بقدر ما يختلف المواطنون بولاية البحر الأحمر على جدوى المشاريع التنموية وخطط الوالي ومنهجيته وسياسات حكومته بالولاية، يتفقون على «ود البشير» كما يحلو لأهل الولاية مناداة رئيس الجمهورية، فقد حققت الولاية أعلى نسبة تصويت للرئيس عمر البشير حينما كان مرشحاً للمنصب فى الانتخابات التى أجريت العام الماضى، وظل البشير رمزاً للاجماع وعشماً للمتظلمين بالولاية، لكن زيارة الرئيس الأخيرة للولاية أفرزت الكثير من ردود الافعال والأراء المتباينة. جملة انتقادات واجهت الزيارة خاصة من باب التكلفة المالية والتى قدرها إمام و خطيب أحد أشهر المساجد بالولاية قدر تكلفة الزيارة بما يقارب ال «مليارين» من الجنيهات «قديم» . ولم يستبعد مصدر عليم تجاوز التكلفة لهذا الحاجز المليارى خاصةً وأن الموعد المضروب قد تم تأخيره بعد أن صرف القسط الكبير من الميزانية المرصودة على البنود المستعجلة و المتمثلة فى الحشود وترحيلها من مكان الى مكان وقد صرف الجزء المخصص لهم بالكامل فالحشد المطلوب فى أكثر من موقع فى المحلية الواحدة يتطلب تجميع وترحيل المواطنين من مناطق بعيدة ومتفرقة و أحياناً من محلية الى أخرى من جملة «6» محليات مستهدفة بالزيارة ،ويضاف لذلك اعاشتهم ونثرياتهم، ويضيف المصدر : و ما يجعل التقدير منطقى هو تكلفة الضيافة لوفود المقدمة من أتيام تأمين وحراسة و مراسم واعلام ،غير تجهيز الاتيام الضخمة المحلية وذلك بشراء مستلزمات يطول تفصيلها، ثم تكلفة تجهيز الامكنة مضافا اليها التجهيزات والاعدادات لها ، هذا غير المصروفات المتعلقة بتأجير السيارات والوقود و الاتصالات واللجان العاملة ، ويستطرد المصدر قائلاً : هذا مقرون بتأجيل الزيارة لمدة اسبوع و اعادة الصرف فى ذات البنود و استمرارها ثلاثة أيام، الشئ الذى يجعل التكلفة كبيرة جداً ربما تتجاوز الرقم المذكور . وماسبق من تقدير نفاه للصحيفة وزير المالية ورئيس لجنة المال الخاصة بالزيارة الاستاذ صلاح سرالختم بقوله : ان تقدير المبلغ مبالغ فيه والتكلفة أقل من ذلك بكثير، لكن الوزير لم يحدد المبلغ صراحةً بقوله : يصعب حصر التكلفة الاجمالية الآن وذلك لعدم انتهاء البرنامج فى الوقت الذى تم فيه السؤال عنها، وفيما يختص ببنود الصرف والموارد المالية يقول سر الختم : ان اللجنه تتشكل من خبراء ومديري مصارف للتحكم فى الصرف، أما الموارد فهى من جهات خيرية و جهات شعبية ونقابية عرفت بدعمها المالى والعينى فى مثل هذه المناسبات ، و يضيف الوزير : ان الايرادات تدخل أولاً فى حساب المالية ثم يتم صرفها من هنالك . لكن الخبير فى التنمية الاقتصادية و أستاذ الاقتصاد د. طه بامكار لا يرى فائدة فى الصرف البزخى، منوهاً الى أن هنالك ما هو أهم يمكن توجيه الصرف عليه، بقوله : بغض النظر عن حجم المبلغ الذى صرف على الزيارة و مهما كانت مصادر التمويل فان هنالك من هم أحوج لذلك الصرف، ويمكن للمبلغ أن يعول عدداً من الأسر ويخرجها من خط الفقر الى دوائر الانتاج و دعم الاقتصاد بالولاية أو يمكن صرفه لدعم الخدمات فى المناطق التى تحتاجها . ويضيف د. بامكار مبرراً بقوله : ان الزيارة لم يكن فيها جديد يذكر فكل المشاريع عادية وهى ضمن الخدمات الاساسية التى يستحقها الانسان . ويذهب الكاتب والصحفى الاستاذ إيهاب محمد نصر الى أن ماتم من افتتاحات لا يستحق الزخم المصاحب لها ، ويقول : باستثناء مشروع الحرفيين فان بقية المشاريع عبارة عن «زحمة» برنامج و بمزيد من التدقيق نجد أن بعض الافتتاحات تمت لمشاريع مجهولة التفاصيل من حيث لا يعرف طاقتها الانتاجية وعدد المستفيدين منها ككهرباء محلية «درديب» وغيرها من المشاريع المشابهة والظاهر منها فقط المدرسة و مبنى المحلية، ويضيف نصر : ان الطريق الداخلي بمدينة بورتسودان أعيد رصفه من باب الصيانة، مناسبة لاتستحق استقدام رئيس الجمهورية، وكذلك مطاعم السمك، وانارة الطرق ينطبق عليها الشئ نفسه . ويحذر الاستاذ ايهاب نصر من خطورة أن ترسل الزيارة رسائل خاطئة لأطراف التنافس السياسى داخل الحزب الحاكم بالولاية، بقوله : ربما تكون الزيارة خيراً على الولاية وربما غير ذلك فربما تكون النهاية غير سعيدة اذا ما فهم من زيارة السيد الرئيس تأييداً مطلقاً ل«إيلا» دون أن يعير المحتجين على سياساته الاقصائية حسب رؤيتهم ودون النظر لمذكرة «الامرأر» أو اعتراضات «البنى عامر» و «الهدندوة» وغيرهم من مكونات الولاية الاجتماعية، و يقول مردفاً : وقد يرى البعض أن الزيارة قد تعطى السيد «إيلا» شحنة معنوية تمكنه من الرد على خصومه . محطة خصوم «إيلا» هى المحطة التى لايمكن لقطارنا المغادرة دون الوقوف عندها ، الاستاذ أحمد كرار الامين العام لمذكرة الامرأر اعترض على هذه التسمية بقوله: نحن لسنا خصوما لأحد بقدر ما اننا نطالب برفع الظلم والضيم والتهميش عن مناطقنا و أهلنا . لكنه لم ينف تنظيم عمل احتجاجي سلمي من خلال إسماع الرئيس صوت المتضررين من سياسات السيد «إيلا» و لتصل شكوى المتضررين الى الرئيس الذى انتخبوه بأغلبية ساحقة . ويضيف كرار : ان الحشود التى التقت الرئيس كانت «مصنوعة» والدليل على ذلك أن جماهيرنا منعت من الدخول وحرمت من لقاءات الرئيس وتم احتجاز عدد من شبابنا لفترات قصيرة وكل العربات التى تصل أماكن الحشد يتم تفتيشها بدقة حتى لايتسرب صوت مضاد لمنهج «إيلا» . ويختم كرار حديثه بمناشدة الرئيس بقوله: كل الأمل فى أن يسمع ويصغى السيد رئيس الجمهورية لمظالم أهله فى وسط الولاية وجنوبها و أن يقف على معاناتهم. اختتم رئيس الجمهورية زيارته لولاية البحرالأحمر فى أجواء متباينة كتباين الاراء فى الزيارة، وبينما يرى البعض ان المشاريع التى أقيمت فى غرب الولاية و شمالها أقل مما يستحقه مواطنها لأن الظلم والتهميش والعزلة فى جنوب ووسط الولاية ليس هو الثمن المناسب الذى يجازى به مواطن تلك الأصقاع، يرى آخرون ان المشاريع المنفذة خطوة للأمام، مشيرين الى ان الشرق موعود بالتنمية على اكثر من صعيد سواء كان ذلك عبر صندوق الاعمار أو عبر وعود الرئيس البشير التي اطلقها على الملا ، ويرى مراقبون ان ما زرعه «إيلا» فى البحر الأحمر على مسار الدولة والمجتمع قطعاً سيحصده «البشير» خيراً كما يظن موالو إيلا ، أو شراً كما يظن معارضوه .