دولة إفريقية تصدر "أحدث عملة في العالم"    والي الخرطوم يدشن استئناف البنك الزراعي    الناطق الرسمي بإسم القوات المسلحة السودانية: نحن في الشدة بأس يتجلى!    السودان: بريطانيا شريكةٌ في المسؤولية عن الفظائع التي ترتكبها المليشيا الإرهابية وراعيتها    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    البطولة المختلطة للفئات السنية إعادة الحياة للملاعب الخضراء..الاتحاد أقدم على خطوة جريئة لإعادة النشاط للمواهب الواعدة    شاهد بالفيديو.. "معتوه" سوداني يتسبب في انقلاب ركشة (توك توك) في الشارع العام بطريقة غريبة    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تقدم فواصل من الرقص المثير مع الفنان عثمان بشة خلال حفل بالقاهرة    شاهد بالفيديو.. وسط رقصات الحاضرين وسخرية وغضب المتابعين.. نجم السوشيال ميديا رشدي الجلابي يغني داخل "كافيه" بالقاهرة وفتيات سودانيات يشعلن السجائر أثناء الحفل    شاهد بالصورة.. الفنانة مروة الدولية تعود لخطف الأضواء على السوشيال ميديا بلقطة رومانسية جديدة مع عريسها الضابط الشاب    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    موظفة في "أمازون" تعثر على قطة في أحد الطرود    "غريم حميدتي".. هل يؤثر انحياز زعيم المحاميد للجيش على مسار حرب السودان؟    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    معمل (استاك) يبدأ عمله بولاية الخرطوم بمستشفيات ام درمان    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    انتدابات الهلال لون رمادي    المريخ يواصل تدريباته وتجدد إصابة كردمان    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    القلق سيد الموقف..قطر تكشف موقفها تجاه السودان    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الزعيم الحاج عبد الرحمن «الرجل الشجاع وحده أغلبية»

اتحفتنا صحيفة «الصحافة» الغراء بعددها الصادر في الشهر المنصرم بصفحة كاملة دسمة المادة ولكنها سهلة الهضم، سائغة عظيمة الفائدة ومبهجة، ادخلت السرور على قلبي وقلوب كثير ممن يقرون بالحقائق ويعرفون قدر الرجال، واي رجال! هؤلاء الذين أعلى ذكرهم المقال فعلا بهم! واراني اجد ان الزعيم الخالد الحاج عبد الرحمن قد جسد محور المقال، وهو رجل سيرته تفتح شهية كل وطني غيور للاستماع لها والاستمتاع بها مهما اتفق أو اختلف معه.. فالاختلاف لا يفسد للود قضية.
المقال كتبه الاستاذ حسن البطري العطبراوي القح، بقلم يرشح رقة واناقة وقدرة على التصوير وربط المعلومات باسلوب شيق يميل الى الوسطية التي افتقدها مقال القطيني والذي جاء معقباً على مقال الاستاذ البطري وحمل نفس عنوانه لكن ليس نَفَسه، وسنتطرق لاحقا لذلك.
«وعطبرة» التي ما ان يرد ذكرها مقروءً أو مسموعاً الا ويعتري المرء شعور مشبوب بالاعزاز والفخر والعظمة.. فهي بحق مدينة استثنائية وهي عروس جميلة واعية وذكية تملأ رئتيها -وتبوخ- بدخان العافية الذي تطلقه مصانعها هي وورشها هي، وكذلك مما تثيره دواليب عجلات الآلاف المؤلفة من قاطنيها وجلهم «عمال» -وهم في رحلة الذهاب والاياب اليومية الى ومن هذه الورش.. وهذه العروس ايضاً تتعطر بعطر المعرفة الزاخرة والتي يسعى اليها اهلوها، مما جعلها بحق تتميز عن غيرها من المدن، ثم إنها تغتسل بماء مقدس يأتيها سيلاً من عرق هؤلاء العمال الكادحين.. ومن دماء الشهداء الطاهرة.. في مزج مقدس، محير، يقدم عن طيب خاطر.. وهي أخيراً تتزيا «بقرمصيص» تتناثر ألوانه الزاهية، مستمدة من تعدد اهلها المختلفة اصولهم وانتماءاتهم وثقافاتهم وتتنوع مهنهم، ممزوجة بالوان ازهى تنبع مما لهم من وعي وكدح وتآلف وتكافل ومحبة وحميمية، الخ. كل هذه وتلك الالوان الزاهية البديعة تتناثر باناقة على خلفية زرقاء فاقع لونها تسر الناظرين، هي بزة العامل «أوڤرول» والتي تباهى بها ومجدها الزعيم الخالد «الحاج عبد الرحمن» حين تحدث بلسان عطبرة «كثيراً» فيقول في احدى قصائده:
سيماي في الدخان تنفثه الصدور
في البزة الزرقاء تقتحم الطريق مع البكور
