سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    وزارة الخارجية القطرية: نعرب عن قلقنا البالغ من زيادة التصعيد في محيط مدينة الفاشر    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    ياسر عبدالرحمن العطا: يجب مواجهة طموحات دول الشر والمرتزقة العرب في الشتات – شاهد الفيديو    حقائق كاشفة عن السلوك الإيراني!    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    تجارة المعاداة للسامية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قضايا الفكر لا علاقة لها بأجواء السرية والازدواجية الخطابية
نحو مشروع ثقافي توا ثقي مستقبلي (9)

يتحدد تطور وتقدم المجتمعات بقوة دفعها الثقافي من حيث القدرة المستدامة لقابلبات الإبداع والخلق التي تحملها ، وحيوية أنساقها في التفاعل والاستيعاب والتكامل لصنع الثقافة الإستراتجية الضامنة لمراحل تقدم وتنمية المجتمع ، والمحددة لطبيعة مهامه عبر التاريخ . ومن ثم فان أي تغير في الثقافة يتضمن فعلياً تغيراً في المجتمع من حيث أهدافه ورؤاه التنموية ... وعلية فان أي فعل تغييري حقيقي يبدأ من الثقافة ومكوناتها أن أراد أن يكتب له النجاح والاستمرارية .... هذا الفعل يجب إن تتكثف رؤاه عبر جدال فكري عميق يستشرف المستقبل ويتجاوز الماضي بأدوات نقد بمقتربات تمتلك صلاحية ملامسة واقع تاريخي متعين قصد إنتاج اسئله الحاضر للإجابة علي قضاياه الإنسانية المستقبلية .
إشكالية العلاقة بالنص،يطمح المشروع الثقافي التواثقي للإجابة علي تساؤل مسكون بشجن حميم بالواقع،هل يمكن تجديد الفكر التديني دون تجديد منهج فهم الدين ونصوصه المرجعية القرآنية والسنية (ما كان متصل فيها بوحي تشريعي لسنة حياة إنسانية عامة،لا بطبيعية بشرية لحياة نبوية خاصة).ليتم ذلك قرآناً وسنة بوحي يُوصل بين المطلق والنسبي وبين الكل والجزء للوعي بالكل بهدف وضع الإنسان في سياق تاريخي ووجودي اشمل للعلاقة بينه ومحيطه الكوني، فهو تحرير له من الاغتراب ليجعل من الوحي النصي عاملاً معرفياً توحيدياً وإبداعيا يقود بحكم بنائه اللغوي وفلسفته الداخلية.لذلك المبتغى ذلك أن أي عملية نهوض مجتمعي دون الاعتماد علي الذات كمرجع توحيدي سيسقط إمكانية أساسية في عملية النهوض،لان القرآن بهذا المعني هو الهوية التاريخية والذاكرة الجماعية:خاطب به الله(وهو المطلق) الإنسان (وهو النسبي)عن طريق اللغة التي تختزل الوجود في مفردات ذات دلالة رمزية (أيديولوجية) ثقافية وسياسية ولكننا نعجز باستمرار عن السيطرة الكلية بها علي حقائق الوجود لان مددها من مداد كلمات الله التي لا تنضب ابداً،وأمام هذه الوضعية الامتناهية الرحابة تتكشف حيرة الإنسان وعجز وسائطه تدبراً في أعماق الوجود وأسرار اللغة بحثاً عن رمزية التناغم بنيهما التي يجسرها القران الذي يساعد البشر في ربط صلة إبداعية بين اللغة والوجود في علاقة متجددة لا تعرف حدوداً أو نهاية.فكما أن الوجود لا تنتهي أسراره فان القرآن كذلك بأسلوبه المفتوح علي العالم لا تتوقف معانيه عند قراءة واحدة حتى يبعث يوم القيامة بكراً،فلقد قدم الوحي إجابات علي أسئلة جوهرية كلما تعمقنا فيها أحالتنا علي أسئلة جديدة.فالوحي قد وفر أرضية مشتركة لتثبيت علاقات الله والإنسان والإنسان والوجود،ولكننا احياناً بفعل عاملي: الجمود المعرفي والنفسي والاجتماعي أولاً والتطورات العلمية والمتغيرات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية ثانياً غالباً ما نحتاج إلي اتجاه تجديد توحيدي وإعادة تأسيس متواصل. الوحي لم يكن بديلاً عن العلم ولا حائلاً دون البحث كما يحكي لنا القران عظة المعرفة الإيمانية الإبراهيمية(وهو النبي المؤيد بالوحي):تفكراً منهجياً في آيات الكون وظواهره الطبيعية وصولاً للتوحيد الرباني المطلق،وإعقالاً تاملياً في سنة الله في الخليقة تُستخرج حياة فيها من ممات وصولاً لعبرة ميعاد آزلى تستكمل فيه معاناة النسبة في البحث عن الحقيقة ببشارة وحي إلهي وهدي إرشادي لتطمئن قلوب ذاكرة وواعية بيقين ثابت تصدقه حواس وجوارح هي أدواته المنهجية الإيمانية لناتج معرفي إيماني.
