أيهما تُفَضَّل، الأمن أم الحرية؟؟    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    شاهد بالصورة.. الطالب "ساتي" يعتذر ويُقبل رأس معلمه ويكسب تعاطف الآلاف    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    بعثه الأهلي شندي تغادر إلى مدينة دنقلا    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    الخارجية ترحب بالبيان الصحفي لجامعة الدول العربية    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المضامين الوظيفية للخطاب الإعلامي والسياسي
نحو مشروع ثقافي توا ثقي مستقبلي (3)

يتحدد تطور وتقدم المجتمعات بقوة دفعها الثقافي من حيث القدرة المستدامة لقابلبات الإبداع والخلق التي تحملها ، وحيوية أنساقها في التفاعل والاستيعاب والتكامل لصنع الثقافة الإستراتجية الضامنة لمراحل تقدم وتنمية المجتمع ، والمحددة لطبيعة مهامه عبر التاريخ . ومن ثم فان أي تغير في الثقافة يتضمن فعلياً تغيراً في المجتمع من حيث أهدافه ورؤاه التنموية ... وعلية فان أي فعل تغييري حقيقي يبدأ من الثقافة ومكوناتها أن أراد أن يكتب له النجاح والاستمرارية .... هذا الفعل يجب إن تتكثف رؤاه عبر جدال فكري عميق يستشرف المستقبل ويتجاوز الماضي بأدوات نقد بمقتربات تمتلك صلاحية ملامسة واقع تاريخي متعين قصد إنتاج اسئله الحاضر للإجابة علي قضاياه الإنسانية المستقبلية .
الخروج من المشهد الوطني الحالي بكل عناصر تناقضه لن يتم إلا بإنجاز خطاب سياسي وإعلامي (تحرري) :
* يملك سلطة تأسيس جديد للعلاقة بالثقافي : إعادة توصيف العلاقة بالثقافي ليس كملحق أو تابع هامش ، فالمطلوب ليس تسييس الثقافة بل تثقيف السياسية . ذلك انه في عديد التجارب الفكرية تقام أمانات للثقافة والإعلام ، وفي مختلف التشكيلات السياسية تتزين صدر محافل الوزارات (وزارة للثقافة والإعلام) : تنشأ بدافعات التعبئة الايدولوجية الرسمية ويلحق بها تزيداً (اسمياً) مصطلح الثقافة لتكتمل بها معادلات أو مساومات قسمة سلطوية لا تسندها وجاهة حجة ورؤية إلا من ترضيات مغنم جهوي أو عرقي ، ولكن دون إستراتيجية للنهوض الثقافي أو خطة لتفعيل وظائفه ومؤسساته ليستكمل بها مغازي التحرر للمشروع الوطني بكل أبعاده الاتحادية .
* يملك سلطة تأسيس جديد للعلاقة بالإعلامي : بتحريره من وطء سياسة التلقين (المؤدلج) الذي لا يعمل إلا علي إعادة إنتاج (تخيلي) لعلاقات الواقع الحقيقي ، ومن ثم الانتقال به نحو إعلام أكثر معرفية وحوارية تُحل فيه إشكاليه التداول الحر للمعلومات وحريات التعبير الإعلامي والثقافي بحسبانهما آلالية الرئيسة لبناء منظومة التواصل الاجتماعي التي ستكون هذه المرة أساس المشروع الثقافي ألتغييري ، فالبعد المعرفي الحواري للوظيفة الإعلامية والثقافية هو نفسه الأداة السلمية التواصلية التي تشع أفكارها عبر التقنيات الاتصالية المختلفة : المعلومة ، الفكرة (كمضون ثقافي لبناء النسيج الاتحادي الاجتماعي)، والتبادل التكاملي للسلع والخدمات (الذي سيتيح البناء الثقافي للسوق الاتحادي الوطني) .
