العملية العسكرية الجارية في ولاية جنوب كردفان التي نفذتها الحركة الشعبية لتحرير السودان، أبانت الغباء السياسي والعسكري لقيادات الحركة الشعبية، إذ وضح جليَّاً أن ما قامت به الحركة الشعبية كان مجرد مغامرة عسكرية غير محسوبة المآلات والنتائج، وأظهرت ضعفاً في تحليل الواقع السياسي للسودان، وأن الرهان الذي بنت عليه الحركة خطوتها هذه هو رهان خاسر منذ البداية، فماذا أرادت الحركة من وراء خطوتها هذي؟ وهل قرأت الحركة ممثلة في جناح عبد العزيز الحلو ومن سايره إشارات المجتمع الدولي قراءة خاطئة؟ ومن هو المستفيد الأكبر من هذه العملية؟ والمتابع لواقع ولاية جنوب كردفان والحراك السياسي فيها منذ توقيع اتفاقية نيفاشا في عام 2005م، يجد أن حظوظ التعايش والاستقرار السياسي متوفرة في الولاية، خاصة وهي أول منطقة تم فيها السلام، ومن ثم اكتملت العملية السلمية في السودان، وكذلك أنها الولاية التي شهدت استقراراً سياسياً وتوافقاً في العملية السياسية بين الشريكين، خاصة الفترة التي حكمها فيها مولانا أحمد محمد هارون والفريق عبد العزيز آدم الحلو، مما كانت نموذجاً رائعاً جعل المراقبين والساعيين لاستدامة السلام يطالبون بتعميمه على بقية أرجاء الوطن، هذا النموذج الذي ساهم كثيراً في إشاعة السلام والطمأنينة بين مكونات النسيج الاجتماعي للولاية، وأعطى الشريكين دفعة لتنفيذ عدد من المشروعات الخدمية والتنموية في الولاية، مما عاد على المواطن بالنفع الكبير، وجعله يتطلع لمستقبل مشرق في ظل التوافق بين الشريكين، وهذا ما جعل مولانا هارون مرشح المؤتمر الوطني لمنصب الوالي يضمن برنامجه الانتخابي عرضاً بمنح الحركة الشعبية منصب نائب الوالي إذا فاز بالانتخابات، وهذا ما تحقق، ولكن الحركة الشعبية سارعت اولاً بإعلان فوزها بمنصب الوالي قبل أن يتم تجميع الأصوات وإعلانها، ومن ثم قاطعت عمليات حضور تجميع أصوات الناخبين المرسلة من المراكز إلى الرئاسة، في عملية مكشوفة عرف عنها محاولة استباق إعلان النتائج في اتهام للمؤتمر الوطني بتزوير الانتخابات، وذلك بعد أن تيقنت من خسارتها لمنصب الوالي بعد إعلان نتائج المراكز التي شاركت فيها بفعالية منذ البداية حتى إعلان النتائج. فهل ما قامت به الحركة من هجوم في جنوب كردفان يصب في مصلحتها أم يرمي بها في المصير المجهول ويفقدها ما حققته من مكاسب من عملية السلام؟ إن الإجابة على السؤال أعلاه لا تحتاج منا لكثير عناء، خاصة أن كل الدلائل والشواهد متوفرة للعيان الذي في نفسه بصيرة، فإن الحركة قد حققت من خلال عملية السلام مكاسب لم تكن تحلم بها أثناء فترات القتال. وتمثل ذلك في الآتي: ٭ نالت الحركة اعترافاً شعبياً ورسمياً من كافة شرائح المجتمع، وتحولت من حركة تمرد عنصرية وجهوية إلى حركة قومية التحق بصفوفها أبناء شمال السودان. ٭ شاركت الحركة وبفعالية في إدارة ولاية جنوب كردفان من خلال حكومة الشراكة بينها وبين المؤتمر الوطني. ٭ نالت الحركة في انتخابات جنوب كردفان الحالية «21» مقعداً من مقاعد المجلس التشريعي البالغة «54» مقعداً، مما يجعلها في المرتبة الثانية بعد المؤتمر الوطني. ٭ هناك وعد من مولانا أحمد محمد هارون بإعطائها منصب نائب الوالي. ٭ هناك تمدد للحركة خارج جبال النوبة كما في المنطقة الغربية للولاية. فما هي فائدة الحركة من خطوتها الحالية التي تمثلت في شنها الحرب في جنوب كردفان؟ وأبرز ما حاق بالحركة جراء مغامرتها الحالية تمثل في الآتي: ٭ بروز انشقاق خطير في صفوفها، وذلك بخروج قيادات مؤثرة ورفضها لخطوة الحلو، مثل خميس جلاب ودانيال كودي وكانجلا وتابيتا بطرس. ٭ رفض قطاعات واسعة من جيش الحركة المشاركة في الحرب، وإعلان رفضهم العودة لمربع الحرب، ومطالبتهم بمحاكمة الحلو باعتياره مجرم حرب. ٭ فقدانها السند الشعبي والقانوني في حربها الحالية، مما حولها إلى معتدٍ يطالب الكل بحسمها بكل الوسائل المتاحة. ٭ فقدان الموقع السياسي المشارك في السلطة. وهكذا نجد أن الحركة الشعبية خسرت خسارة كبيرة جداً من معركتها الحالية، فهي قد انتحرت سياسياً وهُزِمَت عسكرياً في جنوب كردفان، فضلاً عن خسارتها الدعم الدولي في موقفها الراهن لأنها راهنت على كروت خاسرة، إذ أنها قد راهنت على إمكانية سيطرتها على مناطق واسعة من الولاية، وبالتالي تفرض على المؤتمر الوطني إرادتها والفوز بمنصب الوالي من خلال فوهة البندقية، كما أننا نعتقد أنها فهمت الإشارات الدولية بشكل مغلوط، حيث رأت أن المجتمع الدولي قد يتدخل إلى جانبها، وقد يصدر مجلس الأمن قراراً بتمديد فترة بعثة الأممالمتحدة في السودان «يونمس» أو إنشاء بعثة جديدة تحت الفصل السابع، وهذا ما يمكن قراءته من خلال تصريحات سفيرة أمريكا في مجلس الأمن بعد زيارتها الأخيرة للسودان. وبهذا فإن السيد عبد العزيز آدم الحلو قد نحر الحركة الشعبية في جنوب كردفان وانتحر شخصياً، حيث تحول من قائد محرر إلى مجرم حرب مطلوب للعدالة، وهذا ما قال به بعض مؤيديه من منتسبي الحركة الشعبية في الولاية.