مواسم الانتخابات وتقديم المرشحين تماثل ما قرأناه في القصص الاسطورية التي يتقدم فيها الخطاب للفوز باميرة عالية المقام وتوضع لهم شروط تعجيزية.. «عطبرة» هي تلك الاميرة العروس السامية الرصينة والتي يخر لها الجبابرة ساجدينا.. الجميلة، ذات الحسب والنسب في سابق مواسم خطبتها ورغم وعيها وادراكها الفائق ارضت ولم ترضَ الا في عام 8691م.. في موسم الانتخابات العامة.. والتي كانت كما يقول الاستاذ البطري «كانت معركة من العيار الثقيل» وبالفعل فقد حمى وطيسها وكانت معركة ذات صدى ووزن وخلود لم يتكرر لا في قبلها ولا بعدها من المعارك الانتخابية حتى هذا التاريخ. في ذلك الموسم الذي تنافس فيه المتنافسون ابت العروس عطبرة العصية الاستثنائية الا ان توافق ولكن بارادتها هي وبوعيها الكامل في حشد مشهود وخالد عبر التاريخ، واعلنت للملأ وبصوت واثق تردد صداه في ارجاء القطر كله مطبقاً الآفاق. اختيارها للفارس العملاق، المشوق المشتاق، والذي احبها بصدق لا يشوبه النفاق واضعا اياها بالقلب والاحداق وقدم لها مهراً لم يقدمه السُباق ولا من اتوا بعده... فهي اختارت الفارس الزعيم الفهيم الفخيم «الحاج عبد الرحمن» مهرها كان بمعرفتها: سفراً نضالياً مضيئاً مفعماً بحبه العظيم لوطنه وشعبه يجري فيه مجرى الدم في العروق.. ذاك السفر زاخر ببطولات اسطورية «كما وصفه الفلسطينيون» وكما يعرفه اهل السودان، مع ما صاحبها من سجون وقيود وتشريد ومنافي، وحرمان..الخ.. وحتى هذا اليوم لا يذكر اسم الحاج عبد الرحمن الا مسبوقاً بكلمة «الزعيم المناضل/المناضل الضكران الجسور، المقاتل الفذ»..الخ من الالقاب العظيمة، والتي لم تأتِ من فراغ، على اختلاف قائليها وكاتبيها وكثيراً ما تطرقت في كتاباتي الى تردد ذكره بالخير.. وها هو الاستاذ البطري يسعدنا بمقاله ليكتب عن ذاك الحدث الذي كان قبل «24» سنة. عطبرة بل وجماهير الشعب السوداني تقدر جيداً عظمة هذا «المهر» وهذه التضحيات فبادلته حباً بحب واعلت شأنه واعلنت حينها «عطبرة» اختيارها فكان هذا العدد الهائل من اصوات الناخبين والجماهير التي زكته وازكته وحملته فوق الاعناق ووضعته داخل الاحداق.. بتلك المهرجانات في عطبرة وكذلك في الخرطوم ومدني وكوستي وبورتسودان وغيرها من المدن حيث كان الاحتفال الذي تُوّج بموكب عظيم سيره الى قبة البرلمان وهو مزفوف لابساً الاڤرول حاملاً الشاكوش.. فكان نعم الرائد الذي لا يكذب اهله.. وبالمناسبة فانني استوحيت من تلك الصورة للمركز المرتقب لتخليد الزعيم «في علم الغيب» شعاراً عبارة عن يد تقبض عالياً على شاكوس ومفتاح واتخذ الاستاذ نقد شعاراً يقاربه في حملته الانتخابية وهذا لتثبيت ان السبق كان لنا! ونسجل هنا ريادة الحاج عبد الرحمن.. كي لا ننسى ولا تنسى الاجيال.. وان هذا لم يكن شعاراً فقط، وانما كان فعلاً يسجل له ايضاً.. نقول والحديث عن الانتخابات انه حينما تقدم العم علي على الحاج وبفارق ضئيل -كما سمعت- كانوا يحتفلون بدارهم، بفوزهم وفجأة سكت المحتفلون.. و«صنت الدار» كما قال السيد «القطيني.. وتلفت الحاضرون.. واذا بالزعيم الحاج عبد الرحمن دخل الى دارهم متقدماً نحو المنصة بخطى الاسد المهاب الواثق.. وجاء ليهنئهم فضج المكان بالهتاف بحياته!! اي عظمة هذه واي نصاعة روح واي صفاء للنفس والنية! بل واي استحقاق للهتاف والاجلال.. وأي دروس عظيمة تلك التي تنبع من اصل روحه وسلوكياته.. هذا هو الحاج عبد الرحمن.. وهذا نذر يسير من صفاته التي أهلته للريادة والقيادة. واستوجب ما قيل فيه «الرجل الشجاع وحده يمثل أغلبية» كتبت قبلاً ان العم هاشم السعيد -امد الله في عمره- قال لنا ذات مرة في حديثه وذكرياته الشيقة عن تلك الايام عموماً وعن الحاج خصوصاً بان الحاج يجسد الصفات النبيلة الحقة الا ان ابرزها صفاء النية والرجولة الفائقة: وقال السيد عثمان المك متعه الله بالعافية انه علم ان الحاج حين ينافسه زميل له فانهم يجدوا «صوته» في صندوق منافسه.. حقاً انه رجل اجتمعت فيه قوة الشكيمة وصلابة العزيمة والآراء الصميمة مع النية والروح السليمة.. وبعد انتهاء المنافسة وحين وصله قول بعضهم انهم «هزموا الحاج» كانت قصيدته الشهيرة والتي بدأها متسائلاً في سخرية واستنكار ظاهرين مما اثار حيرتهم وألجم ألسنتهم:
قالوا هُزمت! فقلت: من هو هازمي؟
هذه القصيدة ذات المفردات البسيطة واحدة من كثير مما حفظ الناس من شعر الحاج، وضع فيها اجابته على ذلك السؤال الاستهلالي. واخالها قصيدة عفوية، لم يجهد فيها نفسه ولا ذكائه الفطري المشهور به الحاج لان هذه الاجابات هي افكاره وهي منهاج سلوكه الحياتي اليومي. الاجابات كانت سرده لبعض شرائح المجتمع، والتي «بمجموعها» تشكل الميزان الدقيق الحساس.. الذي يُرجح بالشخص، وبغيره لا يكون ترجيحاً ولا فوزاً..