والخروج عن هذا المشهد الوطني ، بذات القدر لن يتم إلا بإنجاز وعي سياسي وإعلامي (تحرري) :
* يقوم بتقييم جذري للمسلمات القيمية والسلوكية لمنظومات الثقافة الإعلامية والسياسية في اتجاه تجاوزي (نقدي) لمركبات ثقافة سلطة الاستبداد السياسي ولمجموعة العناصر الثقافية المتكاملة التي تنتظم حول موضوع معين داخل ثقافة عامة أو فرعية لها لتعطي هذه المركبات صورة عن طرائق السلطة وأساليبها في التفكير والعمل والتنفيذ : الذي تشهده مراتع ساحاتها الخصيب بوسائل التغييب وفرض أنماط ألامبالاة التي تحول مواطنيها ألي جمهور من بلهاء المنتفعين : مابين نزوع إلي التسلط منشئه سوء استخدام السلطة ونزوع ألي التوريط في الأفعال دافعه الاحتواء السالب وتحطيم المثال الثقافي للبديل السياسي ثم تعلق بطقوسية (وثنية) سياسية تعتمد علي الشكلانية الثقافية والإعلامية التي تروج لأوهام المحافظة علي المصالح (العليا) التي يتم باسمها الحرمان الأبدي والنسبي كاداة للفرز السياسي وتنمية المصالح (الخاصة) حتي يكاد يصبح الولاء والفساد وجهان لعملة واحدة تروج فيها لبضاعة الإسفاف الأخلاقي والتشاكس ألشقاقي وصناعة التخاصم لكسب الانتماء التبريري والاستعطاف ألاجتراري وممارسة العنف والتهديد الثقافيين في مواجهة الآخر انتهاءاً بفرض الجمود الإعلامي والسياسي والخوف من التجديد الفكري.
* بملمح تغيير في البنية الثقافية والإعلامية للأطر الوطنية بأبعادها النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، التغيير في هذه البني سيطال بصورة مزدوجة ومتكاملة : البني والعلاقات الداخلية (للمؤسسة المدنية والحزبية)،والبني والعلاقات الخارجية(الفضاء المجتمعي العام) :
أ. فبالمحتوي النفسي الاجتماعي، فان أزمة الاحتراب الأهلي تعود بالأساس ألي غياب ثقافة السلام بأبعاده الحوارية القابلة للآخر والي ضعف التأسيس الأصولي التوحيدي السياسي لها ، وأزمة مشروع السلام الاجتماعي المستدام تعود ألي قصور في إدراك أن السلام حالة نفسية واجتماعية وليست شكلاً سياسياً إجرائياً ، فلابد من أعادة تفكيك أصول السلام الاجتماعي المنشود (= لإتاحة فرص التعامل العلمي معه) ، ولابد من ارتباطه المحوري هذه المرة بانجاز وثيقة الأوبة الإنسانية الوطنية التي تعني بالمراجعة التاريخية للمسار (=لإتاحة فرص التعامل الأخلاقي معه) اعترافاً بالأخطاء التاريخية والاعتذار عنها، ليس بالمعني السالب ولكن الايجابي الذي يتحمل النتائج والتبعات السياسية:
* بجدلية العدالة والمساواة ببعدها الإنساني لإزالة التشوهات النفسية ، وببعدها المجتمعي لإزالة التظالم الاجتماعي ، وببعدها الاقتصادي والسياسي لإزالة الاقتسام غير العادل للثروة والسلطة .
* بجدلية المحاسبة والمسامحة، فحماية حقوق الإنسان المدنية والسياسية لن تترك هذه المرة لوازعات الأخلاق وكريمات المثل وعسف التأويل الايدولجي،بل ستحاط بتدابير مادية تقودها ثقافة ومؤسسات المجتمع المدني ومراصده السياسية بحزم صارم وشفافية مطلقة.
ب . وبالمحتوي الاقتصادي والسياسي ، لابد من إعادة تركيب المفهوم السياسي من خلال ربطه بالقاعدة الاجتماعية وليس الاكتفاء بإنزاله من علِ لإصحاح المعادلة ليكون أساس المشروعية هي السلطة القاعدية السياسية للمؤسسة المدنية المحلية : سواء كانت حزباً أو تنظيماً أو مؤسسة نفعية عامه ، بل انه ينبغي التعامل مع هذه الكيانات بحسبانها تملك حقاً مشروعاً في الوجود والنماء الحر وفي الامتلاك (المستقل) لمشاريعها الثقافية والسياسية في وجه الاستعلاء السلطاني الذي لا يري فيها إلا مشاريع للهندسة (الوراثية) الأمنية ولتجريب تقنيات المناورة وهوامش المزايدة فيما يعرف بديمقراطية الحصص (الزائفة) والخطوط (الايدولوجية)الحمراء والامتيازات (المحفوظة) .