إشكالية العلاقة بالنص في المشروع التواثقي، خصوصاً القرآني منه هي محاولة لقراءة تتمحور حول الإنسان باحتياجاته ومخزون ثقافته ضمن انساقاها التاريخية فهو(خط مسطور يتكلم به الرجال)علي قواعد اللغة والويات الموقف من قضايا المعاصرة فهو إذن:تفسير توحيدي موضوعي ذو نزوع مقاصدي لا يفصل النصوص عن أهداف الدين الكبرى، حتى لا يقع في القراءات التجزيئية التي تفقده الرؤية الشاملة لبنيته (الديناميكية) المتكاملة،والتي تهدف ضمن ما تهدف إليه بناء مجتمع الاستخلاف الإنساني: إيمانا بمهمته الاجتماعية وتجاوزاً لملابسات بيئته الظرفية لتحقيق عالمية صالحة لكل زمان ومكان، فهو سعي لعلاقة جدلية بين الوحي باعتباره المصدر والعقل الإنساني باعتباره متلقياً لعبء رسالة الاستخلاف ومناط التكليف الذي كلما تطور وعيه إلا والقي أضواء جديدة علي الوحي برسائل متجددة عبر الزمان، يتحدد نماء الفكر البشري بها بتفاعل مع نصوصه: الأصولية المحكمات قطعية الدلالة ومتشابهاتها ظنية الدلالة لتحمل معانيها وما يُستنبط من مبادئ كلية في العقيدة والسياسية والاقتصاد توحيداً وبعثاً ونبوة وشوري وعدالةً ومساواة،أو حكمية لا يتعبد بشعائرها فقط بل من فلسفة علاتها صراحةً أو اشارةً لتحقيق مقاصد الشارع العليا ومصالح المجتمعات في عمارة الأرض وحفظ نظام التعايش فيها واستمرار صلاحها بصلاح المستخلفين فيها بقيامهم بما كلفوا به من عدل واستقامة في العقل والعمل والأرض استنباطاً لخيراتها وتدبيراً لجميع منافعها.والهدف من ذلك هو الانتقال بالنصوص من الحالة الدفاعية التبريرية الاتاريخية إلي حالة من الانفتاح الإبداعي التاريخي لتقديم حلول وتصورات إنسانية مستقبلية للتغيير الاجتماعي والنهوض الحضاري ب:تجديد الوعي بالإشكالية كهم رئيسي من هموم مرحلة لا تُغيب الواقع للتغير في اتجاه الأهداف المرجوة ،بل تتعلق بمعاشه ومعارفه وأوطانه بقراءة وكان القران قد تنزل علي إنسان واقعها،اكتساباً لمقومات ما ذكرته متنوع مصادرها وتجاربها،وتجميعاً للنصوص المتعلقة بإشكاليتها المطروحة، بحثاً عن نسقها الداخلي ومؤشراتها العامة في اتجاه معرفي يؤثر في السلوك الفردي والجماعي لتعبئة جماهيرها نحو أهداف نضالية ترتقي بهم نحو الأفضل وتحول علوم تفسيرهم لها من تفسير تجزيئي (=تفسير آيات) إلي تفسير توحيدي(=تفسير موضوعات)بأسباب نزول تدفع لفهم آياته في منعطفات حادثات للارتقاء من الواقع الوطني والقومي والعالمي إلي النص في شموليته لتاطير المشكلات نظرياً ومن ثم التوصل إلي موقف فكري وعملي منها عبر:المواءمة بين العقل والنقل،فالنقل في خدمة العقل والعقل في خدمة المصالح العامة والمصالح قاعدة التنمية الشاملة والعقلانية