هذه القصيدة «وقد اوردها الاستاذ البطري» على قصرها وبساطتها وعفويتها تصلح ان تكون اساساً لبرنامج انتخابي دقيق وامين. سأل الحاج السؤال واورد الجواب فكان التشريح والترجيح.. فعدّد «هل هو كذا ام كذا..الخ» ثم يقرر:
هذى عناصر عدتي بل ساعدي يا مجرم
انا منكمو وبكم سأرقى مدرجات السلم
أنا لست رعديداً يفر من النضال ويحتمي
انا ما سعيت الى الكراسي لكي افوز بمغنم
انا للمعارك قد خلقت وللطليعة انتمي
وبعد! اي عناصر واي عدة واي غاية واي ثقة بالنفس ورهان على الشعب! كأنه يقول للجميع: هاكم اقرأوا كتابيا!
وباعلانه عن عدته تلك يؤكد ايمانه وقناعته بانحيازه الكامل لشعبه قولاً وفعلاً.. وشعبه يعرف ذلك ولعلي به هو المنتصر.. ولم يمض الزمان طويلاً وحلّ عام 8691م فكان الموسم الخالد.. ألم أقل لكم ان عطبرة كانت قد ارضت ولم ترض الا فيه؟ موسم فرحها الذي لم يتكرر بذلك الالق والرونق والسمو البهيج حتى الآن.. بدون مبالغة وبشهادة الكثيرين.. وقد صاحب ذلك المهرجان جهود وعرق وصمود ووفاء وتنظيم ونقاء وخطب واشعار واصرار وفخار ومن ثم انتصار وافراح ممتدة.. كل هذا لا يزال اريجه يملأ النفس والقلوب والعقول بالبهجة بل والحنين الجامح الى تلك الايام الزاهرة المضيئة والدليل مقال الاستاذ البطري قبل اسابيع في فوزه ذاك المهرجان يراهن العم ابو القاسم بصوت داوٍ:
قولوا للسبعة مرشحين
انتو للحاج ماكم وزين
ولم تخل ايام المهرجان من نشاز من هنا وهناك ممن يشوه حيدة ويعكر صفو الجو الانتخابي ونذكر ان الحاج رفض فتح بلاغات في مواجهتهم فتركهم يذهبون وهم الطلقاء فكان اخاً كريماً وابن اخ كريم يقتدي بالقدوة المهداة وخاتم الانبياء رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ومن ذلك النشاز ما ذكره السيد القطيني.. رغم انني لم اسمع بالقمين لكن سمعت ان الحاج اخبروه فجاء وسمع جانبا من الخطبة التحريضية فانتهر المتحدث قائلاً ما معناه ان الاجدى بالخطبة ان تصب فيما يصلح الناس بدلاً من الاضلال او كما قال. وانحاز الحاضرون للزعيم بصورة لافتة.. وكان هناك من وقف امام مركز انتخابي يحرض على التصويت لمرشح الختم رغم اعترافه بنظافة ونزاهة الحاج. الخ. وكما كان الزعيم خطيباً وشاعراً مع كونه قائداً فقد كانت والدته واخته الوحيدة كذلك تنظمان الشعر. وقد اغضب والدته انحياز بعضهم لمرشح الختمية دون ابنها الحاج رغم اعترافهم باهليته ليس ذلك الا لولائهم للختم. فهجتهم وهي تدعو الله ولاولياء الختمية ليفوز ابنها.. كيف لا وهي الختمية القحة ويعرفون انها أكثر ولاءً ومحبة للختم منهم وقهوة «جبنة» السيد علي والسيد الحسن لم تخبُ نارها في دارها حتى رحلت عن الدنيا.. ولها اشعار ومدائح في الرسول صلى الله عليه وسلم وآل البيت ومنهم الختمية «الجدهم النبي»: فكانت تدندن:
انا داعية رب البشر وانا نادهة سيد الجيل
اسمع الحاج قالوا انتصر
وتكف النعمة على البشر
وقالت:
يا ستي نور تميها فوزة الحاج جيبيها
وست الجيل غيظيها
وحين اتاها خبر الفوز والانتصار، هبت من سجادة الصلاة وغنت مصفقة بيديها في الحوش:
الليله الجقور دخلوا الجحور
الحاج منصور بي الله والرسول
جناح جبريل فوق الحاج مشرور
«ود مكي» وحسين يا ربي مشوا وين
وين الجقور دخلوا الجحور
طبعاً قد قمت بتغيير الاسماء الحقيقية.. وكل هؤلاء الاشخاص جاءوا واعتذروا لها ولم يفسد الود ولا العلاقات.