أن الأزمة الدستورية ليست في الانقلاب الشكلاني علي منطوقاته وأحكامه الإجرائية ، بل في غياب الثقافة المدنية في مجتمع تقليدي يعيش ظاهرة ما قبل الدولة التي تسودها علاقات البداوة والمشافهة من جهة، والي غياب التمييز الثقافي من جهة أخري بين مفهومي (الوطن ? الدولة ،السلطة ? النظام) الذي يتيح التفريق بين إستراتيجية (بقاء أو استمرارية) المشروع ، ومرحلية (فناء أو تداول) السلطة. أن التحديد السياسي والدستوري لهذين المجالين سيحافظ علي علاقة الوحدة داخل النسق السياسي للمشروع الوطني كله :
* بين مجال سيادي (تبايعي) محفوظ يستمد سلطته من الإجماع الشعبي المباشر بثوابته الإنسانية ومرجعيته الوطنية بعنصريها: الجغرافي (التراب الوطني) والاجتماعي (كل عناصر البناء الاجتماعي) تعبر عن تناقضه وضامنة لتوازنه وإستمراريته الوظيفية.
* وبين مجال سياسي (تعاقدي) متغير يخضع لسلطة قابلة للتعديل أو الإطاحة،تنزيلاً سياسياً، وكسباً واقعياً للمثالات الإنسانية والمرجعيات الوطنية مُعبراً عنها في شكل سياسيات تراعي خصوصيات محلية وعالمية وتخاطب قضايا معينة .
وعلي ذات الشاكلة فان أزمة الديمقراطية ليست في ترتيباتها النمطية والشكلية ولكن في غياب ثقافة الديمقراطية في مجتمع سلطوي مازال يعيش نمط الاستبداد العائلي والقبلي والطائفي والديني ،فالسؤال هو كيف الوصول ألي نمط ديمقراطي (وطني مستقل) يعين علي أصالة ممارسة التعبد السياسي ،غير مرتبط بوهم مركزية ثقافية أوربيه (عبر وطنية مفروضة) ... فالمعايير الثقافية المتوخاة للعملية الديمقراطية هي في مقدار مايتيحه نظامها من هيكل مؤسسي ومفاهيمي لممارسة الكسب التاريخي لمجتمع ما وتمثله لقيم تاليات تأخذ مؤشراتها من معاني :
* الحرية فيها مغزى أصولي توحيدي ، وليست حاصلاً لتجميع حسابي (ميكانيكي) للاغلبيات فهي ليست مجرد معطي إحصائي مادي بل هي قيمة ثقافية وأخلاقية وسلوك إنساني .
* التداول الاجتماعي ، يتحقق به مقتضي الاستخلاف الإلهي والعمران الإنساني: للسلطة السياسية فهي ليست عصبية وراثية أو طائفية دينية أو جهوية ، وللثروة المادية فهي ليست دولة بين الأغنياء ، وللثروة المعرفية فهي ليست احتكاراً كهنوتياً.
* إمكانية المحاسبة والمراقبة المستمرة للسلطة السياسية حتي لا تنحرف بالفتنة عن الأهداف الأصولية الكلية بمرجعياتها الثقافية الإنسانية ، فهي محاسبة تقوم بترتيبات مادية وأخلاقية معنوية بذات القدر.
* استبعاد العناصر الايدولوجية والنفسية التي تطبع الممارسة الديمقراطية وتؤثر علي قناعات المخاطبين بالعملية الديمقراطية : استخداماً غير مشروع لسلطة المال بتضخيمه النوازع الذاتية المنفعيه (المصلحة ألعامه ماهي الا مجوع المصالح الاقتصادية المتنفذة) ثم استخداماً غير مشروع لسلطة الأعلام بتضخيمه النوازع النفسية الغرائزية وإعلاء شهوات الانتصار والهزيمة لتضحي العملية الديمقراطية: إعادة الإنتاج المعرفي المشوه لحقائق المجتمع بتقدمتها في صورة سيناريوية مغايرة تماماً .
* مسألة حقوق الإنسان (أغلبية وأقلية) ليست فهماً انتقائياً يتحدد داخل حظيرةً حضارية دون سواها بل حقوقاً طبيعية ( بالفطرة الامحدودة) تحافظ علي الكليات الإنسانية التي ولد عليها الناس أحراراً ، وحقوقاً نسبية منتزعة في إطار اجتماعي وتاريخي (بالجهد المحدود) أمانة أخلاقية إنسانية علي البشرية وشهادة علي الناس والتاريخ .
