أعلن مؤخرا عن مضاعفة السقف الأعلى لحجم تمويل عمليات التمويل الأصغر من 10 ألف إلى 20 ألف جنيه سوداني. ولاندرى على أي أسس أو دراسات قام بها بنك السودان المركزي قادته لإتخاذ هذا الإجراء، أم أن ذلك تم نتيجة لضغوط من المصارف، الذين يحبذون التمويل بمبالغ كبيرة نظرا لعلو تكلفة العمليات التمويلية الصغيرة ولإرتفاع أرباح العمليات التمويلية الكبيرة. وربما يرى المصرفيون وجزء كبير من طالبي التمويل الأصغر أو حتى بعض المتخصصين والمهتمين بأمر التمويل الأصغر بأن هذا الامر نقلة للأمام. بيد أننا لا نرى ذلك بل على العكس نرى أن رفع سقف العمليات يهدم الفكرة الاصلية التى قامت ومازالت يقوم عليها التمويل الأصغر والتى تتلخص في التمويل بمبالغ مالية ضعيفة وبشروط سهلة الإستيفاء، ولا أقول شروط بها حوافز، علما بأن هذا النوع من التمويل ينبغي أن يكون مربحا ومستداما للجهة المانحة ويؤدى الغرض المطلوب للزبائن. وللقارئ غير المتخصص نوضح هنا أن التمويل الأصغر قد يعني أي شيء يتراوح ما بين حفنة من أموال الصدقات التي يوزعها رجل دين في قرية ما وما تقدمه البنوك الحكومية ،والخاصة وإتحادات الإقراض لعملائها الأقل تأثيراً والفقراء النشيطين إقتصاديا غير القادرين على الحصول على الخدمات التي تقدمها مؤسسات مالية رسمية، وذلك بهدف التغلب على أحد المعوقات الرئيسية التي يواجهها الفقراء في جميع أنحاء العالم ألا وهي ندرة الفرص للحصول على قروض وعلى الخدمات المصرفية الأخرى والتي تقدم من خلال النظم المصرفية الرسمية. والتعريف الشامل للتمويل الأصغر هو برنامج لتقديم القروض صغيرة الحجم للفقراء للدخول في مشروعات مدرة للدخل من أجل توفير سبل المعيشة لهم ولأسرتهم. ولايشمل تعريف الفقراء الأسر الأفقر على المستوى الأدنى بنسبة 10% ممن يفتقدون التدفق النقدي المنتظم لخدمة الدين، ومعظم الفقراء المتعاملين بالتمويل الأصغر يقعون في المستوى الأقل من مستوى النصف الأدنى من إجمالي الفقراء في المجتمع، ومعظمم هؤلاء من النساء. ويقدم التمويل الأصغر خدماته المالية للذين ليس لهم دخول أو ذوي الموارد المالية الضعيفة بما في ذلك المستهلكين والذين يعملون لحسابهم الخاص والذين لايجدون فرصا للتمويل المؤسسي والخدمات المصاحبة له (بإستثناء أصحاب الأجور) والذين ينشئون مشروعات متناهية الصغر كالباعة المتجولين وصغار التجار وصغار الحرفيين ومقدمي الخدمات وغيرهم من أصحاب المهن الصغيرة والذين ليس لديهم ضمانات عينية أو ضعيفي الضمانات. وحجم التمويل الأصغر الذي تمنحه مؤسسات التمويل الصغير عالميا يختلف بإختلاف هذه المؤسسات، ولكنه في الغالب صغير ، و في المتوسط أقل من 005 دولار أمريكي. والمتتبع لسياسات التمويل الأصغر المصرفية في السودان يلاحظ أن هذا القرار أتى في ظل فيه عدم إيفاء المصارف بالنسبة المقررة لها لعميات التمويل الأصغر من إجمالي التمويل والبالغة 12%، علما بأن النسبة المحققة في عمليات التمويل الأصغر لاتزيد عن 2% فقط في أغلب المصارف. ويأتي هذا القرار أيضا في ظل إصرار هذه المصارف على تمويل أغلب العمليات بنسبة 100% من السقف المقرر لها والذي كان يبلغ 10 ألف جنيه سوداني، علما بأن هذا المبلغ يعادل أكثر من 3 ألف دولار أمريكي في الوقت الذي لم يزد فيه حجم تمويل العملية عالميا بأكثر من 500 دولار أمريكي. وأكبر مشكلات التمويل الأصغر في السودان تتمثل في غياب الإلتزام بنسب التمويل الأصغر التى يحددها بنك السودان المركزي علما بأن الكثير من مسؤولي المصارف الإسلامية (والسودان ليس