ارجع واذكر انه رغم توقع فوز الزعيم الذي وصل الى شبه يقين الا ان اعلان النتيجة فجّر شلالات من الفرح الطاغي حكى لي احد الاعمام ان الناس كانوا يهنئون بعضهم في الطرقات والاسواق والساحات والاحتفال كان في مجمل احياء عطبرة وميادينها ودورها مع توزيع الحلوى..الخ وفي منزل الزعيم بالمربعات بادرت زفة ضخمة مصحوبة بالدفوف والزغاريد والهتاف وبصوت هادر كانت تسمع:
ليك يا حاج تهانينا.. انت بقيت امير لينا
العمال يهنوكا والنيابة مبروكة..الخ
وامتدت ايام المهرجان بالدار.. والكل كان هو صاحبها والضيف والمضيف.
وينطلق صوت العم ابي القاسم محجوب
واحلالك يا عطبرة جيبي نائباً عينو حمرا
وكذلك: دايرتين يسون برلمان واحدة عطبرة والثانية ام درمان في اشارة لفوز الشهيد عبد الخالق كذلك.
من كوستي يهنيء العم عبد الله طه:
يا حاج يا عظيم يا قدوة الابطال
يا رمز الصمود يا للرجالة مثال
بيك تمضي المسيرة وتتحقق الآمال
أما من الخرطوم فتقدم العم حدربي مثلاً:
انت فوزك ما فوز وبس انت فوزك فشّ المغص
وخرجت جماهير الحزب الشيوعي بقلب شوارع العاصمة المثلثة تهتف: الاثنين في الجمعية والاثنين يساووا المية «مائة» وهكذا الفوز العظيم تردد صداه في كل انحاء القطر.
ومن هنا نرجع لمقال السيد القطيني والذي كتب عنه انه تعقيب على مقال الاستاذ البطري وبينما المقال الاخير كان عن الانتخابات في عطبرة بتركيز اكثر على موسم 8691م نجد ان المقال للقطيني كان محوره الشهيد عبد الخالق محجوب. ومن ثم الشهيد الشفيع احمد. كتب السيد القطيني انه مدمن لمحبة عبد الخالق، وهذا طبعاً حقه.. لكنها محبة اعمته عن التدقيق وذكر الحقائق وابعدته عن الحيدة فقد اورد عبارة عن ندوة عبد الخالق يؤكد الكثيرون انها كانت سبباً اساسياً في فوز الحاج عبد الرحمن..
يا سبحان الله فما هكذا تورد الابل يا سيد قطيني..!