الإسلامية التنويرية التي تجعل الأصل في الأشياء الإباحة،فالحلال هو أس الدين والحياة والتحريم هو استثنائها،لينتج عن ذلك جدال وعي بين النصوص ومقاصدها والعلوم ونجاعتها العملية وجماهير الأمة ومصالح أغلبيتها تعاملاً مع القران بمستوييه:مستوي كونه نصاً محكوماً بالإطار ألزماني والمكاني الذي تنزل فيه بما يحيل باستمرار قرائه ومفسريه إلي مختلف مكونات البيئية العربية خلال القرن السادس الميلادي أولاً، ولكن ثانياً وذلك الأهم بمستوي الوحي المفارق للزمان والمكان الذي يهدف إلي دفع الحراك الإنساني إلي الأمام من خلال رسم الأهداف الكبرى وضبط القيم الخالدة،وتمكين البشرية من آلية مفاهيمية للتعاطي مع المستقبل انطلاقاً من الأبعاد الرمزية للغة والدلالات التاريخية لأسباب حادثات تنزله الأول.فتلك سيرة الرسول(ص) في سنته التطبيقية لمنهج التغيير:ارتباطاً ثقافياً منفعلاً بالواقع من اجل تبديله بصفة جوهرية وجذرية لتأسيس زمانه والتبشير بزمان آت لتظل التجربة الإسلامية من بعده حتى قيام الساعة منفتحة علي تطور الحياة المستقبلية نحو أفق ما تسمح به كل مرحلة من مراحلها التاريخية لتتحد كلها في ميعاد أزل الحياة الآخرة.والذي حصل بعد ذلك انحرافاً عن هذا الهدي وخلطاً في التعامل مع مستويات هذه القراءة،إن المسلمين وخاصة حكامهم وعلماءهم لم يتمكنوا من التميز بينهما فعملوا علي حصر القران ضمن آليات تفكير مجتزأة تاريخياً وموضوعياً،غالباً بقرون محصورات. ليتم فقدان عامل من أهم عوامله:وهو إنشاء التوافق الخلاق بين المنظومة القرآنية والمنظومة الواقعية حتى لا ينشطرا اغتراباً إستلابياً بالمفاهيم الادينية إلي عالمين ليس بينهما من تواصل.فيصدق فينا التوصيف القرآني الساخر لهذه الثنائية البغيضة:فهي من جهة استحماراً يحمل أسفاراً ، ذلك إن حمل أمانة الكتب السماوية ليست مجرد صفة تحمل إلحاقاً بمن توهم استحمالها،إذا لم تقم بتبعات استنطاقها بالواقع تحقيقاً لأهداف الرسالة الاستخلافية (=مفارقة الوظيفة للمحتوي)، وهي من جهة آخري ازدواجاً انفصامياً مستنكراً بكبر المقت من عند الله مابين القول والفعل أي عندما لا ننجح في المواءمة بين الغايات النظرية المبدئية بأهدافها الثقافية الإنسانية الثابتة وبين مقتضيات تحقق شروطها السلوكية بوسائلها الثقافية الإنسانية المتغيرة بتحديات المعاصرة المعقدة(=مفارقة الفكر للتطبيق).بل أن ما يضاعف الحاجة إلي إلغاء هذه الثنائية كونها تتم في ظل فضاء معرفي أحادي لهيمنة حضارية تسعي(لعولمة) تجاربها وأنماطها بأوجه سلبها وإيجابها في مقابل انحسار حضاري خارج حركتي الواقع والتاريخ بفعل الهزائم النفسية والاقتصادي والعسكرية الاستعمارية.
