نشرت جريدة الصحافة بالعددين ( 6422 ) - ( 6425 ) بتأريخ 5 / 6 - 8 / 2011 م ، مقالآ بعنوان ( الحكم المحلى بين التطوير والعودة إلى هيمنة أباطرة الريف ) بقلم الأستاذ سعيد أبو كمبال وهو مقال شيق يقدم مقترحات جريئة لبناء أجهزة الحكم المحلى وهيكلتها بما يؤدى إلى خفض الأنفاق العام وتوجيه الموارد المالية المتاحة للخدمات الأساسية المتعلقة بحياة المواطنين . وقد جاء المقال على خلفية ما نشر بجريدة الصحافة العدد( 6404) بتاريخ 18 / 5 / 2011 م ، عن اتجاه الحكومة لاعادة منصب المحافظ للحكم المحلى في إطار هيكلة الحكم وعودة المحليات والوحدات الإدارية مع اللجان الشعبية وأنه لابد من إصدار قانون إطارى موحد لا يتعارض مع الدستور الولائى والقومي ويرى كاتب المقال أن هذا الحديث يعبر عن نية واضحة للعودة إلى المركزية وإعادة تشييد إمبراطوريات الضباط الإداريين من مجالس محلية ومحافظات والضباط الإداريون الذين عناهم كاتب المقال لم يقوموا بتشييد إمبراطوريات خاصة بهم على مر التاريخ وهم يمثلون إحدى شرائح الخدمة المدنية التي أوكلت اليها مهام واختصاصات في وحدات ارتبطت أسماؤها بمقررات وظائفهم بموجب قوانين الحكم المحلى التي حددت هياكل واختصاصات وحدات الحكم المحلى حسب رؤى وسياسات الحكومات في السودان . وما يجرى من عمل الآن وما يصاحبه من تصريحات يأتي في إطار سعى الحكومة إلى تطوير وهيكلة أجهزة الحكم المحلى . أما بخصوص ما ورد في الدستور القومي الانتقالى لسنة 2005 م ، والذي ينص على أن الحكم المحلى من السلطات التنفيذية والتشريعية الحصرية للولايات ففي تقديري انه ومن خلال الممارسة العملية خلال الخمس سنوات الماضية فقد ثبت أن الوضع الأنسب هو أن يكون الحكم المحلى من السلطات المشتركة بين الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات في التعديلات الدستورية المرتقبة وذلك لأسباب تتعلق بتوحيد وتمتين الشعور القومي وإصدار تشريع إطارى اتحادي يسمح بمراعاة التنوع والدفع بمعايير صارمة لانشاء وحدات حكم محلى فاعلة تمتلك المقدرة المالية وتلبى طموحات المواطنين في تحقيق التنمية والخدمات وكفالة الحرية والديمقراطية . ونرى أن لا يترك الحكم المحلى كسلطة ولائية حتى لا يتكرر الوضع الراهن والمتمثل في العدد الكبير من المحليات القائمة لترضيات وضغوط سياسية وموازنات قبلية . ونقدر تقديراًعالياً الإشارة إلى السادة العلماء الأجلاء ومؤلفاتهم في الحكم المحلى واللامركزى وهم الدكتور شيخ الدين يوسف من الله والدكتور محمد أحمد محمد دانى والدكتور السر النقر وهؤلاء الثلاثة ينتمون إلى من زعم الدكتور جعفر محمد على بخيت وهو أيضا واحد منهم إلى ( أباطرة الريف أصحاب الأشرطة الصفراء ) ونحن نعتز بهم جميعاً وبغيرهم من قيادات الحكم المحلى إداريين ومجلسيين وقادة خدمة مدنية بالوحدات المحلية ونتفق مع كاتب المقال في ما ذهب إليه بخصوص نجاح الإدارة الأهلية في فض النزاعات المحلية والمحافظة على الموارد الطبيعية وحفظ الأمن وجباية الضرائب منذ نشأتها بموجب قانون مشايخ الرحل لسنة 1922 م، وهى تمثل ذراعاً تنفيذياً للحكومة ولايمكن بأية حال من الأحوال أن تكون بديلاً للحكم المحلى وقد أوصى تقرير د . مارشال السابق لصدور قانون الحكم المحلى لسنة 1951 م بفصل أجهزة الحكم المحلى عن الأجهزة القبلية أما تطوير الإدارة الأهلية بقيامها على أساس جغرافي فإن الإرث السائد الآن وبموجب التشريعات أن تكون لها ارض ( حواكير ) في رقعة جغرافية معلومة تضم عدداً من القرى والفرقان ونتفق مع كاتب المقال في أهمية وجود الإدارة الأهلية في المناطق الريفية ، ونرى أن تطويرها يتمثل في استقلاليتها وعدم تسييسها وقيام هياكلها بالانتخاب من القاعدة إلى القمة وتمكينها بالسلطات ، على أن تعمل تحت قيادة وحدات الحكم المحلى المنتخبة و إن إصلاح وتطوير الحكم المحلى يتمثل في قيام وحدات محلية حاكمة فعلاً باستقلالها وكفاية مواردها المالية مع تأمين المشاركة الشعبية والنيابية والتعبير عن إرادة المجتمع المحلى في تسيير شئونه المحلية وتوفير التنمية والخدمات .وهذا يتطلب إجراء عملية معالجة شاملة في الولايات بدمج الوحدات المحلية وتقليص عدد الدستوريين بها واختيار الصيغ المناسبة التي تحافظ على كيان الحكم المحلى باعتباره من الكيانات التي عرفتها الأممالمتحدة في مواثيقها وأوصت بدعمها وتطويرها . أعتقد أن اقتراح الأستاذ سعيد أبو كمبال بقيام الحكم في السودان على مستويين اتحادي وولائي هو اقتراح جدير بالتأمل ويمكن أن يكون احد البدائل النظرية المطروحة في هيكلة أجهزة الحكم والمتمثل في وجود حكومة اتحادية على المستوى الأعلى وحكومات ولائية تعمل معها بالتوازي ومباشرة مجالس التنمية والخدمات على مستوى الأحياء والقرى، و لعل بعض خبراء الحكم المحلى قد أشاروا إلى أن مستوى الحكم الولائى القائم الآن ربما يكون هو الحكم المحلى نفسه ولم نندهش لهذه الإشارة لان الحكم الولائى قام على البنيات التحتية الخاصة بالحكم المحلى في المكاتب والمقار والمساكن والآليات والمتحركات والكوادر والموارد المادية والبشرية وقد اتاحت ثورة المعلومات والاتصالات توفير وسائل الاتصال بالصوت والصورة الحية وأصبح العالم قرية واحدة مما جعل بعض الخبراء ينادون بإعادة النظر في هياكل الحكم اللامركزى على ضوء هذه النتائج حيث لم يعد تباعد المسافات والرقعة الجغرافية الواسعة يشكل عقبات في التواصل وحتى أعمال المراقبة والضبط أصبحت تتم الكترونياً . وعلى أية حال وكما ذكرت فإن مقترح قيام الحكم في بلادنا على مستويين ربما يكون من البدائل القابلة للنقاش والتداول ولكن بشرط عدم المساس بالحكم المحلى وطمس هويته، ولذلك فإن رؤيتنا تتلخص في إخضاع قيام الحكم على مستويين اتحادى ومحلى وولائي للدراسة وندعو الخبراء والمختصين لتقديم أطروحاتهم في هذا الخصوص .