وشهود ذلك المهرجان لا زالوا احياء.. وسطوره المضيئة لا زالت تنير سفر الشرف الذي سطره المناضلون بتضحياتهم، وستظل الى ان يرث الله الارض ومن عليها. واذكر السيد القطيني ان اول فقرة في مقال السيد البطري كانت حديث الشهيد عبد الخالق عن تقديمه الوعي بقدر ما عنده واكد على وعي انسان عطبرة الفائق. والقطيني نفسه اكد على ما كتبه السيد البطري بل واورد ما جاء في تقديم كبج لعبد الخالق بانه يحترم عقل المواطن الذي احترمهم وجاء لحضور الندوة وبهذا المفهوم يخاطبهم عبد الخالق.. هذا كلام كبج اورده القطيني اي ان عبد الخالق خاطب عقول الحاضرين وليس عواطفهم يا سيدي.. اي انهم لم يكونوا وفيين او جهلاء او ساذجين حتى تدفعهم هذه الندوة للتصويت للحاج عبد الرحمن.. ولم يكلف السيد القطيني نفسه ليذكر كلمة واحدة عن الزعيم الحاج.. لم يكن في رأيه يستحق الفوز؟
ولعل القطيني سيحزن ان اعدت واكدت ما كتبه السيد البطري من ان الحاج كان ترشيحه باسم «قوى العاملين» ولم يكن باسم الحزب الشيوعي رغم مقعده القيادي به حينذاك ونسأله: هل تلك الاصوات الهائلة التي صوتت للزعيم كانوا شيوعيين؟ وسيحزن ان عرف ان الكثيرين ايضاً لا زالوا يقولون ان عطبرة هي الحاج والحاج عطبرة مع تقديرهم لكل قادة العمل النقابي وهذا تقدير مشوب بالعقل والعاطفة، نقلت صحيفة «الميدان» ما كتبه احدهم عن جزء من قصيدة للحاج ادعى انه قالها في فوز قاسم أمين.. ورجعت الصحيفة في عدد آخر وكتبت «تصويباً وايضاحا» بان رسائل كثيرة جاءتهم تصحح هذا الخطأ.. فالناس يحفظون مواقف الزعيم وتضحياته وحتى اشعاره.. كنت اعمل اختصاصية بمستشفى الذرة بالخرطوم حين طرق باب مكتبي يوماً شاب مهذب ليسألني في ادب جم عند ملاحظته اسمي مكتوباً على الباب. مقروناً باسم الحاج عبد الرحمن.. وذكر بانه من عطبرة ويعرف قائداً نقابياً خالداً بهذا الاسم، فهل هو ام تشابه الاسماء؟ هذا الشاب المهذب الخلوق كان المرحوم «مصعب عثمان المك» عوّض الله شبابه الجنة.. وجزى الله والديه على صبرهما وحسن تربيتهما له ولاخوته وكان هذا مدخلي لمعرفتي لهذه الاسرة الكريمة.
ومثل هذا الموقف يكاد يتكرر شهرياً ومن اناس لم يروا عطبرة قط.. وآخرهم صحفي عرفوني عليه يحمل اسم «الحاج عبد الرحمن» تيمناً بالزعيم.. وغيره كثر.
والاسم (الحاج عبد الرحمن) إسم اكثر من عادي.. لكن الزعيم جعله متميزاً.. ومشهوراً ومقدراً وهذا لم يأتِ من فراغ يا أخ قطيني ولم يأت نتاجاً لشخص- أى كان- يقيم ندوة؟ مالكم كيف تحكمون؟ واحيلكم الى ما سمعته من أن د. أمين حسن عمر في سهرة تلفزيونية تحدث عن وعي عطبرة وكيف اجتمع أهلوها بمختلف معتقداتهم ومشاربهم الفكرية على رجل واحد.. هذا ما سمعته من بعضهم وكذلك الى قول السيد شوقي عبد العزيز في تأبين الزعيم من أنه ممن ادلوا بصوتهم للحاج.. وغيرهم كُثر.
السيد القطيني حين ينسب فوز الحاج لندوة عبد الخالق فهو بهذا يخوض مع الخائضين ويلغي عقول وادراك الناس اجمعين وينسى أن الزعيم من الذين قام حزب عبد الخالق على اكتافهم وبمجدهم وسمو اخلاقهم وتضحياتهم.. لكن الناس يعرفون ان الحاج انحاز لشعبه حتى قبل ان يعرف الحزب الشيوعي وهذا الانحياز جزء من جيناته التي كونته وكونت وعيه المبكر منذ يفاعة صباه قد تقدم بطلب للتطوع للحرب دفاعاً عن الوطن للحاكم الانجليزي وعنده شهادة بذلك يشكرونه فيها.. وكان يكثر من التبرع بالدم.. وانتسب للعمل الكشفي.. وكان قائداً لاول اضراب بمدرسة الصنائع وهو طالب- بعطبرة وليس جبيت كما ذكر السيد البطري.. ولوعيه المبكر كان ضمن كوكبة قيادة نقابة السكة حديد وهو شاب.. كتبوا عنه (من الذين ثقفوا أنفسهم واسهموا في تثقيف العمال)..
وفي سبيل إرساء دعائم العيش الكريم للشعب تعرض للاعتقال والسجون والتشريد والفصل من الخدمة وكان وهو شاب، رب أسرة قد تمت محاكمته في عهد حكومة عبود بمجلس عسكري ايجازي عالي لمدة 3 سنوات وتم ترحيله مقيداً بالسلاسل الى جنوب السودان قضاها كلها هناك حتى مشارف ثورة اكتوبر!.. هو نفسه يقول:
منذ الاربعينيات تقرر فيها خط كفاحي
ما تريت ورا.. وقط ما رميتو سلاحي
ويقول: في مترين مقيلي وليلي مضحك ومبكي
كل يوم الحديد في رجلي يصرخ ويشكي
ثم: يوم قالوا السفر متوجهين ملكال
وضعوا لي القيود في رجلي كالخلخال
ويقسم: اقسم بالكفاح لابد يزول الحال
حكى لنا العم هاشم السعيد أنه والمرحوم العم الجنيد علي عمر كان مقبوضاً عليهما .. وكان هناك قرار من الحزب الشيوعي بوقف النشاط السياسي لضمان استمرارية عمل الحرب.. لم تمر ايام إلا ولحق بهما الحاج عبد الرحمن.. يحكي عم هاشم ان الزعيم قاد مظاهرة الاحتجاج على بيع حلفا- الشهيرة وكان قد اعتلى حائطاً وصار يخطب في الجماهير الغفيرة واحتشد البوليس حيث خاطبه الضابط قائلاً له (انزل ياحاج وسلم نفسك وإلا سأضرب بالرصاص) وهنا مزّق الحاج قميصه بذندية المفتولين وكشف عن صدره أمام الجموع الهادرة وقال له (اضرب يا جبان!) هاهو الرجل الشجاع الذي وحده يمثل أغلبية.. فما كان منهم إلا أن اعتقلوه وسط صدام المتظاهرين مع البوليس وزجوا به في السجن.. يقول عم هاشم انه انتحى جانباً بالجنيد وسأله: انت الحاج ده مش جاء قرار انه مايقوم بأي نشاط؟ أجابه الجنيد (لكن انت عارف.. هو الحاج بتمسك؟..)