ولعل من مستدركات هذه الرؤية الثقافية المرجوة،تثوير التراث ليس عبر إلحاق صوري بالنص المرجعي:فلطرفي المعادلة(النص المرجعي، التراث ألتديني)استقلاليتهما في العلاقة بالآخر حتى لا يُضفي احياناً علي ما أنتجته الفرق والمذاهب من اجتهاد وفتوى طابعاً اقرب للقداسة التي تحولها إلي جزء من العقيدة التي تقترن مخالفتها بالخروج عن الدين.انه موقف ثقافي لا يعتبر التراث حصيلة يمكن التصرف فيها،بل يتعامل معه كالإرث الأسطوري الذي يجب أن يحفظ كما هو دون تغيير.وذلك انعكاس للعقلية التقليدية والبنية الاجتماعية المغلقة التي هيمنت طوال قرون متواليات، والخروج من هذه الإشكالية لا يكون كما يوصف أدعياء(الائكية) بإتباع التسلسل التاريخي الأوربي بالدعوة إلي قيام نوع من القطيعة مع المنظومة التراثية بزعم أنها تؤدي حتماً إلي الوقوع في حاله اغتراب في الماضي بتبني أولوياته والانخراط في صراعاته الغيبة،بل يتم هذا الخروج باعتماد الدين في مناهج التغيير الاجتماعي من اجل ربط تغيرها بتجديد الفكر ألتديني التراثي وأصول تفقه كما ظلت تناظر بذلك المدرسة(الترابية) ردحاً من زمان.المقابلة أذن لا تقوم علي تهميش العامل الديني بالاستعاضة عنه بالمراهنة علي (أيدلوجيات لائكيه) ولكنها ايضاً لا تتواري عن مشكلات حقيقية كامنة في مواجهة اقتصاد أو سياسية أو مقتضيات حداثة.فالمجتمعات هي في العمق تراكم لجملة من القيم والمفاهيم والتاريخ المتوارث المشترك والمعاناة الشخصية الفردية والجماعية، وفي تجربتنا كان طابع الإسلام الشمولي يتداخل بتشابك منطقي مع العامل الديني ومختلف الأبعاد الآخرى للعمران البشري الأمر الذي اكسب مسألة التراث مكانة محورية.فالقطيعة عنه غير ممكنة،كما أنها ليست ضرورية للنهوض بالواقع المتخلف لأنه في الحقيقة مخزون نفسي عند الجماهير وهو بهذا المعني ليس قضية دراسة للماضي العتيق فحسب بل هو جزء من مكونات الواقع النفسية والثقافية بأفكاره وتصوراته الموجهة لسلوك الجماهير في حياتها اليومية،وعندما يكتسي هذا الأهمية:فان الدعوة للاهتمام به وتجديده ليست دفاعاً اعمي عن موروث قديم،بل ضرورة من ضرورات التغيير للقضاء علي المعوقات الفكرية التي تراكمت في الماضي،وإبراز مواطن القوة والأصالة التي تتأسس بمفعولها نهضة حديثة.فالاهتمام به حاجة يمليها الوعي التاريخي من اجل تحقيق انسجامه والقضاء علي مظاهر الانفصام في الشخصية والاغتراب عن صناعة الأحداث، فهو ليس شغلاً دينياً خالصاً بل هو مهمة حضارية وطنية يمليها البحث عن أنجع الطرق وأفضلها للنهوض ألتغييري.
ولعله ايضاً من مستكملات تمام الرؤية الثقافية المأمولة،بعث جديد للنظر في العقائد،كيف نجدد الفكر ألتديني علي مقتضي المرحلة التاريخية بحسبانها مرحلة تنوير واستقلال العقل؟ كيف أهل الله الإنسان لخلافته في الأرض وجاء الوحي رحمه من الله مرشداً للعقل؟ثم جاء القران إعلاناً عن توقف الوحي واستقلال العقل؟ والاهم من ذلك:كيف نربط الدين بالثورة، لتصير العقائد بواعث علي النشاط الذي يصنع الإنسان والتاريخ؟وكيف يتحول التدين إلي (أيدلوجيا) ثورية تعبئ الأمة في معاركها من اجل التقدم والتنمية والتحرر والعدالة الاجتماعية؟.هذه الأسئلة ستعيد ربط العقائد بهموم الناس ومشاكلهم،وتلك سنة لازمت تاريخ الأديان وسير المصلحين الدينين.