قبل ثمانية ايام لاعلان جنوب السودان دولة جديدة تظل قضية ابيي واحدة من القضايا العالقة التي لم يحسم امرها بصورة نهائية، احداث امنية وتوترات شهدتها المنطقة اثرت في جوانبها المختلفة، مركز دراسات الشرق الاوسط وافريقيا تناول امس في ندوة بعنوان (الآثار الاجتماعية والاقتصادية لأحداث ابيي) اشار فيها خبراء الى اهمية دور الادارات الاهلية وتفعيلها من اجل رتق النسيج الاجتماعي بالمنطقة واعادة تأهيل المجتمع فيها مع الحرص على ابعاد المواطنين من الصراعات السياسية مقللين من الآثار الاقتصادية المتوقعة من الانفصال مشيرين الى امكانية استعادة الدولة الشمالية لتوازنها الاقتصادي خلال اقل من عامين. ابتدر الحديث للمنتدى البروفيسور ابو القاسم قور متحدثا عما تعرضت له المنطقة من دمار اجتماعي قائلا ان ذلك تبين من خلال اشكال مختلفة من الجريمة افرزها وجود اكثر من 300 الف قطعة سلاح بالمنطقة في يد المدنيين بعد ان فشلت فيها سياسات الدمج واعادة التسريح ( D.D.R.) كما ان الاثر الاجتماعي تبين في تجييش مجتمع المسيرية ودينكا نوك في منطقة ابيي وقال ان قبيلة المسيرية يسيرها الآن امراء الدفاع الشعبي والمنطقة تتعرض الى فشل في نمط الحياة وهناك انتشار للجيش بالمنطقة بنسبة 6 من كل عشرة من المواطنين واصابة 7 من كل عشرة بمرض الايدز ومنطقة ابيي حاليا لا يوجد بها اي خدمات طبية، وقال ان ما ولد العنف بالمنطقة هو الاحساس بالدونية مشيرا الى ان المجتمع دحر تماما باسباب التسييس والعسكرة من قبل الحركة الشعبية و المؤتمر الوطني ومن خلال زرع الخلاف بين المواطنين في المنطقة. ويمضي قور في حديثه عن المجتمع قائلا بان المجتمع مثل الكائن العضوي له وظائف تتيح له فرصة ان ينتج اذا دحر الى عضو من هذه الاعضاء واول تدمير وقع بالمنطقة هو ازالة النظم التقليدية الثابتة.. هذا اذا نظرنا للقضية بالرؤية الوظيفية وفي حالة حدوث تدمير لهذه النظم من الممكن ان تعيد بناء نفسها الامر المتوقع حدوثه في المستقبل ان يكتشف المسيرية والنوك انهم خسروا مستقبلهم وليس امامهم سوى الله والامل ولكن اذا ما تأخر هذا فقد تتحول عندها منطقة ابيي الى (لا شيء) وما وقع بين المسيرية والدينكا في ابيي واحد من امراض المجتمع التي ستؤثر بالطبع على التكوينات الاجتماعية. ومن خلال الحديث عن ابعاد اجتماعية بحتة خلفه بالحديث استاذ علم الاجتماع بجامعة النيلين اشرف محمد ادهم قائلا ان الجهات الحكومية والاعلام الخارجي يتحدث عن منطقة ابيي بوصفها منطقة بترول فقط مع انها غنية بالعديد من الموارد اضافة الى مساحتها التي تقدر ب 1% من جملة مساحة السودان و 3% من مساحة جنوب السودان الامر الذي حولها الى منطقة نزاع ويقدر سكانها وفق التعداد بان اعداد المسيرية اكثر من اعداد الدينكا ولكن لا نستطيع الجزم بذلك لعدم وجود ارقام حقيقية ويعتقد الكثيرون ان منطقة ابيي لا يوجد فيها غير قبائل المسيرية ودينكا نوك ولكن هذه القبائل شأنها شأن مجموعات كبيرة من قبائل النوبة والداجو والفراتيت والمسيرية والرزيقات وبعض قبائل البرقو والفلاتة الامبرورو وغيرهم من السكان الاصليين. ويقول ادهم بوجود علاقة جدلية بين الاستقرار والامن فالمجتمع في ابيي مكون من مجموعة من الرعاة والمزارعين ولكل مجتمع منهم ثقافته ومكوناته النفسية والمعتقدية التي تتطلب في الرعي صفات