نعود للسيد القطيني ونعيده الى الحقائق التي أراها ويراها كثيرون غيري من أنها الركائز الحقيقية لفوز الحاج عبد الرحمن في عام 8691 بدائرة عطبرة بعد التوفيق والنصر المؤزر من الله عز وجل اولاً واخيراً:
- اولاً: لشخصية الحاج عبد الرحمن نفسه.. وما ذكرناه كان إضاءات بسيطة لسطور قليلة في سفرٍ نضالي ضخم.. يحتاج لزمن طويل لسرده كما قال المرحوم المؤرخ العم محمد ابراهيم حتيكابي.. عن الزعيم، والزعيم حينذاك كان معروفاً ليس في عطبرة فقط وإنما على نطاق القطر كله. فهو السكرتير المساعد للاتحاد العام لنقابات عمال السودان.. وهو الدينمو المحرك والطاقة الجبارة والعقل الواعي بشهادة الشفيع نفسه ويمكنك أن تسأل عم ابو القاسم السنجك يا أخ القطيني والزعيم الحاج فوق كل هذا وذاك.. لم ينفصل عن العمالة ولا شعبه لا قبلاً ولا بعداً.. ولم يكن بينه وبينهم حاجزاً كما عند كثير من الزعماء.. فهو ابن بلد حقيقي، يأكل الطعام ويمشي في الاسواق، يواصل الارحام والمعارف وعامة المواطنين متفقداً أحوالهم مذللاً مصاعبهم.. منحاز بشدة للبسطاء والضعفاء.
بيته في عطبرة ثم بالخرطوم كانا مفتوحين للجميع.. وأشهد الله أنه كان يفرح جداً حين يقصده أحدهم في خدمة أو يأتي بعضهم ليقيم معه بالمنزل بغرض العلاج أو ايجاد فرصة عمل أو دراسة لهم أو لاقاربهم.. واقسم بالله العظيم أنه مع السرور الطاغي الذي كان يغمره كان مقتنعاً بأن هؤلاء اكرموه وقدروه.. ومن ثم ينطلق ساعياً لقضاء حوائجهم عند معارفه الذين لا يُقدرون بعدد.. من أطباء وأصحاب عمل.. الخ.. وكثيراً ما وفقه الله في ذلك المسعى.. فتراه مغتبطاً وفرحاً ومرتاحاً كأنما ملك سعادتيْ الدنيا والآخرة.. وان شاء الله العلي القدير ان يكون فعلاً اختصهم الله بقضاء حوائج الناس.. حببهم في الخير وحبب الخير اليهم وجعلهم من الآمنين من عذابه يوم القيامة.. آمين.. لأن هذا ما فعله الحاج عبد الرحمن من غير أن يعلم به أحد لأنه اراد به وجه ورضاء ربه وخدمة وطنه.. لم يرجُ منه جزاءً ولا شكورا.. بل قدمه ليوم عبوس قمطرير.. يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من اتى الله بقلب سليم.. هذا كان عن شخصية الحاج .
- ثانياً: مع ثقل وزن هذه الشخصية كان من ركائز فوزه وعي هذه المدينة الاستثنائية وتقديرها المعرفي لتضحيات الزعيم فاختارت الصادق الأمين.