ولكنها اليوم مطالبة بالانتظام في حركة وعي جماهيري ب(لاهوت) تحرري مستنير للقضاء علي ظواهر الاستضعاف التاريخي بمختلف مدلولاتها:العقائدية (= العقائد التي ترسخ لمفاهيم الاستكانة والخضوع السالب للذات الإنسانية) والثقافية (= الايدولوجيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تحافظ علي أوضاع التظالم السالب للجماعية الإنسانية).وانجاز هذه المهمة مرتبط بدوره بحقلين مهمين للتفقه الثقافي هما:مبدأ التوحيد ومبدأ استقلال العقل،كمجالين لتحقق البعث الجديد للنظر في العقائد،مبدأ التوحيد يمثل قاعدة صلبة للفكر التحرري الإنساني: فالإيمان بالله نفي للعبثية وتأكيد للغائية التي تجعل للكون منطقاً داخلياً وللحياة تاريخاً ومستقبلاً قاصداً،فالله(عز وجل) هو غاية الغايات،فبمقدار سعينا البشري نحوه زلفى بالطاعات نتقرب من كمال الصفات،وأي قرب من الذات الإلهية هو تحقيق ارقي للذات الإنسانية التي تسيطر علي القوانين وتوظفها من اجل ولادة الإنسان الرباني الذي يصنع التاريخ بعقلية التعالي علي التاريخ ليبقي داخل التاريخ.فالتوحيد هو ارتقاء مستمر ونسبي من الواقع للمثال عبر المجاهدة الإنسانية لتقليص مجالات التناقض وتكثيف الانجازات الثقافية والاجتماعية والسياسية ليحصل الاقتراب التدريجي من المجتمع التوحيدي العادل الذي يحدث الانسجام بين الإنسان وإنسانيته وبينهما معاً والكون التعبدي العريض قضاءاً علي المعوقات الفكرية التي انحرفت بها عن مسارها لتنسجم من جديد مع المنظومة الكونية،وفهماً لنسبية المجاهدة البشرية في القضاء عليها لتأخذ موضعها الطبيعي لحركة إنسانها داخل التاريخ لا خارجه،يصدق ذلك:اختلاف الأنبياء في مناهج ومضامين رسالاتهم رغم اتخاذهم جميعاً لمبدأ التوحيد، الاجتهاد الإنساني تأويلا يواكب التطورات التي تطرأ علي تركيبه الواقع، التدافع الإنساني اختلافاً تأكده ضرورة الصراع الايجابي لتحقيق الانسجام والوحدة انه صراع من اجل قيم العدل والحرية والمساواة،وهذا كله لن يتم إلا تسليماً بوجود رب متعال خالق للوجود يستوي الجميع أمامه خضوعاً بحكم الخلق أو عبادة نتيجة التأمل الإيمانى ليوقن اعتقاداً بان ما دونه لا يتمتع باى خاصية من خصائص الربوبية،وهذا بدورة لن يتم إلا بحرية تأكد علي الإنسان بصفة مطلقة:هو خليفة الله في الأرض وإنها خلافة تعني في السياق القرآني ثقة كبيره في ابن آدم نفسه في مؤهلاته العقلية والخلقية،كما تعني ايضاً اعتبار هذا الكائن البشري مسئولاً مسئولية كاملة عن أفعاله واختياراته وانجازاته الايجابية والسالبة نتيجة لتمتعه بحريته الكاملة. إن مبدأ التوحيد وتداعياته الاجتماعية بنظر الرؤية الثقافية التواثقية، يمثل قاعدة البناء العقائدي والفكري للتصور الإنساني التحرري،فهو الأساس الذي يحدد النظرة للكون والحياة والإنسان،وهو المنطلق الذي تبني عليه الحريات والواجبات.فالإنسان المؤمن الذي يفرد الله بالعبادة والاستعلاء لا يستطيع أن يعامل الناس أيا كانت أجناسهم وأوضاعهم إلا علي أنهم أنداد وأشباه .أنهم جميعاً متساوون لا تفرق الموروثات أو المظاهر العرفية بينهم كما لايمكن أن تحجزهم عن التقدم والارتقاء،بل هو استعلاء بالتوحيد عن كل استبداد سياسي أو استكبار اقتصادي أو هيمنة ثقافية.ثم يأتي ثاني هذا المبادئ وهو استقلال العقل ألاستخلافي، والذي تم تدشينه مع الإعلان عن ختم النبوة الذي تم بتوقف الوحي مع نزول آخر أية من القران.أن توقف الوحي لا يعني الغاءة أو تجاوزه تاريخياً،لكنه يعني انقطاع سلسلة الأنبياء واكتمال مرحلة تربية الإنسان وتدريبه علي أن يصبح قادراً علي مواصلة المسيرة البشرية بدون انتظار نبي أو رسول أو مسيح منتظراً أو مهدي لآخر زمان.