الغلظة والخشونة وفقا لطبيعة عمله التي تفترض تعرضه للكثير من المشكلات حتى يدافع عن مئات الآلاف من رؤوس الابقار اما المجتمع الزراعي فيكون وفق طبيعة الشخص في الاستقرار لذا هو ميال للسلم وتأمل الاشياء بطريقة مختلفة.. وجدلية الاستقرار الامني في المجتمعات تكمن في ضرورة وجود توليفة وتركيبة لها تعتبر في تلك المناطق هي نظام الادارات الاهلية.. فالقانون والشرطة والحكومة مثل الاضافات على المجتمع ولكن الادارة الاهلية هي جزء من المكون الاسري وصراع الراعي المسيري والمزارع من قبائل النوك صراع ازلي وتاريخي كان في الماضي يتم حله عن طريق الادارات الاهلية وبصورة يرضاها كل الاطراف، وتكمن قوة الادارة الاهلية في معتقدات الناس وهم يرونها ممثلا لهم اكثر من الدولة ومسألة تسوية النزاعات لا تقف عند التعويضات ودفع الديات بل تتعداها الى المصاهرة والزيجات.. وهناك رموز من المجتمعين كانت حريصة جدا على استمرار حميمية التواصل والتماسك بينم منهم كوال اروب ودينق مجوك والناظر بابو نمر... كما هناك مصالح تبادل تجاري في مناطق ابيي وما بعدها حيث يبادلهم المسيرية بالذرة والسكر والملح والشاي مقابل الاسماك واللحوم الجافة للصيد والسلاح والذي كان يعتمد في الماضي كمظهر اجتماعي ويستخدم في حماية النفس وحاليا هناك العديد من المناطق تأثرت بالتوترات الامنية بالمنطقة التي ادت الى وقف الحياة الاقتصادية والاجتماعية. وفي تحليل آخر للآثار الاجتماعية يقول ادهم ان المجتمع يقوم على التعاون والتنافس والصراع وهي ثلاث ركائز طبيعية للمجتمعات وحدوث السلم المستمر يؤدي الى فشل المجتمعات وتدافع الناس يخلق تنافسا يصل الى درجة الصراع والقتل احيانا عندما يكون ضرورة من ضروريات الحياة.. والقتل والصراع لهما ميزة في تجديد روح المجتمع ولكن مع حدوث الصراع القبلي الدعوي اتجهت مصالح السياسيين من ابناء الشمال والجنوب الى تسييس الامر كما ان هناك قوى غريبة تدير العمل من بعيد خلقت من الصراع القبلي صراعا سياسيا وفقا لمصالحها مستفيدين من التنافس بين الاثنين الامر الذي ادى الى تفرق الاسر وتشتيتها وتهديد القرى وفقدان الثقة وصراعات ادت في احداث ابيي الاخيرة الى مقتل حوالي 30 - 50 الفا من الدينكا والمسيرية بحسب الاممالمتحدة. واختتم ادهم حديثه بأن حكومتي الشمال والجنوب ستظلان بحاجة للتعاون في مجالات المستقبل كافة وفق كثير من المؤثرات لأن ظروف العلاقة تفرض ذلك واوصى بضرورة ان تكف الحكومات عن وضع الدينكا والمسيرية وقودا للحرب وان تعمل الحكومتان على اعادة البناء الاجتماعي والنفسي للسكان واعادة بناء التركيبة النفسية بالاستعانة بخبراء في علم النفس والاجتماع مع اعادة الادارة الاهلية بين المواطنين لدورها في ترميم المنطقة اجتماعيا. وفي سياق اقتصادي مطمئن للوضع الاقتصادي لشمال السودان ما بعد الانفصال ومحذرا من سياسة استخدام الجنوب للجنيه السوداني خلال الستة اشهر القادمة تحدث الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الناير بان شمال السودان غني بموارد ضخمة وكوادر بشرية مؤهلة ولكن الخوف من ملحقات نيفاشا المناطق الثلاث ابيي والنيل الازرق وجنوب كردفان، وان الخطورة الامنية هي المشكلة الاساسية وقال ان المشكلة الاخرى تكمن في هزيمة الاعلام الخارجي للاعلام المحلي وان الحديث عن الاوضاع الامنية يكون