الزيارات التي يقوم بها رئيس الجمهورية ونائبه الاول لمختلف انحاء البلاد، تندرج في اطار اداء المهام الرئاسية الموكلة اليهما، وتفقدهما لاحوال المواطنين وافتتاح المشروعات التنموية وتلمس القضايا على ارض الواقع وايصال توجهات وسياسات الدولة عبر الخطاب المباشر وغيرها من اهداف، تؤكد على ضرورة تواصل قيادات الدولة مع المواطنين، بيد ان هناك وجهاً آخر لهذا التواصل الرئاسي الذي يعتبره الاقتصاديون مدخلا للانفاق والصرف البذخي، ويشيرون الى ان سياسة زيارة كبار مسؤولي الدولة للولايات يجب اعادة النظر في كيفيتها، وذلك لتطبيق ?عار الترشيد الذي رفعته الدولة بعد التاسع من يوليو، وقدروا تكلفة زيارة الرئيس ونائبه الاول الى البطانة وكردفان أخيراً باكثر من ملياري جنيه. وزيارات الرئيس او كبار قادة الدولة للولايات كما يؤكد مراقبون، ظلت تحظى باهتمام بالغ وترحاب من قبل المواطنين وحكومات الولايات التي تبذل أقصى ما تملك من جهد لانجاح الزيارة والمساهمة في تحقيق أهدافها، ويشير وزير ولائي سابق «فضل حجب اسمه» الى أن مثل هذه الزيارات تلقي باعباء كبيرة على حكومات الولايات التي يقع عليها عبء تحمل تكلفة الزيارة، وقال إن الولاية تظل في حالة استعداد قبل زيارة المسؤول خاصة اذا كان الرئيس او نائبه باسبوعين، حيث تقوم بتكوين لجان لا يقل عددها عن عشر، وتضم كل لجنة أكثر من عشرة اعضاء، ويشير ا?ى ان اعضاء اللجان يحظون بنثريات وحوافز نظير المهام التي يقومون بها، ويضيف: وبخلاف ذلك تعمل الولاية على تجهيز الفنادق والاستراحات للوفد الرئاسي ومرافقيه، وتتحمل الاعاشة ووقود العربات، عطفا على تأجير عربات للتعبئة الجماهيرية واخرى لنقل المواطنين إلى مكان الاحتفال، بالاضافة الى الاعلانات ومكبرات الصوت والكراسي والصيوانات والمولدات الكهربائية والكشافات والاعلام والدعوات والملصقات وغيرها، وقال ان المنصرفات تتوزع على حكومة الولاية والمحليات ورجال الاعمال. زيارتا الرئيس ونائبه الأخيرتين الى البطانة وكردفان وبحسب متابعين بالولايتين، كلفتا اكثر من مليارين، ويشير مصدر بمحلية البطانة بالقضارف الى ان تكلفة الزيارة تجاوزت المليار جنيه، نافيا أن تكون الولاية تحملت دفع المنصرفات التي قال ان المحلية دفعتها من ايرادات عمليات التنقيب عن الدهب، ويشير إلى ان المحلية تحملت ايضا وقود العربات التي زارت مخيم البطانة التي قدرها بأكثر من «200» عربة، وقال ان عدد الضيوف تجاوز الخمسمائة شخص، وأبان ان المنصرفات تمثلت في الاعاشة وغيرها من منصرفات معروفة في الاحتفالات وزيارات كبار ق?دة المركز، اما زيارة النائب الاول لشمال كردفان فقد اشار مصدر في حكومة الولاية الى ان الوفد الذي جاء من الخرطوم حملته ثلاث طائرات عمودية و«14» عربة ليموزين، وضم اكثر من مائة وخمسين فرداً، واشار الى تحمل الولاية والمحليات ووجهاء كردفان تكلفة الزيارة التي قدرها بمليار جنيه. وبعيدا عن الفوائد التي جناها المواطن من الزيارتين، وبعيدا عن فرضية أن هذه الاموال اذا تم توجيهها للخدمات والبنيات التحتية لأسهمت في تأسيس عشرات الفصول ورصف عدد مقدر من الكيلومترات او ساعدت في تأهيل مستشفيات متردية او ذهبت لفقراء لا يملكون ما يسدون به رمقهم، وبعيدا عن الكيفية التي يتم بها الصرف في مثل هذه الزيارات والاحتفالات، بعيداً عن كل ذلك، نقرأ ما خطه يراع رئيس تحرير صحيفة «التيار» عثمان ميرغني يوم الاريعاء الماضي، تعليقا على زيارة الرئيس الى البطانة: «اليوم يشرف السيد رئيس الجمهورية مخيم البطانة الرا?