إن اكتمال الرسالة النبوية تزامن مع نضج العقل البشري وتوفر الشروط الأساسية لبناء الإرادة الإنسانية.فالوحي في التاريخ كان مواكباً لتطور وعي الإنسان حتى اكتماله ونضجه واستقلاله.إذ أن تأهيل الإنسان لمهمة الاستخلاف العمراني استمرت قروناً عديدة حتى جاء الرسول محمد(ص) ليكون اللبنة الأخيرة في البناء النبوي،وليعلن القران استقلال العقل وتوقف الوحي والتبشير بعصر التنوير.يقول (محمد إقبال):إن ابرز مظاهر الثورة الإسلامية إعلان القران صراحة إن قيادة العالم سوف تكون من بعد وقت اكتمال الوحي فصاعداً بيد الإنسان الذي لم يعد كائناً تحت الحضانة،لقد أصبح إنساناً راشداً،علية الاسترشاد بالمبادئ القرآنية العامة الهادية لينطلق بعد ذلك معتمداً علي نفسه وعقله في مواجهة خضم الحياة إلي آخر الدهر،فهذا هو جوهر فكره ختام النبوة،وتلك هي القيمة الثقافية لأحدي ثمرات الفكر الإسلامي العظيم.إن النظر للأمر من هذه الزاوية يعني أن نبي الإسلام قد قام بين العالم القديم والعالم الحديث.فهو من العالم القديم باعتبار مصدر رسالته،وهو من العالم الحديث باعتبار الروح التي انطوت عليها رسالته:فمولد الإسلام هو مولد العقل الاستدلالي، فلكي تدرك النبوة كمالها الأخير فإنها كانت في حاجة إلي ختم النبوة نفسها،وهو أمر ينطوي علي إدراكها العميق باستحالة بقاء الوجود معتمداً إلي الأبد علي وجودها، إن الإنسان لكي تحصل كمال معرفته لنفسه ينبغي أن يترك ليعتمد في النهاية علي وسائله،ومن هنا نفهم إبطال الإسلام للرهبنة(= احتكار المعرفة بشتى إشكالها) ووراثة الملك(=احتكار السلطة بمختلف صورها) ليناشد القرآن عناصر التجربة العقلية الاستخلافية علي الدوام بإصراره علي نظرها:تدبراً وتأملاً لأولي الألباب في سنن الكون وعظة من أخبار الأولين باعتبارهما من مصادر المعرفة الإنسانية.الإنسان المؤمن بهذا المعني هو محور الحياة الكونية وهدف الرسالة وغاية التشريع داخل منظومة(الإنسان،الكون،الله) التي لا تقوم علي التناقض والتباعد بين أطرافها، ترتيباً مقلوباً أو منفصلاً عن أهدافها التوحيدية ببعض اعتقاد بأن الله عز وجل لا يتحقق إثباته إلا بتحجيم الإنسان والكون وتوسيع المسافات المعنوية بين الله وخلقيه،وذلك قد يفرغ ثقافياً مفهوم خلافة الإنسان من أبعادها التحررية بل ويمكن أن يدفع في اتجاه معاكس تتمحور فيه هذه الخلافة حول السلطة والخليفة الحاكم،الذي بدورة ينتقل من خليفة للناس إلي خليفة للرب يحكم بالنيابة عنه، أي الانتكاس بالخلافة من كونها نقلة نوعية لدور الإنسان التعبدي في الكون والحياة إلي مشروع سياسي مستبد،فالإنسان الخليفة متعدد الأبعاد الثقافية يتحسس محيطه ويبني معرفته انطلاقاً من زوايا مختلفة لا ينفع معها اختزاله في بعد واحد يقلص مهامه ويسقطها في تناقض مرير مع ذاته إما:بنفي الله وما يترتب علي ذلك من تسطيح الوجود بتحوله إلي كتلة مادية لا دينيه وعيها في لا وعيها،أو بوضعه في حاله اغتراب مطلق مع الله،إن عملية الفصل بين أبعاد الإنسان المتعددةً تجعل المنظومة المعرفية مفككة وإقصائية لكثير من العناصر التي لا تحتمل التعسف والتي من أهمها فهم الإنسان ودوره الرسالي التوحيدي التحرري، وما بقاء الدين واستمراره كتحد متواصل رغم كل محاولات إقصائه إلا دليل علي خلوده الأبدي واستعصائه علي كل محاولات تهميشه عن القيام بدوره في قيادة البشرية حتى قيام الساعة.