- ثالثاً: وحتى لا نبخس الناس أشياءهم، نشير الى دقة تنظيم الحملة الانتخابية والتي عصبها كان فرع الحزب الشيوعي بعطبرة، حيث استفاد من تجارب المواسم السابقة.. وحثوا الناس على التسجيل.. وممارسة حقهم الانتخابي.. بل علمت ان دقة التنظيم والاشراف الدقيق بلغ بهم حد أنهم كانوا يعرفون كم هى العددية الحقيقية للحزب الشيوعي وكم عدد الناس الذين يشجعون الحاج عبد الرحمن لشخصه.. وهذه اذهلت مناديب المرشحين الآخرين- كما سمعت- عند فتح الصناديق لحصر الاصوات وكان وكيل الزعيم الحاج هو محمد ابراهيم كبج.. حيث كانت توقعاته المرصودة تصحُّ فعلاً، إن لم تزد.. والاستاذ كبج موجود- أمد الله في عمره- وبعد، يا أخ القطيني عواجيز عطبرة الذين ذكرتهم بل وكل الناس يدركون هذه الحقائق ويجتروها كذكرى عزيزة عظيمة لايام خالدة نبيلة.. وتعليقي على موضوع الندوة فأقول أولاً إن ما ذكرته هو بالقطع رأيك أنت وإن لم يكن كذلك فلقد صادف هوى في نفسك وإلا لما كتبته بكل تلك القناعة.. خاصة وقد كتبت بالحرف انك من مدمني محبة عبد الخالق وهذا شأنك لكن كان الاجدى الا تكون هذه المحبة سبباً في أن يتشابه عليك البقر، وتعمي منك البصر ولا أقول البصيرة.
ثانياً: إن كانت محاضرة يقدمها عبد الخالق تكون سبباً في الفوز.. فلماذا لم يفُز عبد الخالق نفسه، وهو قائلها في الانتخابات السابقة لهذه؟ أو لماذا لم يفز العم الشفيع في نفس ذلك الموسم الذي فاز فيه الحاج.. برغم ان الثقل التنظيمي والاهتمام الاوفر كان لدائرة الشفيع دوناً عن دائرة عطبرة- كما سمعت.. وفي هذا أيضاً إقرار بمقام الحاج، لأن عطبرة بالنسبة للحزب ما كان يمكن التساهل بشأنها أو التفريط فيها وهذا الاقرار يفسر ايضاً لماذا تم ترشيح الحاج باسم قوى العاملين وليس الحزب الشيوعي.
ثالثاً: إن كانت محاضرة تقود الى فوز، فلماذا لم يقم السيد عبد الخالق بجولات في كل الدوائر التي ترشح فيها مرشحوه؟.
- رابعاً والأهم: إن كانت المحاضرات والخُطب السياسية تكون سبباً في الفوز فانني اقولها بملء الفم إن الحاج لم يكن يحتاح إلى عبد الخالق ولا غيره.. فإنه كان الاقدر على ذلك قطعاً. والمعروف عن الزعيم الحاج انه كان خطيباً مفوهاً.. وفي كل محفل اعتلى فيه منبراً أنصت الجميع و(صنوا) وظلوا منجذبين لحديثه المنطقي العقلاني. قيل عنه أن له قدرة عجيبة على الإقناع.. ملهباً للحماس، إقناع وجذب!
كان بحق: إن خطب تدنيلو الرقاب
وإن زأر أسداً ليهو ناب
وكان إن خطب اسمع وأبدع وأمتع، يعلو ويهبط بالحضور بالمنطق وبالحق في جزالة وسلاسة وحماس ما بين شعر ونثر ومن المكنوز عنده من مأثور القول مستدلاً بآي القرآن الكريم والسند النبوي الشريف ينثالان من بين الكلمات فتنزل على حر الصدور برداً وسلاماً.. أليس هو القائل ( لسنا خريجي جامعات بل خريجو جوامع).. ولكن خرجتهم مدرسة الحياة ومعها الخلاوي والجوامع فكان المنطق والفكر وسحر البيان وقوة الجنان وفصاحة اللسان فكان الحاج عبد الرحمن. قال العم هاشم السعيد وسيقرأ هذا المقال- ان شاء الله- ان الناس مبهورون بأشعار الحاج عبد الرحمن ويحفظونها، ولهم حق في ذلك لكني أرى أن الإنبهار الاكبر كان حين يخطب. ويتأسف أن معظمها ضاع لأن الخطيب ما أن ينتهي حتى يتقدم بعض منظمي الندوات ويجمعوا الخطابات ولم يكن هناك تسجيل.. لأن الحاج كثيراً ما كان يرتجل ولا يعوزه القول.
نحن هنا نذكر هذه المواقف والحقائق للتاريخ، ونقدمها للاجيال التي لم تشهدها للوقوف عليها والاعتزاز بها لأنها جزء من الإرث الخالد والبطولات النادرة التي تفخر بها الشعوب، ولتكن نبراساً ينير لهم الطريق. بعض البلدان نجدها تخلد أناساً لم يقدموا ولو جزءً يسيراً مما قدمه الزعيم الحاج وأمثاله عبر التاريخ.. بل إننا نخلد شخصيات من داخل وخارج السودان، هنا، ونبخل باطلاق اسم الزعيم الحاج وآخرين على الطرقات الرئيسية كما حدث في عطبرة حيث وصلت الاحتجاجات على إهمال اسم الحاج ونشرتها الصحف.. والشكر موصول لهم جميعاً يقول الزعيم في احدى قصائده:
لم اصعِّر خدي للناس إعلاءً وكِبْرا
أنا كالشمعة أضويي وكفاني الأجر ذكرى
هذا الرجل عالي المقام عظيم التواضع: هل يذكرونه حق ذكره؟ هل يعطوا كل ذي حق حقه أم ينكره الجاحدون ممن يخازلون تاريخ الرجال ونضالهم؟ لقد قال الله العظيم ( وقل اعملوا، فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون).. فالايام تمضي بنا في تناقص فلا اقلّ من أن نذكر الحقائق شهادة لله ومن كتم شهادة فإنه أثم قلبه، ولا ننسى أن للحق لساناً وأرجلاً وأتاكم مصدقاً لما معكم فلا تكونوا أول كافر به ولو بعد سنين فالتاريخ لا ينسى ولا يرحم والله متم نور الحقيقة ولو كره الكارهون.