الحاجة لثقافة إنسانية توحيدية .
) ليس الكافر من يحتقر آلهة الجمهور ... ولكن الكافر من يتبني تصور الجمهور عن الآلهة). تتعاظم الحاجة أكثر من أي وقت مضي إلي ثقافة أصولية توحيدية (مستقبلية) لتشكل حاضنة لتوالد فقهي أصولي توحيدي (مستقبلي) ... ذلك انه وبدون توافر هذا الأفق الثقافي الشامل لا يمكن تصور قيام التفقه الأصولي التوحيدي الذي يستلهم قضايا الواقع للإجابة علي تساؤلات المستقبل التاريخي وتناقض الحادثات الثقافية النسبي ليستجمعها في مثال ثقافة كمالات الأزل المطلق ، ففي إطار معادلة الفعل : فان الثقافة شرط لازم للفقه ، وفي أطار معادلة المفاعلة فان التثاقف ضرورة حيوية للتفقه.
ومنهجية هذا الثقافة الأصولية التوحيدية تنطلق : أولا من محاولة تجاوز الأسلوب الثقافي التقليدي ، بانجاز القطيعة (الابستمولوجيه) مع مفرداته ومقولاته ، بمعني أن تكون هنالك فكرة مركزية تساق بصورة ملتزمة ب : ضابط موضوعي (وحدة المضمون والمصطلح لإحداث التوالد النوعي) وضابط عضوي (الترابط المنهجي والمنطق الرياضي بين مختلف أبواب وأقسام هذه الثقافة لإحداث التوالد التراكمي).هذه المسالة سوف تطرح إشكالية جديدة وقديمة في نفس الوقت : ماهو الطموح النظري لهذه الثقافة ؟ هل هنالك من غاية معينة أم تجرد كامل غير خاضع للتأويل العاطفي؟ وكيف من قبل تتم المعادلة بين العناصر الموضوعية المعرفية والايدولوجية ؟ . إن تخطي هذه التساؤلات سيخرجنا دون شك من فخ الثقافة الفقهية (المحرفة) لإغراض السلطة السياسية والاجتماعية المصنوعة في وجه التداعي الحر والطليق من كل هوي نفسي أو مزاج ذهني أو حتى ترغيب وترهيب مادي ومعنوي (= التفقه السلطوي). وهي ثانياً مطالبة إجرائيا بل وحتى مفاهيمياً بتحديد مساحة التلاقي والتقاطع مع الثقافة الأصولية السائدة التي تتناول الرموز والتجارب الماثلة ، خصوصاً تلك التي لا تنفك تداعياتها التاريخية تحدث أثرا سياسياً يومياً فاعلاً لا يكاد يسعفها من الانغماس في مفرداتها المستحكمة وصعوباتها اليومية ، فتجسداتها الواقعية ترزح تحت وطئها الانفعالي من حيث أنها : لم تأخذ حظها التاريخي الكامل ولم تبلغ بعد نهايات دورتها الاجتماعية ، أو أنها قد تكون مقولات أو تجارب خلافية لايشترط الإجماع حول مدخولاتها علي مجمل التجربة السياسية الوطنية بل وحتى على مجموعة مقدرة من التجارب السياسية الإقليمية والعالمية . وتخطي هذه العقبات سيخرجنا دون شك من دائرة التعميم الاسقاطى الذي لايرى في الراهن (البائس) إلا تمام أنموذج الثقافة الفقهية المتفرد الذي لايجوز التطاول عليه (= التفقه السياسوي). وثالثاً لابد من أن ترسم ملامح الإطار التاريخي والمحتوي الاجتماعي لما يراد لهذه الثقافة الأصولية أن تبلغه من أشواط وأهداف موصولة بمجمل التجربة السياسية الوطنية أو بمجموعة مقدرة من التجارب السياسية الإقليمية والعالمية بحسبان ما تعكسه هذه الثقافة علي المقولة الإسلامية تقليدية كانت أم حداثية بأشكال تراوح هذه الخطاب الثقافي الأصولي مابين العامة الجماهيرية والخاصة الصفوية أو لداخل وطني إسلامي بلغة وقضايا ذات خصوصية محلية وخارج عالمي وإسلامي مستجيب لتحديات أوضاع ونظم دولية تقتضى حواراً معمقاً مع الغرب حضارةً وإنسانا . خصوصاً لجهة كوننا لا نرى تقييماً فاحصاً لهذه الرموز والتجارب إلا بعد نهاياتها بالفناء الطبيعي (تحللاً ، تفككاً، أو استيفاء لإغراض المرحلة بسبب الجمود وعدم القدرة علي المواكبة) أو بالفناء غير الطبيعي (قضاءاً مادياً علي هذه الرموز والتيارات بفعل القوة الغاشمة) . إن تخطي هذه العوائق سيخرجنا دون شك من شبهة الافتقار للحس التاريخي والاجتماعي الذي يخرج هذه الثقافة من إطار قانون السنن الكونية والفاعلية العمرانية (=التفقه الاتاريخي) .
