإنشاء السدين يوفر كثيرا ويحقق مكاسب جمة وستتجاوز ثمارهما الشرق إلى البلاد عامة،ولعل بعض خبرائنا لا يزالون يعتصرهم الألم في تأخير تعلية الروصيرص منذ السبعينات حيث كانت تكلف وقتئذ 13 مليون دولار وحاليا 400 مليون دولار. من القضايا الحساسة المرتبطة بإنشاء السدين هي إعادة توطين أكثر من 33 ألف أسرة ستتأثر بالسدين ، منهم 25 ألف أسرة يتوزعون على محليتي الفشقة والقريشة، ونحو 8 آلاف أسرة في منطقة ود الحليو. ولإدارة السدود تجربتان في إعادة توطين المتأثرين بسد مروي وتعلية خزان الروصيرص يمكن الاستفادة منهما في تجاوز السلبيات التي جابهتهما وكلفت الكثير وجراحا لم تندمل. بعد انتهاء مهمتنا تعطلنا ساعتين هناك في انتظار فتح مطار الخرطوم أمام الملاحة بعد ما أغلق بسبب الأتربة وتدني مدى الرؤية، ولكن الحضري قال توكلوا على الله، والكابتن البارع اللواء صلاح عبد الخالق غامر واستطاع ببراعة وشجاعة نادرتين الهبوط بسلام في الخرطوم،وبعد هبوطنا قال الحضري نرجو أن تكون رحلتنا المقبلة إلى القدس بهذه الروح والشجاعة ،لكن يا أخوي الحضري أنا انسحبت من رحلتكم المقبلة، وسأكون معكم في طول بلد المليون ميل مربع وعرضها حتى بعد الانفصال،وستظل موحدة في وجداننا وقلوبنا ... منقو لا عاش من فصلنا..