نعود إلى الوطن تحملنا أشواقنا إلى مراتع الصبا وان أصابها القحط، والعودة الى الوطن في الإجازات السنوية، سنة دأب اغلب المغتربين على أدائها، فهم يعودن إلى الوطن بأشواق فياضة ومشاعر دافئة، وأغلبهم يحدث نفسه لو أن أفلح في طلاق الغربة، وعدم مغادرة الوطن، غير أن «الظروف» هي التي تجعل المغترب يتحمل مصاعب الغربة.. رغم أن كثيراً من المغتربين يعانون أشد المعاناة خلال إجازات تتراوح بين شهر إلى ثلاثة أشهر، وفي الأيام الأولى تجد الشكاوى قد تصاعدت من «واقعنا» فهذا يشكو مرض صغاره الذين فتكت بهم الملاريا، وذاك ينتقد «واقعنا» الصحي، وثالث يعبر عن حزنه للحوادث المميتة التي يشهدها طريق الخرطوم ودمدني، ويشاركه في ذلك طريق الخرطومكوستي مرورا بالقطينة، حيث تذهب كثير من الأرواح البرية، فالدولة لم تعبد هذه الطرق، بالمواصفات والمقاييس المتعارف عليها هندسيا، وهذه الطرق بطبيعة الحال لا تشبه أسوأ الطرق التي ينعم بها معشر المغتربين خارج بلادهم التي «يعشقونها»، ونفر آخر من المغتربين وخاصة صغارهم يشكون من «البعوض» ليلاً الذي يسلم دوريته بكل اقتدرا «صباحا» الى جيوش الذباب، وهكذا تتوالى «العذابات»، ويصل الحد ألا يرى المغترب شيئاً يوازي حجم الشوق الذي قدم به من الخارج، وعندما تكتمل الإجازة ويعتزم السفر تجده يسابق الزمن لمغادرة الوطن، وهو ينعته بكثير من السلبيات التي يمكن علاجها، بكل بساطة، والمغترب نفسه لا يمانع في أن يشارك في ذلك عبر تحديد مبلغ «معقول» على كل عملية قنصلية، وليكون شعار ذلك إعادة تأهيل طرقنا القومية، وإصحاح بيئتنا المحلية.. ويقننا أن الدولة ربما ليست في حاجة لدراهم المغتربين، فهي قادرة بمواردها أن تفعل ذلك.. ولكن لا يعرف على وجه الدقة العقبات التي تعترض مثل هذه الأعمال القومية المهمة. ورغم السلبيات التي يراها المغترب بعين فاحصة أكثر من غيره من الذين لم يغادروا الوطن، يبقى «السودان» هو الهواء الذي نتنفس، والحضن الذي نتكئ عليه في ملماتنا، والصدر الدافئ الذي يضمد جراحنا، ومهما تبلغ مغريات «بلاد بره» فلن نجد بديلاً يمنحنا العزة والكرامة والحرية غير السودان، فقط يجب على قياداتنا أن تلتفت إلى احتياجاتنا، وتولي أشد عنايتها إلى صحة الإنسان، وإصلاح المرافق الحيوية، وجعل بلادنا جاذبة وواجهة محببة حتى لغير السودانيين.. أتدعون إلى الاستثمار وتعجزون عن تشييد الطرق وإصلاح المرافق العامة، فالمستثمر أول أسئلته عن أي بلده يود الاستثمار فيه، ماذا عن «الطرق والصحة.. وخاصة صحة البيئة». وإذا أردتم أن تعرفوا لماذا تطول غربة السودانيين فهم عندما يعودون في مثل هذه الإجازات يلاقون أشد أنواع المعاناة داخل وطنهم، وبالتالي يصبرون على مصاعب الغربة، وكلما يتذكر المغترب حجم المعاناة التي يتحملها داخل بلاده في حين يمكن القضاء على أسبابها، تصبح لديه طاقة وقدرة أكبر على تحمل المزيد من السنوات خارج أسوار الوطن الذي نتمنى له أن يتعافى من كل سوء.