صرحت السيدة كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية بأن على أفريقيا أن تنتبه قبل أن يستعمرها الصينيون، وهي في ذلك تشير إلى تزايد التعاون الصيني الأفريقي الذي كان السودان أكبر أقطار أفريقيا تطبيقاً له. لا عجب أن تخاف أمريكا من تنامي القوة الاقتصادية الصينية الداخلة الآن إلى أفريقيا، فالاعلام الغربي الآن يبث صراحةً أن الصين قادمة، وأنها هي التي ستقلب موازين القوى في العالم، وأنها تزحف بخطى ثابتة نحو أن تكون الاقتصاد الأول في الدنيا. والصين إلى ذلك قوة عسكرية ضاربة، وقوة ثقافية ذات جذور أقدم من جذور أثينا وروما القديمتين اللتين تنتمي إليهما الحضارة الغربية ثقافياً. ويكفي أن الصين قد صنعت الورق وولدت كنفشيوس! والانقلاب على الصين ب «بوستريكا» كالتي حدثت في روسيا أمر شبه مستحيل، فليس بين الصين والغرب ما بين روسيا والغرب من الوشائح الدينية والثقافية والتاريخية التي تجعل تحريك هذه الأشياء المشتركة بالسهولة التي حدث بها تبديل الحال في روسيا، فالغربيون والأمريكان يواجهون في شخص الصين عدواً أجنبياً صعب المراس لا ينفع معه تحريك الكنيسة ولا اللعب على وتر الديمقراطية، ولا تتحرك أشجان صدره بالألم ولا تمتلئ عيونه بالدموع إذا دغدغوا له عاطفة الهولوكوست المزعزم ضد اليهود. هذه الفيل الضخم الأصم يتجه الآن نحو إبادة خضراء الموارد الأولية التي كان الغربيون يأكلونها هنيئاً مريئاً في أفريقيا نهباً وشراءً بخساً وخداعاً و«سلفقة»، والآن هم أمام أمرين: أصحاب هذه الموارد والذين عرفوا قيمة مواردهم، ومشترٍ آخر يريد أن يشتري في وضح النهار باتفاقات بينة ليس فيها غاش أو مغشوش... إلا ما كان من بعض الشروط التي قد تكون جائرة إلى حد ما في رفع سعر الإدارة التقنية لهذه الموارد الأمر المعدوم لدى الأفارقة.. ولكن مهما بلغ جور تلك الشروط فلن يكون قريباً من السرقة الامبرالية الغربية لتلك الموارد من أفريقيا في الزمان السابق. ولا بد لأمريكا رائدة الغرب أن تصرخ، فما قد كان غنيمة باردة في الماضي للغرب قد أصبح له مالك واعٍ ومشترٍ يكاد يعطي قريباً من سعر السوق، ويتكلم إلى جانب شراء المواد الأولية عن التنمية والتصنيع ومحاربة الفقر وشق الطرق والانحياز للفقراء.. هذا ليس منافساً هذا عدو يعمد نحو حلقوم الغرب يريد أن يقطعه..!! والأفارقة عموماً والعرب منهم والمسلمون على وجه الخصوص قد يفضلون الصين، أو إذا أردنا أن نستعمل المصطلح الذي استعملته مسز كلينتون «الاستعمار الصيني» على «الاستعمار الغربي الأمريكي»، وقد يقولون: ليست للصين سابق تجربة استعمارية علينا، لم ندخل مع الصين في حروب صليبية، لم تكن الصين هي التي أقامت إسرائيل، وليست هي التي تستميت في تحقيق أمنها، ولم تحتل الصين العراق ولا أفغانستان، ولم تكن الصين هي التي أعلنت الحرب على الإرهاب مما فهم منه كثير من العرب والمسلمين أنهم إنما أعلنوا الحرب على «الإسلام». ولم تستغل الصين منبر الأممالمتحدة وخاصة مجلس الأمن ومحكمة الجنايات الدولية في العدوان علينا واحتلال بلادنا وإضعاف حكوماتنا، وليست الصين هي التي أغرقت كاهلنا بالديون وفوائدها عن طريق صندوق النقد الدولي. وإذا سلمنا جدلاً بأن الصين مستعمر جديد لأفريقيا، فإن الأفارقة قد يفضلونها على المستعمر القديم الذي ذاقوا منه من الشرور ما ذكرنا آنفاً. قد يكون المستعمر الجديد جشعاً ومخادعاً ومستغلاً لثغرات الضعف المعروفة في البنية الأفريقية، ولكنه على الأقل لن يأكل وحده كما رأينا عند المستعمرين السابقين.