ولنجعل خاتمة لهذا المقال ولهذه السيرة العطرة الحية ونسأل: ماذا حدث بعد إعلان الفوز؟ هل يعلم القاريء الجليل إنه حين اعلنت نتائج الانتخابات بالفوز كان الحاج بالقطار داخلاً عطبرة قادماً من ندوة عمالية ببورتسودان.. وما ان اطل من نافذة القطار حتى تعالى هتاف الجموع الغفيرة التي امتلأت بها محطة السكة الحديد.. واذا بطوفان بشري يحمله إلى دار العمال (وهذه سنة دأب عليها حتى حين خروجه من المعتقلات والسجون فانه لا يتوجه الى منزله الخاص وانما إلى مكان تجمع الشعب).. حملته الجماهير وسط هدير طبق الآفاق من الهتاف والذنود الملوحة والحناجر التي تطلق الأهازيج والزغاريد.. هناك في الدار دخل غرفة وكتب على قصاصة أبيات شعر وخرج للناس وارتجلها:
أنا عطبرة لون الحديد الملتهب
أنا عطبرة صوت الغضنفر يقترب
و... أنا قد كسرت القيد لا جرماً أُحِسُّ ولا ذَنِب
- ويا له من التحام وحميمية ونصر مؤزر بإذن الله.. نعم المولى ونعم النصير..
ثم التحمت الجماهير مرة أخرى في الخرطوم.. فكان النائب الوحيد (كما علمت) الذي (زفّته) الجموع إلى قبة البرلمان وهو يرتدي البزة الزرقاء وفي يده الشاكوش.. كما أسلفنا وفي البرلمان فإن صولاته وجولاته مشهودة ومشهورة إذ انه واصل مشواره الحياتي النضالي الاعظم في تبنِّيه لقضايا الشعب والسعي لاحقاق العيش الكريم في شجاعة ووعى نادرين وحضور مهاب وعظمة.. بل هو الوحيد الذي ذهب الى تحذير رئيس الجمعية التأسيسية على صفحات الصحف (الاضواء مثلاً) بأنه لاحظ ان الرئيس يتعمد عدم اعطائه الفرصة للحديث وطرح القضايا، وحذره انه اذا استمر الحال هكذا «فاننا سنقولها من منابر ستكون أشد إيلاماً»! بل وذهب الى حد اقتراح قفل بوفيه الجمعية أثناء الجلسات حتى يحضرها النواب ليقوموا بواجبهم الذي من أجله تم انتخابهم!
عزيزي القارئ: هل هناك اكثر عظمة من هذا أو أكثر حرص على الشعوب والقيام بالواجب تجاهها؟ لا أظن! وهذا يؤكد قصيدته القديمة:
أنا ما سعيت إلى الكراسي لكي أفوز بمغنم
قالها وطابق فعله قوله. كل هذا تم مع مواصلته لنشاطه وعمله الدءوب كقائد باتحاد عام نقابات العمال بكل السودان.. واستحق فعلاً ما جاء في برنامج «مراجعات» المحضور حين قال لعبد الخالق ورفاقه إن نميري رشحه ليكون وزيراً في الفترة الأولى لعهد مايو فجاءه الرد «يا حاج! لو بقيت إنت وزير.. منو البياخد للعمال حقوقهم بل مِنو البيدُق الطربيزة للوزير؟».. هذه عبارة بليغة تنضح من بين حروفها عظمة هذا الزعيم هو عامل ومن أجل حقوق العاملين هو يدق الطربيزة للوزير.. أي وزير مهما كان.. وكفى!! أرأيت أخي البطري؟ أن النواب بل والزعماء حتى وان تساوت سيوفهم فإن الضرب غير متساوٍ. ونختم بقول الزعيم: ونحن نزأر فيوجه الطغات فلا جزعت نفوس ولا ابتلت مآقينا نقودها في صراع نحن نعرفه لنأخذ الحق قسراً من أعادينا فلم تَنَلْ أمة حقّاً بلا تعب ونحن بالشعب للعلياء ماضونا
هذا هو الزعيم الحاج عبد الرحمن، وحقاً إنه رجل شجاع ووحده أغلبية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.