إشكالية إدارة الأزمة وازدواجية الخطاب،نحتاج من ضمن مانحتاج إليه ثقافة أصولية توحيدية مستقبلية للتعامل مع إدارة الخلاف والأزمات الداخلية من جهة تأهيل الأفراد والتنظيمات إلي استيعاب الخلافات وإدارتها بشكل ديمقراطي لمواجهة ظاهرة التماسك والهشاشة في نفس الوقت التي يطرحها التدفق السريع لطرح الإشكاليات وذلك حتى لا يهتز البنيان النظري لثقافة الأفراد والتنظيمات بشكل فجائي وسريع، يكفي أن تشك في احدي حلقاتها الأساسية فتنظر للأمور من زاوية أخري غير الزاوية المعروفة حتى يبدو لك البناء كله معوجاً وغير عادي، تحاول ترقيع الأطروحة ،لكنك كلما توغلت في المراجعة والتعديل ازدادت المسافة بينك ونقطة البداية للانطلاق في عملية بحث جديدة في العناصر التي تبقي متمسكاً بها ضمن إطار عام سابق تكون محتاجه إلي وضعها في إطار نظري مختلف لتحافظ علي مكانتها وجدواها. إن ثقافة الأفراد والتنظيمات المنغلقة غير المبنية علي فكرة الخلاف والتعايش ضمن التعددية ستسهم بشكل رئيسي في تحويل التباين في وجهات النظر إلي أزمات اقصائية حادة: ذلك أنها ثقافة تُبني علي حلم تطهري جميل يرفض دوماً أن يستيقظ عن (فانتازيا)واقع مغاير(=القران الكريم خطاب لايتضمن أي إشكال تحدي بأسئلة الواقع والصحابة جيل قراني فريد لا يحده الزمان والمكان،ليس من الضروري الاهتمام بتفاعل وعيهم بهذا الخطاب داخل محيطهم بما يملك من ارث وقضايا معقدة). وهكذا تلجأ الثقافة غير المؤهلة بشروط العمل الديمقراطي لإدارة خلافاتها إلي إستراتيجية دفاعية تعتمد علي الولاء الاعمي قبل الانخراط في البحث عن الحقيقة عندها يكتشف المنتمين لهذه الثقافة أن واجباته نحوها لا تحصي بينما واجباتها نحوه عند خلافه معها تكاد تكون معدومة لتبقي الغاية القصوى هي في الحفاظ علي الاستمرارية والبقاء بينما يتحول النقد والسؤال في غياب مؤسسات الحوار إلي أدوات لتهديم عالم من الطمأنينة الزائفة وخوض في متاهات الحيرة والشك في الذات والمستقبل التي لا طائل منها،ذلك أن الثقافة التنظيمية بدون استثناء محافظة بالضرورة، لأنها تحتاج إلي شعارات والي مسلمات.أما القيادة فيها فلا تمارس سلطتها إلا بدعوة المنتمين وتحريضهم علي الانضباط والعمل علي تكريس فكرة الثوابت وحماية المكتسبات وذلك لن يتم غالباً إلا في حالات الاستقرار (الأيدلوجي) وغياب الرأي المخالف ليتحدد الصراع عبر التاريخ بين ثقافة المفكر وثقافة التنظيم.تولد الفكرة أولاً ثم تنتظر تنظيماً يتبناها ليدافع عنها ويجسدها وعندما يقع بعث هذه التنظيم يُخضع الفكرة لمنطقه وآلياته ومصالحه، فتصبح الفكرة للتنظيم بدل أن يكون هو وسيلة لتحقيقها.وإذا ما قام البعض بالعمل سواء من اجل إعادة الاعتبار للفكرة التي قام من اجلها التنظيم أو طرح أسئلة جديدة أملتها المتغيرات أو مراجعة ما كان مسلماً به في مرحلة سابقة يسود الاعتقاد في اغلب الأحيان بان تجديد الفكر سيُعرض البناء التنظيمي كله للخطر وبالتالي الوصول الي موقف الرفض والإقصاء أو في أحسن الأحوال الدعوة للتريث والتفكير المرحلي،في هذا السياق يتم اللجوء إلي الدفاع التبريري وتتغلب الأخلاق الحزبية علي الأخلاق الدينية التي بُني عليها العمل الإسلامي خاصةً أو الوطني عامةً لسحب الشرعية من الآخر الذي كان قبل فترة وجيزة جزءاً من الذات حيث يقع التركيز علي الطعن في سلوكيات المخالفين والقدح في محتوي مرجعياتهم الفكرية فلابد من تقديمهم في صورة مخالفة بل ومناقضة للنموذج الأخلاقي الذي تتمحور حوله الثقافة التربوية التي تقوم عليها هذه التنظيمات.