* روَّعت مدينة شمبات العريقة بالرحيل المفاجئ للشيخ عبد الرحمن الشيخ زين العابدين الشيخ الحسن.. وتقاطرت الجموع الغفيرة لتقديم واجب العزاء لشقيقه الشيخ الشعراني الشيخ زين العابدين وكلهم أحق بالعزاء.. ولا عجب فهذا البيت الكبير تهفو إليه الأفئدة ويجتمع فيه الأحبة يتدارسون القرآن والفقه والأذكار ويصلون الأرحام ويكفلون الأيتام ويطعمون الطعام ويقيمون بالليل والناس نيام وسيدخلون الجنة إن شاء الله بسلام. * وفي مجلس العزاء رفع احد المعزين الفاتحة قائلاً: «الفاتحة يا مشايخ» فداعبه أحد الحضور قائلاً : «مشايخ أم شيوخ» ،ودار نقاش لغوي لطيف أضفى عليه الشاب الشيخ محمد الشيخ حسن الفاتح قريب الله سؤالاً « مشايخ أم شيوخ أم أشياخ» وتداخل معه مولانا عبد المنعم الزين النحاس ولم يتفق الحضور على رأي واحد وكلهم فيما اعتقد كان على صواب.. فالشيخ هو الذي استبانت فيه السِّنُّ وظهر عليه الشيب.. وقيل هو شيخ من خمسين إلى آخر عمره.. وقيل هو من الخمسين إلى الثمانين والجمع أشياخٌ.. وشِيخانٌ.. وشيوخٌ.. وشِيَخَهٌ.. ومشيخةٌ.. ومشايخ.. وفي الحديث ذِكرُ شِيخانِ قريش جمع شيخ كضيفٍ وضيفانٍ والأنثى شيخه.. وقد شاخَ يشيخُ شيخاً «بالتحريك» وشيوخهً وشيخوخةً فهو شيخ. * وشِيَّختُهُ دَعَوتُهُ شيخاً للتبجيل.. وأشياخ النجوم هي الدراري وهي الكواكب الثابتة التي لا تنزل في منازل القمر وهي المسماة بنجوم الأخذ.. وشجرة الشيوخ التي تُثمر العُصفُر. واحدتها شيخه.. والشيخ في الحركة الإسلامية السودانية قبل المفاصلة كانت وقفاً على الدكتور حسن عبد الله الترابي إلا إذا اقترنت باسم محدد فإذا قال احد الإخوان «الشيخ» قال أو فعل أو ترك فهو يعني شيخ حسن.. والأستاذ علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية لا يحب أن ينادى «بشيخ علي» بالرغم من استحقاقه للتبجيل لفضله وزهده وجهده وكسبه.. ثم صارت لفظة شيخ متداولة سياسياً على الأقل لمعظم منسوبي الحركة الإسلامية.. ويختص السادة البرهانية بلفظ «عم الشيخ» ينادون بها بعضهم البعض .. محبةً واحتراماً .. كما أن الشيخ مصطفى الأمين تغمده بواسع رحمته يناديه أبناؤه وزملاؤه في دنيا المال والأعمال باسمه الأول مجرداً فيقولون عنه «الشيخ» وهو اسمه الأول لا لقبه وقد كان علماً ومعلماً طبقت شهرته الآفاق وساهم بسهم وافر في اقتصاد بلادنا وفي مسيرة التعليم الأهلي خاصةً والتعليم عامةً حتى استحق الدكتوراه الفخرية من جامعة الخرطوم.. وقد فقدنا بالأمس ابنه المغفور له بإذن الله عثمان الشيخ مصطفى الأمين والذي كانت داره مثابة لكل أهله خاصةً ولكل أهل السودان عامةً وهو العضو الدائم والفاعل معنا في اللجنة القومية العليا لطريق التحدي الجيلي شنديعطبره هيا في أوانٍ عزَّ فيه المال والرجال،وكان عثمان الشيخ حاضراً دائماً بفكره وجهده وماله .. وكان يجمعنا في منزله العامر ويخدمنا حافي الإقدام حاسر الرأس كرماً وحفاوةً مع طيب معشره وحلو حديثه وسعة افقه ورحابة صدره .. وقد فقدت دار جعل بفقده ركناً ركيناً نسأل الله أن يجعل البركة في عقبه إلى يوم الدين .. وقد شهدت تشييعه وأيام وليالي مأتمه فكانت دلالة قاطعة على مكانته في نفوس أهل السودان جميعاً .. وتحزَّم أهله المحمداب ووقفوا على راحة ضيوفهم من المعزين وتقدَّم للصلاة عليه السيد المشير عمر حسن البشير رئيس الجمهورية مساء ذلك السبت الحزين بمقابر البكري حيث مدافن الأسرة بأم درمان .. وشهد الصلاة والتشييع الشيخ حسن الترابي .. حتى قال البعض إن عثمان يجمع الأشتات حياً وميتاً.. رحمه الله رحمةً واسعةً وجعل الجنة متقلبة ومثواه. * من المواقف الكبيرة التي يحفظها العالمون ببواطن الأمور ان عثمان الشيخ سدد من مديونية الخطوط البحرية عشرة ملايين دولار حفاظاً على علم البلاد الذي تحمله السفن السودانية من أن ينزل من على ساريتها .. وكان عثمان الشيخ شديد الاهتمام بالمتمة وقد قامت على أكتافه رئاسة المحلية بالمتمة ضمن جهود اللجنة الشعبية لتطوير ولاية نهر النيل .. مع تواضعه الشديد وزهده في الإعلام . * في إحدى المرات اتجه بعربته إلى شندي ليعبر بالبنطون إلى المتمة ووجد البنطون معطلاً.. واستدار ليعود من حيث أتى فنادته امرأة: يا عثمان ما عيب عليكم انتو قاعدين ونحن دايرين نغرق في المراكب، فنزل من عربته وافترش المصلاية وحلف طلاق ما يقوم من الواطه حتى يصلح عطل البنطون، وأرسل عربته لطلب المهندسين ودفع لهم مكافآت مجزية تعادل مرتباتهم الشهرية ودفع لامرأة متضررة من عطل البنطون كامل خسارتها .. وكان يجلس مع الخفراء في البناية الضخمة التي يملكها في شارع الجمهورية حتى لتحسبه انه منهم.. لن أستطيع تعداد مآثره في هذا الحيز .. صديقي الذي أحزنني فقده.. لا حول ولا قوة إلا بالله .. إنا لله وإنا إليه راجعون «وليحمل أبناؤه الراية من بعده « وهذا هو المفروض