حالة خاصة) يعتبرون التمويل الأصغر خارج إطار مهام مؤسساتهم ولذلك يفتقرون إلى الحماس اللازم للمشاركة في أو تبني أنشطة التمويل الأصغر. وربما كان هذا واحدا من الأسباب التى شجعت بنك السودان المركزي على زيادة سقف حجم العمليات لرفع النسبة المقررة إلى حدود أفضل من الحدود الحالية الضعيفة. وربما يقول قائل بأن زيادة سقف حجم العمليات لن تؤثر على قرارات المصارف بشأن العمليات الصغيرة على المستوى القاعدى، ولكن وبحجم التجربة ووجود الحافزنحو تحقيق أكبر ربح ممكن من العمليات الممولة تحت بند التمويل الأصغر فاننا لانشك بأن المصارف (كما عودتنا دائما) ستلجأ إلى تمويل أغلب عمليات التمويل الأصغر بمبالغ تصل أو تقارب 20 ألف جنيه، وسترتفع أحجام العمليات على المستوى الأدنى لتصل إلى مالايقل عن 10 ألف جنيه وسوف تحجم المصارف عن تمويل أية عمليات في حدود 3-5 ألف جنيه أو أقل بحجج كثيرة، إلا في حالات خاصة، علما بأن دراسة موثوق فيها قام بها باحث سوداني متخصص في مجال التمويل الأصغر توصلت إلى أن نسب عالية من الزبائن المبحوثين يرغبون في تمويل أصغر في حدود 1000 دولار أمريكي، أي مايعادل نحو 3 مليون جنيه سوداني. وهذه النتيجة يمكن تعميمها على المستوى القومي كحجم للتمويل المرغوب فيه من قبل الزبائن. وربما يرى آخرون أن هذا القرار قرار صائب وربما يحتاج لقرار آخر يمكن في تحديد نسبة قد تصل إلى 50% من حجم التمويل الأصغر بالمصارف إلى العمليات على المستوى القاعدى مع تحديد حجم العمليات بما لايزيد عن 3-5 ألف جنيه مثلا، إلا أننا لانتفق مع هذا الطرح أيضا بحجة أن كثرة التوجيهات والعمليات التنظيمية والتحكم الإدارى ليست سياسات مناسبة أيضا، كما أنه يعني أيضا أننا قلصنا أعداد المستفيدين من التمويل الأصغر إلى النصف لصالح فئات لم تكن أصلا داخله ضمن هذه الشريحة المستهدفة إستهدافا خاصا، وبمبررات غير منطقية وغير عملية. خلاصة القول إن هذا القرار قد يعني أننا لم نعد نلتزم (وفي إصرار المصارف على تمويل هذه العمليات بنسبة 100% من السقف)، بالتعامل مع حاجيات أصحاب العمليات على المستوى القاعدى. وهذه النوع من التمويل القاعدي يمثل الجهة المستهدفة أصلا من عمليات التمويل الأصغر عالميا. كما أننا وبهذا الإجراء نشجع المصارف على تحويل عمليات التمويل الأصغر من عمليات صغيرة إلى عمليات متوسطة نسبيا مما يساعدها على الإستيفاء بالنسبة المقررة في عدد عمليات أقل مما هو حاصل اليوم مع ضمان أرباح أكثر من رأس المال الممول لهذه العمليات. كما يأتي هذا الإجراء متناقضا لما صرح به بنك السودان المركزي بأنه بصدد إصدار إطار رقابي خاص بالتمويل الأصغر بهدف الوصول إلى نسبة 99% من الفقراء النشطين بحلول العام 2020، ورفع نسبة النساء المستفيدات من15% إلى 50% بحلول العام 2011م، وضم القطاع غير الرسمي إلى القطاع المالي، الذي يعني الإهتمام بالتمويل الأصغر على المستوى القاعدي الذين يمثلون النسبة الأعظم من الفقراء النشطين إقتصاديا. التحليل الاقتصادي analyse economique جزء من علم الاقتصاد أو الاقتصاد السياسي، يتناول دراسة العلاقات التابعية بين الظواهر، أي العلاقات السببية بين الظواهر الاقتصادية. يقوم منهج التحليل الاقتصادي على أساس إعادة الظاهرة الاقتصادية إلى عناصرها البسيطة التي يمكن فهمها بيسر أكثر من فهم الظاهرة بكليتها، ومن ثم صوغ الفرضية التفسيرية لهذه الظاهرة على أساس العلاقة التابعية أو السببية. * خبير تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتمويل الأصغر.