ومن ضمن ماينبغي أن يستصحب مفاهيمياً اتساقاً مع هذه الإطار المنهجي :ثقافة أصولية توحيدية في النظرِ لبنية النص القرآني سواء علي مستوي الدالة الايدولوجية للعلاقة بين الناس والله (عز وجل) ، أوعلي مستوي الدالة المعرفية لعلاقة العلم بالغيب، فمصدر الإرادة هو الله (عز وجل): إرادة الناس ، إرادة العلم . فإرادة المجموع الإنساني تستقيم بقوة الإرادة الآلهية ، وغيب اليوم هو علم الغد يستمد نورة من ذات المشكاة الآلهية . وتمثلات هذه المطلق ( الاتاريخي) تتم عبر تمثلات نسبية (تاريخية) لتعبر إرادة الناس (الايدولوجية ، المعرفية)عن هذا ألتوق للتوحد مع المطلق، وبمقدار ما تقترب هذه إلا رادة (النسبية) من التعبير عن إرادة المثالات (المطلقة) كلما اقتربنا من كمالات لا تحدها نسبية جغرافية المكان أو تاريخية الزمان لتطبع حركية هذه المسيرة عبر المجاهدة الإنسانية التي تعبر عن نفسها بصورة كسب تاريخي اجتماعي متجدد .
ومن ما يستتبع بلوغ تمام هذه النظر تحليل لعناصر :(النص ،الخطاب) القرآني لصالح كونيته التي تتأتي من كونه معبراً عن نظرية الوحدة الكونية بمستويات:(الوحي،الوعي) و(المعرفة ،السنن) و(الإدراك ،الأشياء).فالخطاب يعبر عن وحدة المعرفة الإنسانية ، فالقرآن الكريم هو كتاب الرموز الدلالية الإنسانية المشتركة اللغوية والسياسية التي تستوجب التفسير الموضوعي: لديناميات الوعي بمضامينه ومفرداته (أي لمنطقه الداخلي) وصولاً لأساس المنطق التوحيدي المعرفي لعناصر بنائه (=موضوعات النزول)، ولميكانيكيات الوحي بلحظات انتقالها النوعي (أي لمنطقه الخارجي) التي تمهد لمراحله المفصلية :هل كانت تؤسس لقطيعة مع قضايا كل زمان أم تكاملاً معها؟ وصولاً لانسجام المنطق التوحيدي التاريخي لواقع حادثاته(=أسباب النزول). ليتم من خلال شرطي (الموضوع ،السبب) استنباط :الشمول التوحيدي والتكامل التاريخي والتعدد المعرفي لبنية النص والخطاب القرآني،التي تتيح أمكانية واقعية لتهديم أسس التنطع التقليدي لغلاة السلفية باحتكارها ألصفوي للسلطة النصية فاتحة الباب واسعاً أمام طاقات تأويليه هائلة ومقدرات اجتهادية حافزة لجمهور العامة في اتجاهات علمية أكثر شعبية وحرفية : فالإمكانات الامحدودة لهذا (النص ،الخطاب) تصلح لإعادة تأويلها الرمزي لإنتاج عدة خطابات كلية وفرعية بمفردات مستمدة من لغة القرآن الكريم بتنوع كثيف لا يخل بالعواصم الأصولية ولكنه أيضاً لا يستبعد السياقات التاريخية و الجغرافية ، بحيث يمكن التعبير به ولذات المعاني بصورة قد تحرض الناس علي السلطة الاجتماعية بصورة تثويريه أو إصلاحية .