بينما الاوجب عوضاً عن ذلك مناقشة طبيعية التحديات المتعاظمة في ظل ثقافة (معلمنة) وعدم مواكبة تطور الفكر الإسلامي خاصة والوطني عامة منذ قرون لما تقضيه ظروف تحول ثقافي تواثقى مستقبلي.ومما يزيد الأمر استفحالاً اقتران هذه الوضعية بازدواجية خطاب ثقافي وسلوك حركي:يتراوح بين الجهرية المعلنة والسرية المغلقة بدعوي حماية الأسرار التنظيمية السياسية حيناً أو بدعوي انعكاسها المباشر والسريع علي المكاسب الجماعية احياناً آخري في وجه ممارسة نقد ذاتي قد يكون امراً حيوياً لتطورها وإصلاحها من التقوقع بقبول التعددية داخلها بل وبالهياكل والآليات التي تسمح بالتنوع والمحاسبة وقواعد اللعبة الديمقراطية التي توفر التعايش والتقابل بين الأغلبية والأقلية. والعلامة الأوضح في هذا التراوح جهراً وسراً: هو أن قضايا الفكر لا علاقة لها بأجواء ثقافة السرية والازدواجية الخطابية.فلا يمكن صناعة فكر خلاق تحت الأرض ،إلا في ظروف استثنائية تفرض علي مثقفيها من قبل حكام مستبدين يضطرونها لمفارقة قاعدة خيارها الاستراتيجي في العلانية، فالسرية حالة نفسية وثقافية تحدث تحولاً تدريجياً في شخصية المنتمين لها ثقافياً وتدفعهم نحو بناء عالم وهمي لا صله له بالواقع الموضوعي المحيط بهم وهي عندما تلتصق بفكر(راديكالي) يدفع نحو القطيعة ويخلق حاله ثقافية وسياسية متوترة مع السلطة والمحيط الاجتماعي في مناخ يغذي(الايدولوجيا) الصدامية والميل النفسي نحو العنف الذي قد يختزل الحياة وفضاءات المجتمع الفسيح إلي صراع ثنائي:بين أتباع الحق وقوى الباطل، الذي قد يقود إلي تساؤل هل نحن أنموذج التمثل الإسلامي أو الوطني الأوحد أم احد تيارات أنموذج هذا التمثل ليس إلا؟. وهذه إعادة للتاريخ إلي الوراء في التجربة الإسلامية أو الوطنية تفصل بين المكي والمدني في القران وتعيد توزيع الأحكام الشرعية والفقهية بين دار إسلام أو وطن ممثل في معتنقي هذه الثقافة ومن والاها من أفراد وتنظيمات،ودار حرب ممثلة في من خالفها من أفراد وتنظيمات.إن الوجود داخل تشكيلات هذه الثقافة لا يعني بالضرورة أن يكون منتسبيها علي صواب دائم وغيرهم علي خطأ دائم، فقد يكون العكس في بعض الحالات هو الأصح.هذه النسبية القيمية والأخلاقية ستتيح أن لا تكون عملية التغيير والإصلاح أحادية الاتجاه،أي من تشكيلات هذه الثقافة التنظيمية نحو المجتمع،بل أن تأخذ طابعاً جدلياً يفيد طرفيها لتصبح جزءاً من المجتمع وليست خارجاً عنه أو متمرداً عليه أو بديلاً له إلا من باب التجاوز البناء.وان لا يتحول مفهوم عقد البيعة كلحظة ذات دلالة رمزية هامة داخل التشكيلات الهرمية لهذا التنظيمات أو في المحيطين المجتمعي المدني والسلطاني السياسي:إلي التزام قائم علي ثقة منقادة،لا رؤية ناقدة،والي إرادة منفردة لا إرادات متشاركة.ليتم بها تغييب مسألة الديمقراطية أو الشورى في الوعي المستقبلي لمشروع التواثق النهضوى الثقافي، لينتهي المطاف إلي:لا تعددية،ولا قاعدة مشتركة،ولاعودة لتحكيم الجماهير، ولا مؤسسات يوكل اليها إدارة الصراعات داخل المجتمع الواحد.بل يصبح الدفاع عن العقيدة الثقافة التي هي في العمق دفاعاً عن شي مجرد غائي في ذاته وليس وسيلة لربط الرسالة بالمجتمع والعدل بالثروة، هكذا تهمش الثقافة نفسها بان تجعل كيانها ورسالتها الوظيفية خارج الدورة الاجتماعية بل وتنتهي عملياً لتدعيم أكثر القطاعات استكباراً ورجعيةً في المجتمع.
كاتب صحفي و باحث في مجال دراسات السلام و التنمية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.