ع عشر.. في ولاية القضارف.. وبالطبع سيتوقف دولاب العمل في الولاية.. وتشد المئزر وتقف في حالة انتباه كامل لحين مغادرة وفد الرئيس.. ومن اليقين أن تعتصر الولاية كل جهدها ومدخرها لترتقي لمستوى الضيافة الرئاسي المنشود.. والبلاد تمرّ الآن بأزمة اقتصادية تعتصر الشعب كله.. ارتفعت الأسعار.. وأعلن الشعب مقاطعة اللحوم.. وأيد السيد الرئيس مبدأ المقاطعة الشعبية.. والدولار يتصاعد والحكومة تتحدث عن التقشف وربط الأحزمة على البطون «غالبية الشعب ليست له بطون يربط عليها الأحزمة».. فهل من المناسب إقامة مثل هذه الاحتفالات بمثل ?ذا المستوى الرئاسي.. علاوة على الأموال التي ستعطر سماوات مثل هذا الاحتفال والزيارة الرئاسية.. فإنها تبعث برسالة جد خطيرة للشعب.. أنه في وادٍ.. وفي وادٍ آخر حكومته.. ومطلوب منه التعايش مع غلاء طاحن بينما الحكومة مشغولة بمخيمات الشعر والدوبيت». فما يراه الاقتصاديون إنه صرف بذخي ليست هناك حاجة له في ظل الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد التي تستوجب حسبما اكد الرئيس في خطابه امام البرلمان في يوليو الماضي، خفض الانفاق وترشيد الصرف، ومثلما قال عنه الخبير الاقتصادي د. طه بامكار الذي اشار الى ان في ذلك تناقضاً لتوجهات الدولة التي أعلنت سياساتها الاقتصادية منتصف هذا العام، واكدت بل شددت، والحديث لطه، على ضرورة خفض الانفاق، ولكنها لا تترجم شعاراتها على ارض الواقع، واضاف في حديث ل «الصحافة» أمس أن البلاد مجابهة بالكثير من القضايا الاقتصادية التي اعت?رها خطيرة وتحتاج الى تعامل جاد ومسؤول من جانب الدولة التي عليها أن تقدم نموذجاً للترشيد وخفض الإنفاق، وذلك عبر التقليل من الزيارات الداخلية والخارجية التي ترهق خزانة الدولة والولايات، وقال إن ابرز سلبيات المرحلة الماضية الصرف البذخي على مثل هذه الزيارات والاحتفالات التي قال انها تحتاج لمراجعة شاملة وذلك لحساسية المرحلة. ويراه آخرون بأنه صرف في حدود المعقول، وان العائد من هذه الزيارات أكبر من النظر الى التكلفة المالية، وهذا ما اشار اليه رئيس المجلس التشريعي لولاية القضارف محمد الطيب البشير ل «الصحافة» امس عبر الهاتف، ونفى وجود صرف بذخي في زيارة الرئيس الاخيرة الي البطانة واعتبره عادياً، وقال ان الفوائد التي يجنيها المواطن من مثل هذه الزيارات الرئاسية أكبر من النظر الى ما صرف عليها، مؤكدا ان الزيارة توضح للمواطنين اهتمام الدولة بقضاياهم والتفاعل معهم في مناطقهم . وفي ذات المقال المنشور بتاريخ 28/9 كتب رئيس تحرير صحيفة «التيار»: «كتبت أكثر من مرة أتمنى على الحكومة ومراسم القصر الجمهوري أن يراعوا المقام الرئاسي.. فيجنبوا الرئيس رهق افتتاح مشروعات صغيرة للغاية أولى بافتتاحها المعتمد أو وزير في الولاية.. ليس استنكافاً من منح الشرف الرئاسي لمثل هذه المشروعات، بل لأننا في وضع متأخر للغاية بمحيطنا الإقليم، ويجب بث الإحساس بأننا في حاجة لطفرة تنموية كبيرة وهائلة.. ومثل هذا الإحساس لا يتناسب مع الاحتفالات والمهرجانات التي تقام كل يوم لافتتاح شفخانة هنا.. ومدرسة أساس هناك..?وبئر و«جنريتر» كهرباء وغيرها.. الأولى أن نزرع في ضمير الجهاز التنفيذي أننا في حاجة ماسة لمزيد من المشروعات الأكبر.. ثم إن احتفال الحكومة بافتتاح المشروعات فيه «مَنٌّ وأذى».. والأولى أن تدخر أموال الاحتفالات لصالح الشعب». واعتبر المحلل السياسي د. محمد المعتصم احمد موسى الزيارات التي يقوم بها الرئيس ونائبه الى الولايات محاولات لتطمين الشعب السوداني إلى أن الدولة مازالت قادرة وفاعلة وتملك الهيبة، ويقول إن السودان يمر بمنعطف خطير ويواجه مصير الصوملة، وانه يحتاج للاستقرار السياسي والاجتماعي حتى لا ينفرط العقد، وقال إن تحركات الرئيس ونائبه الأول ورغم أنها تناقض سياسة التقشف لما يصاحبها من صرف بذخي، تفرضها ضرورة المرحلة التي تتطلب الاستماع لآراء المواطنين في كل أنحاء البلاد، والانفتاح على القوة السياسية الأخرى.