له اثر كبير في تخويف المستثمرين ولكن اذا حدث استقرار امني في تلك المناطق فسيعقبه بالتأكيد استقرار سياسي يتحقق خلفا له استقرار الاقتصاد. ولكن ما نود تأكيده ان المجتمع الدولي يبحث عن استقطاع اجزاء اخرى للاستثمار الاجنبي خاصة وان السودان قد تقدم في الفترة ما بعد توقيع اتفاقية نيفاشا وقبل الازمة العالمية الى مراكز متقدمة في مجالات الاستثمار واستقر وقتها سعر الصرف وارتفع الناتج المحلي الاجمالي للسودان الى 65 مليار دولار ولكن ما نخشاه ان تؤثر الاشكالات الامنية في خفض الناتج الاجمالي للبلاد ولكن في حالة حدوث ذلك فانه لن يتجاوز 7% لأن التأثير الناتج من الانفصال سيكون في مجال النفط وهو مضمن في جملة النطاق الصناعي ولكن في المقابل يجب النظر الى ان الانفصال سيؤدي حتما الى خفض معدل السكان ما بين 7 - 8 ملايين نسمة ولكن معدل الفرد في الصرف لن يتأثر والموازنة التي بلغت 11 مليار دولار ستنخفض في العام القادم بالفعل نتيجة تأثير النفط ولكنها ستعاود النمو بعد العام 2013م. ويذهب الناير في حديثه بالقول ان ما حدث اخيرا في ابيي له تأثير على انعدام بعض السلع وارتفاع اسعار سلع اخرى كما سيرتفع بعدها الصرف على قوات الجيش ما يؤدي الى حدوث ضغط على الموازنة العامة ولكن يبقى استقرار المواطنين هو الاهم. وما نحتاجه بالفعل في المرحلة القادمة وجود دبلوماسية عالية وحكمة كبيرة لعدم افلات المناطق الثلاث الى دائرة المجتمع الدولي لذا يجب الجلوس لحل القضايا حتى لا يدمر السودان بعد ان فقد جزءه الجنوبي. وفي مجالات الطرق من المعروف ان ابيي كانت من المناطق التي تتعرض للعزلة في مواسم الامطار ولكن من حسنات البترول ان شركاته أقامت ردميات في الطريق الموازي للسكة الحديد الأمر الذي يجعل الشمال موصولاً بها من ناحية الحركة.. الأمر الذي يجب النظر إليه من وجهة النظر الاقتصادية خاصة في ظل وجود أكثر من 150 سلعة يتم التعامل معها لصالح الجنوب وباعتبار الجنوب دولة اجنبية في التاسع من يوليو يوجب ذلك بان يأخذ هذه السلع من الشمال بالدولار وهنا حذر الناير مما اشار له بنك السودان باستخدام الجنيه السوداني بالجنوب لمدة ستة أشهر منبهاً إلى خطورة العمل مما يجعلها عرضة للتزوير وحدوث اغراق واضاف حتى تستفيد من التبادل التجاري عن طريق أبيي بالسلع الاستراتيجية لابد من التعامل بالدولار. ويذهب الناير في حديثه بأن منطقة أبيي غير غنية بالنفط بقدر ما لديها موارد غابية متمثلة في كثافة اشجار الطلح الذي ينتج عنه «صمغ الطلح» ما يجعلها مؤهلة لقيام مشروعات زراعية آلية كبرى تجعل منها سلة غذاء ومأمن للسودان. وعن الثروة الحيوانية في تلك المناطق يقول انها ثروة للتباهي وغير منتجة لا توفر لحوما أو لبناً ولا تدخل في النشاط الاقتصادي. وعن احاديث توطين الرحل يقول بان قضية الرحل تكمن في ان الثروة الحيوانية «الماشية» اعتادت على رحلة محددة في فصل الخريف واذا تم حل مشكلة المياه والرعي تظل مشكلة ذبابة «التسي تسي» التي تؤذي الماشية وتعرضها للموت أو المرض لذا هناك احتياجات لبحوث علمية في هذا المجال وتقديم خدمات التعليم والصحة، ونادى الناير في ختام حديثه بايجاد اتفاق جديد بدلاً عما تحدثت عنه محكمة لاهاي ويمكن الوصول لانموذج لتوطين الرحل والاستفادة من الموارد الاقتصادية والزراعية وموارد الثروة الحيوانية.