ومما يلزم استدراكاً لذلك ، التفريق الثقافي علي المستوي النظري الأول بين الدين(كأصول مطلقة قرآنية وسنية) والتدين (الذي هو حظ الممارسة الإنسانية الفردية والجماعية في التعبير الشامل عن هذه الأصول) ، ومن ثم الفكر الديني (الذي يحوي منظومات الأصول المطلقة) والفكر ألتديني (الذي يطمح تاريخياً لتحقيق المُتنزلات النسبية لهذه الأصول). ليتبع بعد ذلك علي المستوي التطبيقي الثاني التفريق بين مصطلحي : فكر ،خطاب. فمصطلح الخطاب هو الأقدر عن التعبير عن الخصوصية الذاتية بمحدودية معطياتها ، بينما يمكن أن نقول الفكر السياسي لعصر معين بعموم ملامحه . الخطاب السياسي هو الرؤية التأويلية الأقرب عن التعبير عن العناصر الايدولوجية في هذه الرؤية لرمز سياسي أو فكري ما أو لتيار أو حزب أو جماعة في مرحلة تاريخية سياسية معينة ، وذلك استجابة لمجموعة من تحديات راهنة وضاغطة.والمصطلحين بهذا المعني : الفكر اقرب للشمول والتجرد ، والخطاب اقرب للتعبير عن الخصوصية (العاطفية) لمرحلة تاريخية ما : فالخطاب هو اختزال الفكر المعين بتحوله إلى مفردة يومية جماهيرية ، فهو عرضة لتقلبات الأحوال الاجتماعية والسياسية والأهواء والأمزجة النفسية والذهنية للتفاعلية الخطابية أو لعناصر العملية الثلاث : مُخاطب ،خطاب ، مخاطبين ...الخطاب دائماً مشدود لفكر ما ، والفكر دائماً يستمد مشروعيته من مرجعية . وفي الحالة الإسلامية = هنالك مشروعية مرجعية تستند علي نص قرآني وسني ، وكسب تاريخي يتجسد في فكر يعبر عن هذه المشروعية ، وكسب واقعي في خطاب يستلهم هذا الفكر المستند علي هذه المشروعية، فالخطاب كسب يومي للرهانات المرحلية والإستراتيجية : فهو المشروع الواقعي للمثالات المجردة، وهو بلغة ابسط برنامج العمل الجماهيري الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لرمز فكري ما أو لتيار أو حزب معين . فهو أذن إما تعبير عن حالة (تفرد فكري) يمثله رمز معين أو أطروحة أكاديمية منفعلة بقضايا نظرية قد لأتكون ذات علاقة بالمجتمع ، أو هو تعبير عن رؤية لتيار جماعي منظم بغية إحداث تغيير ما بغايات وأهداف واضحة ذات علاقة حميمة بمجتمع تاريخي ما .
الخطاب أذن مطالب بالابتعاد ثقافياً عن النمطية السلفية (تحليلاً وتحريماً) بذات قدر ابتعاده عن التحول إلي (منفستو) صنمي لمجموعة من المسلمات القدرية التاريخية، وهو مدعو أيضاً لتجاوز ثقافي للتصارع داخلة مابين (الدوغمائية) المثالية و(البراغماتية) العملية : فلمصلحة من يدار الخطاب؟ لصالح الفكر المبدئي أم السياسة المتجددة ؟ فأيهما يفرض أولوية علي الآخر وأيهما يتحكم بالآخر ويقبض علي زمامه ؟ إن تحديد نقاط الالتقاء والمفارقة وبيان الحدود الإجرائية والمنهجية بينهما تعطي كل مستوي حق قدره وتعين علي اكتشاف حدود الآخر وإمكاناته الداخلية بصورة لا تحجب الرؤية التاريخية السليمة في مجتمع تقليدي ذاكرته التاريخية ووعيه بها ضعيفين جداً،بل وتطبعهما تقلبات سياسية مفاجئه ،غير ممهدة ، وحتى متناقضة قد لا يجد الإنسان العادي من رابط بين ظاهراتها .
كاتب صحفي و باحث في مجال دراسات السلام و التنمية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.