بعد مخاض عسير ومحادثات بدأت منذ 12 يونيو الجاري بين الرئيس عمر البشير ونائبه الأول رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت، وقع حزب المؤتمر الوطني وشركاؤه المفارقون في «الحركة الشعبية « والمفارق عينه قوية اتفاقا في أديس أبابا أمس ينص على جعل منطقة أبيي منزوعة السلاح وسحب القوات المسلحة شمالا، والجيش الشعبي جنوب خط 1956، ونشر قوة اثيوبية لحفظ الأمن في المنطقة. الاتفاق لم يحسم النزاع على منطقة أبيي، وإنما هو ترتيب انتقالي ينهي المواجهات العسكرية، ويمنع الاحتكاك بين الشمال والجنوب لحين التوصل إلى حل للنزاع إما باستفتاء على مستقبل المنطقة كما نص «بروتوكول أبيي» أو عبر تسوية سياسية من بين ستة خيارات طرحها الوسيط الأفريقي ثامبو مبيكي. اتفاق أديس أبابا نزع ولو مؤقتا من يد منظمات أجنبية وقوى غربية كرتا فاعلا كانت تستخدمه للضغط على الخرطوم، وحشدت هذه القوى بقيادة السفيرة الأميركية في الأممالمتحدة سوزان رايس مواقف متشددة في مجلس الأمن الدولي كانت تتجه لإدانة الحكومة ومن ثم فرض عقوبات عليها مع استغلال الأزمة الإنسانية ونزوح عشرات الآلاف من المنطقة، وتصوير ما جرى باعتباره جرائم حرب لمخاطبة الضمير الغربي، وتهيئة الرأي العام العالمي لأي تطورات لاحقة مرتبطة بالملف. وثيقة أديس أبابا لم تحقق لكل طرف ما يريده وقدمت الحركة الشعبية تنازلات بائنة، فأبناء ابيي في الحركة الذين يرتبط مصيرهم السياسي بمستقبل المنطقة وسيتأثر وضعهم في دولة الجنوب الوليدة ارتضوا أن تكون أبيي بلا هوية خلال المرحلة المقبلة وبالطبع لن يحسم النزاع قبل الانفصال في 9 يوليو المقبل، وفقدت الحركة أيضا وضعا متميزا في المنطقة وسيطرة عسكرية شبه كاملة وإدارة مدنية كانت بيدها حتى 20 مايو الماضي أي اليوم الذي سبق اجتياح القوات المسلحة المنطقة وسيطرتها على المدينة وخروج الجيش الشعبي ومليشيات ابناء أبيي جنوبا، ولم تنل انسحابا غير مشروط للجيش. أما المؤتمر الوطني فقد قدم تنازلات كذلك، فقد أكد قادته أن القوات المسلحة لن تنسحب من أبيي إلا بعد ترتيبات نهائية للنزاع، كما رفض مفاوضوه أن تكون مرجعية القوة الاثيوبية التي ستنشر في المنطقة دولية، وأن يكون هناك اتفاق ثلاثي بين الحكومة وحكومة الجنوب واثيوبيا، ولكن في الجانب الآخر كسب المؤتمر الوطني بإنهاء سيطرة الحركة الشعبية العسكرية والمدنية على المنطقة واستمرار وضعها الانتقالي باعتبارها أرضا شمالية ولو من دون وجود شمالي وهوية محايدة حتى حسم وضعها النهائي. ولكن هناك نقطة تثير التباسا فقد قال ممثل الأممالمتحدة في السودان الدبلوماسي الأريتري هايلي منقيريوس إن الأممالمتحدة «ستكون مستعدة للمساعدة على انتشار سريع للقوة الاثيوبية حالما يعطي مجلس الأمن الدولي موافقته، وعضدت ذلك السفيرة الأميركية في الأممالمتحدة سوزان رايس، التي قالت في خطاب لمجلس الأمن أمس إن الولاياتالمتحدة ستبدأ صياغة قرار لمجلس الأمن يسمح بنشر القوات الاثيوبية، ما يعني أن مرجعية الاتفاق هي الأممالمتحدة التي ستمول نشر القوات الاثيوبية وستشارك في تحديد تفويضها. مسؤول ملف ابيي بالمؤتمر الوطني الدرديري محمد أحمد ذكر في حديث بثته وكالة «سونا» أن الاتفاق نص على نشر قوات اثيوبية باتفاق منفصل عن الأممالمتحدة وبتفويض خاص يستند على الاتفاق، على ألا يتدخل مجلس الأمن في الاتفاق، ولا أدري من هو الصحيح الدرديري أم رايس ومنقريوس.؟؟. واعتقد أن الخرطوم أمامها معركة سياسية ودبلوماسية مقبلة في الأممالمتحدة، ففي أروقة مجلس الأمن الدولي مشروع قرار بشأن القوة الأممية لحفظ السلام «يونميس» يدعو إلى نشر قوة دولية بتفويض تحت الفصل السابع من ميثاق المنظمة الدولية الذي يتيح استخدام القوة في النقاط الساخنة في ولايات واراب والبحيرات وجونقلي والوحدة وشرق الاستوائية ، وعلى طول الحدود بين الشمال والجنوب التي تمتد نحو ألفي كيلومتر، وتوسيع المهمة الدولية في المناطق الثلاث «جنوب كردفان النيل الأزرق وابيي»، على أن تكون القوة الاثيوبية التي تنتشر في ابيي هي المكون العسكري ل «يونميس» وبناء هياكل وقدرات القوة الدولية بشريا وماديا بقدر كاف يمكنها من أن تكون رادعة وقادرة على التعامل مع أي تهديد، وتكون أيضا قادرة على جمع وتحليل المعلومات بدلا عن الاعتماد على الدول الغربية التي ترفض اقتسام المعلومات الاستخباراتية مع البعثة. وموقف الخرطوم المعلن حتى الآن هو إنهاء مهمة «يونميس» بحلول 9 يوليو وهو ليس ببعيد..!!