ذهبنا جميعاً بمختلف مقاسات بطوننا ، نمتطى خصاصتَنا وقِلَّة حيلتنا ، تحدونا مواويل الاحتساب .. الصادرة من حناجر الولاة ، ولاة أمرنا .. المنبعثة من مآذن نداءاتهم الشاهقة الفارهة .. ذهبنا جميعاً بمختلف مقاسات بطوننا صوب مستودعات الأحزمة ..وأمام اللافتة المضيئة الأنيقة التى كُتب عليها (مجَّانيَّة الأحزمة ) اصطففنا أرتالاً أرتالاً .. وشرطة السوارى تعمل على تنظيم الصفوف و مكبِّرات الصوت تستحثُّ القاعدين من الرجال والقواعد من النساء - بفعل الشيخوخة أو الوهن أو المرض أو الجوع والعطش - على النهوض والتحدِّى والصمود أمام كلِّ أنواع المحن والإحن والابتلاءات :أيُّها المواطنون هذا أوان شدَّ البطون .. من حقِّ كلِّ مواطنٍ ، قاصٍ أو دان ، أن يحصل على حزامٍ بالمجَّان ..حزامٌ لكلِّ مواطنٍ ومواطِنة ..حزامٌ للرعاعِ وللرعيَّة .. حزامٌ للرُعاةِ وللدهاقنة . والصدى يردِّد خلف المكبِّرات ونُستثار ، وتسرى الحمية فى أوصالنا كما الكهرباء .. كما الكهرباء ! ولكنَّ بُكاءً ومُكاءً يقطِّع نياط القلوب ينبعث من الداخل ، فتتغيِّر نبرةُ صوت المكبِّرات : أيها المواطنون ، هؤلاء إخوتكم فى الله من ذوى البطون المنتفخة الكبيرة لم يجدوا ما يناسبهم من أحزمة - لاتّساعِ أقطار خصورهم - ففاضتْ أعينهم بالدمع ، بل (جعَّرتْ) حناجرُهم .. المؤمن أخو المؤمن يشدُّ بعضُه بعضاً كالبنيان المرصوص .. فانقطع الصوت والبُكاء وزحفتْ الصفوف ، صفوفنا نحو مستودع الأحزمة .. وفجأة انشقَّ الجدار عن شبَّاك صغيرٍ أسفر أعلاهُ عن لافتةٍ صغيرةٍ تقول : (رسوم دعم ذوى البطون المنتفخة ) ! حملتْ إلينا صحافة الإثنين الماضى نبأ إعلان والى ولاية الخرطوم د. عبد الرحمن الخضر إلغاء العلاج المجَّانى بالمستشفيات والاكتفاء بالعلاج الاقتصادى لمن (يحوز) بطاقة تأمين صحى بقيمة (25) جنيهاً فى الشهر للأسرة .. فمن عجائب الأمور ومفارقات هذا الزمان الغريب نطالع فى الصحيفة نفسها ، فى العدد ذاتِه ، فى الصفحة عينِها أنَّ مواطناً تسلَّق صهريج المياه بمستشفى أمدرمان مهدِّداً بإلقاءِ نفسه من أعلى إذا لم يحضر والى الخرطوم ويحل المسألة ، والمسألة - يا هداك الله - لم تكن سوى عجزه عن دفع مبلغ (مائة جنيه) رسوم لعملية أجراها لإبنه البالغ من العمر خمس سنوات ، حتى يتسنَّى للأب استلام التقرير الطبى ممهوراً بتوقيع الطبيب المتمنِّع ! وجزى اللهُ الشرطة خيراً وهى تهرع إلى مكان الحادث وتقنعه بالنزول لتقتاده إلى القسم وتدوِّن فى مواجهته بلاغاً بتهمة الشروع فى الانتحار ! وتحمل لنا الصحف بين طيَّاتها - أيضاً- فى ذلك اليوم العجيب توجيه السيد والى ولاية الخرطوم بإيقاف استخدام وتركيب عدَّادات الدفع المقدَّم داخل المنازل بالولاية ! فرغم أنَّ كاتب هذه السطور لا يبعد منزلُه أكثر من سبعة عشر كيلو متر من القصر الجمهورى ، أى أنَّه يظن - وليس كلُّ الظنِّ إثماً - أنَّه من قاطنى ولاية الخرطوم .. إلاَّ أنَّه لم يفهم شيئاً فيما يتعلَّق بالخبرين ، فصاح فى وجه الصحيفة التى بين يديه : ويْحكم ، عمَّ تتحدَّثون يا هؤلاء ؟! فمتى كان العلاجُ مجَّاناً حتى تُلغى مجَّانيتُه ؟؟؟!!! ثم أين أين هى (مياه) هيئة مياه الولاية ؟؟!! فنحن - يا حماكم الله - نسكن فى بيئة ليست صالحةً ومياهها مالحة !! بيئة غير صالحة بفعل سحب الدخان الكثيفة التى تنفُثها (كسَّارات) جبل طوريَّة فوق رؤوسنا آناءَ الليل وأطراف النهار غير آبهة بمراجل الصدور التى تغلى وتفور !! ومياهها مالحة وعزيزة ونادرة وغالية ، فقد بلغ ثمن (برميل) مياه الشُّرْب (الموية الحلوه) عشرة جُنيهات بالتمام والكمال ونحن لم نيئس بعدُ من (مائة جنيه ) الرئيس التى أوصى بإضافتها على المرتَّبات ، أتذكرون ؟؟ دعونا نقول لكم - سعادة الوالى - إنَّنا - ومثلنا كُثُر - لسنا معنيين ولا متضرِّرين من إلغاء مجَّانيَّة العلاج أو إيقاف تركيب عدَّادات الدفع المقدَّم !! ومن هذا المنطلق نقف صفَّاً واحداً ونقول لكم : سيروا وعين الله ترعاكم ، ونحن كمواطنين صالحين فى منطقةٍ صالحةٍ نُطالبكم بشئٍ واحدٍ - فلا خير فينا إنْ لم نقلْها - وهو مجَّانية الأحزمة !!! [email protected]